على اختلاف الأحوال.. هل يتحدث أهل الجنة مع أصحاب النار يوم القيامة؟
ورد سؤالا إلى دار الإفتاء، عبر البث المباشر على الصفحة الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" من سائل يقول: قال الله تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾/ وفي آية أخرى ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾، فكيف يتحدث أهل الجنة مع أهل النار وهم لا يسمعون في الآية الثانية؟
وأجابت الدار قائلة: "إن القرآن الكريم كتاب الله المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.
وأضافت الدار أن إثباتُ السماع لأهل النار في موضعٍ ونفيُهُ عنهم في موضعٍ آخر محمولٌ على اختلاف الأحوال التي يمر بها أهل النار، فتارةً يُحشَرون صُمًّا كما يُحشَرون عُمْيًا زيادةً في عذابهم، كما قال تعالى: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾، وتارةً يُسمِعهم اللهُ تعالى نداءَ أهل الجنة ويُمَكِّنُهم من إجابتهم، وتارةً يُجعَلون في توابيت من نار، والتوابيت في توابيت أُخَر، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إِذَا بَقِيَ فِي النَّارِ مَنْ يُخَلَّدُ فِيهَا جُعِلُوا فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ، فِيهَا مَسَامِيرُ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ جُعِلَتْ تِلْكَ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ جُعِلَتْ تِلْكَ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ قُذِفُوا فِي أَسْفَلَ الْجَحِيمِ، فَيَرَوْا أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ فِي النَّارِ أَحَدٌ غَيْرَهُمْ.
وتابعت الدار: ثُمَّ تَلَا قولَه تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ " رواه البيهقي في "البعث والنشور"، ونوهت بأن فلذلك لا يسمعون شيئًا، وهو محمولٌ أيضًا على أنهم لا يسمعون ما ينفعهم وإنما يسمعون أصوات المعذَّبين أو كلام من يتولى تعذيبَهم من الملائكة، هذا إن حُمِلَ الضميرُ في قوله: ﴿وَهُمۡ فِيهَا لَا يَسۡمَعُونَ﴾، على أهل النار، أما إن كان راجعًا إلى المعبودين، على ما قاله الإمام أبو مسلم الأصفهاني- فلا إشكال، ويكون المراد أنهم لا يسمعون صراخهم وشكواهم سماعَ إغاثةٍ ونُصرةٍ على حد قول القائل: سمع الله لمن حمده أي أجاب الله دعاءه؛ كما وصفهم الله تعالى في الدنيا في قوله: ﴿وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ اللهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾.
