رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كنيستنا المصرية وإعلام التنوير

لا شك أن الثقافة فى كل حالاتها نور يشى بحالة من الاستضاءة الفكرية والعقلية والتنويرية لدى متلقى مخرجاتها، وتجعله يرى على هداية ضوء مصباح العقل وبوعى أقرب إلى الاكتمال بمعرفة ما له وما عليه من حقوق وواجبات، ولأن الثقافة بالفعل نورٌ فإن الرؤية تصح فى مناخها.

نعم، عزيزى قارئ جريدتنا الغراء التى أشرف بالكتابة إليها على مدى ما يقارب حقبة من الزمان لروعة ما يحاول ذلك الإصدار، بتوجيه من قياداته، الاهتمام بالجانب الثقافى والتنويرى لحساب قارئ متميز، ولما كانت الثقافة دعوة متجددة لامتلاك ناصية المعرفة، وبالمعرفة يمكننا وضع اللبنات الأولى لأسس الوعى، وبالوعى تتسع آفاق الحرية، فالثقافة على هذا مكون عامل ومعنى بكل استضاءات التنوير، متعلق بالحرية ومبنىٌ عليها، وهكذا تغدو الحرية أحد منطلقات الفعل الثقافى وفاعلية الثقافة، وتكاد تكون روح مناخ التواصل الإبداعى الذى لا بد من إعداده وصناعته ليحدث هذا التمازج البديع بين شركاء وصناع المنتج الثقافى والإبداعى، ولتكتمل دائرة الفعل الثقافى، بدءًا بالفرد وانتهاء بالشعب مرورًا بالبيئة التى يعود إليها فضل التميز.

وفى مجال التميز الثقافى يبقى للإعلام التنويرى أهميته فى تحقيق ذلك التميز، وأرى أن اللقاء الرائع الذى أجراه الكاتب الصحفى المتميز أحمد الطاهرى، رئيس تحرير مجلة روزاليوسف العتيدة، مع قداسة البابا تواضروس الثانى، والذى تميز عن كل اللقاءات السابقة مع قداسته لأهمية التوقيت، ولتنوع مناطق الحوار، والذهاب لمناطق جديدة فى حياة قداسته الروحية والوطنية والإنسانية- لقد جاء اللقاء متزامنًا مع إعلان الكنيسة المصرية، برعاية قداسته، موقفها الرائع الرافض لتصريحات «زكريا بطرس» المسيئة للإسلام- والتى أراها بشكل شخصى أنها مسيئة للمسيحية أيضًا لخروجها عن تعاليمها- فى بيان رسمى معلن، أنه قد تم انقطاع صلته بها منذ أكثر من ١٨ عامًا، وأوضحت أنه كان كاهنًا فى مصر وتم نقله بين عدة كنائس، وقدم تعليمًا لا يتوافق مع العقيدة الأرثوذكسية، لذلك تم وقفه لمدة، ثم اعتذر عنه وتم نقله لأستراليا ثم المملكة المتحدة، حيث علّم تعليمًا غير أرثوذكسى أيضًا، واجتهدت الكنيسة فى كل هذه المراحل لتقويم فكره، وأشار البيان إلى أن الكاهن السابق قدم طلبًا لتسوية معاشه من العمل فى الكهنوت، وقَبِل الطلب البابا شنودة الثالث بتاريخ ١١ يناير ٢٠٠٣، ومنذ وقتها لم يعُد تابعًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية أو يمارس فيها أى عمل من قريب أو بعيد، وتابعت: «بعدها ذهب إلى الولايات المتحدة واستضاف البعض اجتماعاته فى بيوت وفنادق، وحذرت إيبارشية لوس أنجلوس شعبها من استضافته وقتها».

وأكد البيان: «نحن من جهتنا نرفض أساليب الإساءة والتجريح، لأنها لا تتوافق مع الروح المسيحية الحقة، ونحن نحفظ محبتنا واحترامنا الكامل لكل إخوتنا المسلمين»..

وأوضح قداسته فى اللقاء أن «الجمهورية الجديدة» شعار يتناسب مع ما حققته مصر خلال السنوات الأخيرة، وأنه عاصر كل رؤساء مصر منذ ثورة ٢٣ يوليو، ولكن تبقى الإنجازات، خلال عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، غير مسبوقة، وأكد أن مصر دخلت عصرًا جديدًا بمقومات حياة جديدة، كما أضاف قداسته أن افتتاح كاتدرائية ميلاد المسيح ومسجد الفتاح العليم بالعاصمة الإدارية الجديدة مَثَّل رسالة هامة بأن المؤسسة الروحية هى أول شىء فى بناء الإنسان، كما أن بناء مسجد وكنيسة بهذه الضخامة خلال سنتين هو شىء لم نشهده من قبل..

ومن أطرف تصريحات قداسة البابا التى أدلى بها خلال الحوار فيما يخص الشخصيات التى أثرت فى حياته بعيدًا عن دائرة الأسرة، قال قداسته إنه تأثر بمدرسته فى المرحلة الابتدائية، وبكاهن كنيسته فى دمنهور، ونيافة الأنبا باخوميوس مطران إيبارشيته، كما كان للقديس البابا كيرلس ومثلث الرحمات البابا شنودة تأثير كبير على شخصية قداسته. وعلى الصعيد الوطنى تحدث قداسة البابا عن كواليس فترة ثورة ٣٠ يونيو وكيف حاول قداسته وفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر قراءة رد فعل الدكتور محمد مرسى ونظرته لما كان سيحدث من خلال زيارة له قبل الثورة بأيام، لكنهما وجداه غير مدرك للغليان الموجود فى الشارع، واستأنف قداسته الحديث فذكر كواليس يوم ٣ يوليو، وكيف كان البيان الذى ألقاه وزير الدفاع «وقتها» الفريق أول عبدالفتاح السيسى نتاج نقاشات أدارها بطريقة ديمقراطية واستمع فيها للجميع ووضح وجهات نظر معينة، وبناءً على هذه النقاشات تمت صياغة البيان.

وفى إطار الحديث عن تاريخ كنيسة الإسكندرية، قال قداسته إن الكرسى الرسولى بالإسكندرية هو الثالث على مستوى التاريخ بعد القدس وأنطاكية، مضيفًا أن كنيسة الإسكندرية قدمت أول بابا فى التاريخ ومن بعدها روما.

وأضاف قداسته أن الكنيسة المصرية واحدة من أقدم كنائس العالم، وأن مصر أهدت المسيحية حول العالم نظام الرهبنة والأديرة، وأن أقدم أديرة العالم موجود فى مصر، كما دعا جميع المصريين لزيارتها لمعرفة تاريخ وحضارة بلادهم.

وتحدث قداسة البابا عن جملته الشهيرة وقت الاعتداءات على الكنائس فى أغسطس ٢٠١٣ «لو حرقوا الكنائس سوف نصلى مع إخوتنا المسلمين فى المساجد، ولو حرقوا المساجد سوف نصلى معهم فى الشارع».

إنها الكنيسة المصرية التى قال عنها عميد الأدب العربى د. طه حسين محييًا ومقدرًا دورها التاريخى وعارضًا رؤاه لتطوير تلك المؤسسة الوطنية بكل شفافية وموضوعية علمية، فى مقال شهير.. قال «الكنيسة القبطية مجد مصرى قديم ومقوم من مقومات الوطن المصرى، فلا بد من أن يكون مجدها الحديث ملائمًا لمجدها القديم».