رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«هاكرز الاتصال».. «الدستور» تتحدث مع ضحايا منتحلي خدمة عملاء البنوك

عصابات المكالمات
عصابات المكالمات الوهمية للبنوك

بكلمات يبدو عليها الجدّية والثبات من صاحبها، يبدأ المتحدث عبر الهاتف في تعريف نفسه لك بأنه واحدًا من أفراد خدمة عملاء أحد البنوك الشهيرة، ويحتاج التواصل معك لدقائق فقط من أجل تحديث بياناتك الشخصية الخاصة، محذرًا إياك بنفس الجدية التي بدأ بها الحديث في حال عدم امتثالك للإجابة عن أسئلته من أنه ستتوقف جميع حساباتك في البنوك.

هذا باختصار مضمون «مكالمة النصب» التي ذاع صيتها بهذه الأيام، وتدعي فيها عصابات النصب بأنها تتبع خدمة عملاء البنوك لتحتال على أموال العملاء من خلال سرقة بياناتهم الشخصية بهذه المكالمة بزعم التحديث، لتجد ذاتك وكأنك أصبحت ضحية ضمن أحداث مسلسل 100 وش الشهير.

هذا الأمر الذي حدث مؤخرًا مع إحدى عملاء بنك مصر، تلك السيدة التي تنتمي إلى بلدة سمالوط، وذلك عندما أخطأت وأعطت أحد أفراد تشكيل عصابي بياناتها السرية بعد إغرائها بجائزة عن طريق مكالمة هاتفية وردت إليها زعم محدثها أنه يتبع بنك نصر ليتم سرقة 200 ألف جنيه من حسابها البنكي.

 بل ويُكشف بعدها عن 13 واقعة أخرى حدثت كذلك ببنك مصر تم على إثرها سُحب 2 مليون و700 ألف جنيه مصري، وهو الأمر الذي استنفر جميع البنوك من أجله بشدة لتوجيه رسائل تحذيرية لعملائها بألا يعرضوا بياناتهم الشخصية وبالتالي أموالهم للسرقة، وذلك بسبب الاستجابة لمكالمات هاتفية مجهولة.

 في هذه السطور نتناول شهادات حية من بعض المواطنين الذين تعرضوا لهذه المكالمة الزائفة، وأعلنوا تجاربهم على وسائل التواصل الاجتماعي، شارحين ما تعرضوا له، بل وكاشفين أرقام تليفونات الأشخاص الزائفة التي حاولت النصب عليهم باسم خدمات عملاء البنوك

محمد خليفه: ضحكت على النصاب ورفعت منشورًا تحذيريًا على الفيسبوك

محمد خليفة كان من بين من تعرضوا لعملية احتيال، إلا أنه انتبه لها سريعًا، وقال في منشوره أنه استقبل اتصالًا تليفونيًا من أحد الأرقام “وذكر الرقم الهاتفي”، ادعى محدثه فيه أنه أحد موظفي خدمة عملاء البنك المركزي، ويعمل على تحديث بيانات كارت “الفيزا” الخاصة به، وطلب منه إمداده بعدد من البيانات الشخصية، محذرًا إياه في الوقت نفسه أنه في حال عدم استجابته سيتم وقف “الكارت”. 

باغته خليفة بالسؤال عن أي كروت يريد تحديث بياناتها، ليجيبه الآخر قائلا: “كل الكروت اللي معاك”، يقول محمد سألته: طب إيه نوعية البيانات اللي محتاجها، فأجابه صاحب المكالمة قائلًا: “كل البيانات ولازم الرقم السري عشان نطابقه مع اللي عندنا، وإلا سنضطر لوقف الكارت”.

وهنا حسب ما وصف خليفة فقد ضحك ساخرًا على ذلك النصاب، موضحًا أنه كشف عن حيلته بسهولة، وذلك لسماعه عن أساليب السرقة تلك كثيرًا. وتابع بقوله أنه انهال على موظف البنك المدعي بالعديد من عبارات السباب، وأوضح له أنه “قديم قوي في النصب”، وما كان من هذا المتصل إلا أن أغلق السماعة سريعًا. 

لذا صمم خليفة على أن يشارك المواطنين تجربته، على وسائل التواصل الاجتماعي تحذيرًا لهم من الاستجابة لمثل هذه المكالمات.

 محمد جبر: النصاب اتصل بخطوط تليفونية متسلسلة أنا وزملائي في الشركة

 يروي محمد جبر، مدير مبيعات بإحدى الشركات الكبرى عن تجربته في واقعة اتصال منتحلي خدمة عملاء البنوك به، موضحًا أنه ورده إليه اتصالًا تليفونيًا مسجل على “التروكولر” بأنه حرامي مدعي خدمة عملاء بنوك، إلا أنه رد على اتصاله، وبالفعل تأكد من نصب هذا الشخص بعد أن طلب منه الإدلاء ببياناته الشخصية من أجل تحديث بيانات “الفيزا”، حيث كانت إجابة جبر عليه أنه ليس لديه أي حسابات بنكية مما دفع النصاب إلى قطع الاتصال، وإغلاق الهاتف نهائيًا بعد ذلك. 

وتابع محمد أن ما تم اكتشافه بعد ذلك أن هذا المنتحل يتصل بأرقام هواتف متسلسلة ففي شركته يحمل جميع العاملين أرقام خاصة بها متسلسلة، فإذا بهذا المنتحل يتصل بزميل يلي الآ خر وكان بينهما أحد العاملين  “مندوبًا للمبيعات” الذي نجح في النصب عليه بفعل تلك المكالمة الإجرامية وحصوله على جميع بياناته الشخصية حيث سحب رصيده بالكامل في البنك، وهو مبلغ 20 ألف جنيه، مما جعل جبر يصر بعد ذلك على رفع منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، يروي فيه حادثة تعرضه هو وزملاؤه لذلك النصب. 

سلوى: شكيت فيه من الأول وأعطيته أرقام وهمية  

قصّت  سلوى عبد الفتاح ما تعرضت له على يد هذه العصابات قائلة “اتصل بيا واحد قالي أنا اسمي محمود إبراهيم من وحدة تحديث بيانات البنك المركزي اللي بيشرف على البنك”  فسألته: “بخصوص إيه” قال “بخصوص تحديث بيانات حضرتك.. محتاج اعرف تاريخ انتهاء الفيزا ورقمها“.

قالت بالطبع شكيت فيه، وأعطيته ارقام وهمية، وقطعت معه الاتصال على الفور، موضحة أنها قررت بعد ذلك نشر تجربتها على “الفيسبوك“ ليستفيد منها الآخرون. 

مسئول مركز الاتصال ببنك مصر: لا يوجد ما يسمى تحديث بيانات بالهاتف

 أكد خليفة مجدي مسئول مركز الاتصال “خدمة العملاء” ببنك مصر، أنه لا يوجد ما يسمى بتحديث البيانات عن طريق الهاتف، موضحًا أن التحديث يتم بناءًا على رغبة العميل وبطلب كتابي منه، وأضاف أن خدمة عملاء البنوك لا تتصل بالعميل، ولكنها ترد على استفساراته في حال اتصاله بالأرقام الرسمية للبنك. 

أ/خليفة مجدي 

وتابع خليفة مجدي، أن مسئولية سرقة أموال العملاء عن طريق تلك مكالمات النصب تلك تقع في الأساس على عاتق العميل الذي سلم بياناته الدقيقة بسهولة لمتصل لا يعرف عنه شئ، موضحاً أن ذلك الأمر يرجع إلى أن كثيرًا من العملاء ليسوا على دراية كافية بالأساليب التكنولوجية، والرقمية المتبعة في جميع المؤسسات وبالتالي يستغل النصابون المحترمون ذوي الكفاءة التكنولوجية ذلك وتتم سرقتهم بمنتهى السهولة مثلما حدث.

 وأوضح مجدي أن حل هذا الأمر يكون بالتوعية المستمرة للمواطنين وكذلك التحذير الدائم لهم من مثل هذه المكالمات، وهو الأمر الذي بالفعل بدأت في تنفيذه جميع البنوك حاليًا، موضحاً أن بنك مصر يكشف بجميع إعلاناته عن الأرقام الخاصة به والتي لا يجب التعامل مع أرقام غيرها للتواصل مع البنك. 

وأضاف مسئول مركز الاتصال أنه في حال حدوث واقعة السرقة فلا يمكننا إنكار أنه من الصعب على البنك مساعدة العميل،الذي أعطى للمتصل السارق" بيانات الكارت والرقم السري والكود، وذلك إلا في حال لم يؤكد هذا السارق العملية أثناء عملية التحويل، ففي هذه الحالة فقط يمكن التراجع عن العمليات التي قام بها وعدم سحب الأموال. 

الخبير التكنولوجي: الجرائم الإلكترونية لا يمكن السيطرة عليها بشكل كامل

 من جهته أكد المهندس طلعت عمرو،  نائب الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات لـ«الدستور»  أنه يجب الاعتراف بأن الجرائم الإلكترونية إلى الآن ليست هي الجرائم التي يمكن السيطرة عليها بنسب كبيرة، موضحًا أن عالم التكنولوجيا والرقميات هو عالم افتراضي كبير ومعقد ومن يسبق بالمعلومات فيه يستطيع تطويعه للاستخدام إما بالشكل الإيجابي فيحقق طفرات رقمية مفيدة، أو بالاستخدام السلبي مثلما حدث بتنفيذه لسرقات إليكترونية من الصعب كشفها من قبل كثير من المواطنين الذين لم يواكبوا تلك التطورات بعد، والذين لم يطلعوا على مثل هذه الحيل الإجرامية. 

وتابع طلعت أن مكالمات النصب باسم خدمة عملاء البنوك يمكن كشفها إلى حد ما إذا كان المتصل داخل نطاق الدولة “من داخل مصر”، وذلك عن طريق تتبع الموقع الجغرافي الذي منه هذا الشخص وبالتالي الوصول إليه والقبض عليه ومن ثم استرداد الأموال منه، أما في حال كان المتصل"النصاب" من خارج البلاد فحينها لا يمكن على الإطلاق الوصول إلى هذا الشخص ومنعه من سحب الأموال في حال تم إعطاؤه بيانات كارت الفيزا. 

 لذا شدد طلعت على ضرورة توخي المواطنين ‏للحفاظ على البيانات الشخصية والخصوصية في أي من تعاملات الإليكترونية، موضحاً أن المواطن هو المسؤول عن حماية نفسه من تلك الجرائم بعدم الإفصاح عن أي من معلوماته الخاصة إلا بعد التأكد من هوية المتعامل معه، خاصة في ظل عدم وجود مظلة قانونية دولية حقيقية- على حد قوله- تجرم فعليًا الجرائم التي تتم بالوسائل التكنولوجية الحديثة. ‏ 

استشاري تكنولوجيا المعلومات: لا حيلة لنا أمام التطور التكنولوجي ولكن يجب الحذر

 من جهة أخرى أكد إسلام غنيم، استشاري تكنولوجيا المعلومات أن منتحلي خدمة عملاء البنوك هم في الحقيقة لصوصًا مطلعين على أحدث الوسائل التكنولوجيا التي يمكنهم بها خداع المواطنين موضحًا أنه من ضمن الحيل التي خدعت سيدة سمالوط هو اتصال اللص بها من خلال رقم مختصر، وبالتالي ظنت أن إدارة البنك بالفعل هي المتصلة، موضحًا أنها حيلة في منتهى الخبث يستخدمها هؤلاء اللصوص، وهي اللجوء إلى شراء الخطوط المختصرة الخادعة، بل وأكد كذلك غنيم على أن هؤلاء يستطيعون أيضًا الحصول على بعض الخطوط الدولية للاتصال من خلالها وبالتالي إيهام العملاء انهم يتصلون من خارج مصر.

 لذا أكد إسلام أن وسائل الخداع في العالم الرقمي كثيرة، إلا أنه لا حيلة لنا أمام التقدم في هذا المجال الواسع مشيرًا إلى أننا في مصر على هذا التقدم التكنولوجي الكبير إلا أننا مازلنا في المستويات الأولى منه، وعلينا الاعتراف بفائدة التطور التكنولوجي والرقمي الكبير، ولكن من ناحية أخرى فعلينا عدم إنكار خطورته الكبيرة أيضًا لذا الحرص عند إدلاء المعلومات هو الحل الوحيد، مشيرًا أنه على سبيل المثال من الممكن إتمام عمليات السحب والإيداع عن طريق التحويل إلى شركات الاتصالات الكبيرة مثل فودافون كاش وما شابه، وذلك حرصًا على عدم التعرض لعمليات السرقة وبذلك يكون قد حقق العميل نسبة أمان كبيرة في تداول معلوماته ولكنها ليست بالنسبة الكاملة وذلك لكون العالم الرقمي الافتراضي لا يوجد فيه آمانًا معلوماتيًا بنسبة مائة بالمائة. 

مهندس إسلام غنيم

مساعد وزير الداخلية الأسبق: بيع الخطوط التليفونية العشوائي يصعب المهمة على رجال المباحث 

اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية الأسبق، وعضو مجلس الشيوخ، أوضح لـ«الدستور» أنه على من يتعرض لجرائم النصب باسم البنوك، أن يتصل فورًا بمباحث الأموال العامة، والتي تظهر أرقامها المختصرة دائمًا من خلال شريط العرض اسفل القنوات التليفزيونية الرسمية. 

وتابع فاروق أن معظم قضايا النصب تلك التي كان المتصل اللص فيها داخل البلاد فقد تم القبض عليه من خلال تحديد موقعه، أما القضايا الأخرى التي يكون فيها المتصل خارج البلاد فلم يمكن التوصل إليه، لذا ناشد فاروق المواطنين أنه في حال التعرض لمثل عمليات النصب تلك التحرك السريع بالإبلاغ قبل هروب "النصاب" خارج البلاد. 

كما ناشد المقرحي شركات الاتصالات كافة أن تتحرى الدقة في بيعها الخطوط التليفونية، وذلك من خلال حرصها على عدم بيع أي خط إلا بعد الحصول على بيانات بطاقة المشتري، وكافة المعلومات الهامة، وذلك بدلًا من عملية البيع العشوائي للخطوط التي ينتج عنها كمًا هائلًا من الخطوط مجهولة الملكية، ويتم استغلالها من البعض في تنفيذ العديد من الأعمال الإجرامية مما يصعب الأمر على رجال المباحث. 

اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق وعضو مجلس الشيوخ

والجدير بالذكر أنه قد حذر محمد الأتربي، رئيس بنك مصر، من أن هناك تشكيلاً عصابيًا يستغل عدم دراية العملاء بالحصول على الرقم السري من العميل والنصب عليهم.

الإتربي: هناك حسابًا إلكترونيًا لكل بنك يستطيع العميل استخدامه

 وناشد رئيس بنك مصر المواطنين قائلًا: «أرجوكم لا تعطوا البيانات لأي شخص، ويجب العودة إلى الرقم الموحد المدون على كل بطاقة في حالة تلقي اتصال من أي رقم كما أضاف أنه لا ينبغي إعطاء البيانات لأي شخص يتصل بالعميل حتى ولو كان من خدمة العملاء، مشيرًا إلى أن هناك حسابًا إلكترونيا لكل بنك وهو آمن ويمكن العميل استخدامه دون زيارة البنك. 

العقوبة القانونية

 تجدر بالإشارة إلى أنه وفقًا للمادة 23 من القانون رقم ١٧٥ لسنة ٢٠١٨ فى شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر والغرامة التى لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، فى الوصول بدون وجه حق إلى أرقام أو بيانات أو بطاقات البنوك والخدمات أو غيرها من أدوات الدفع الالكترونية. فإن قصد من ذلك استخدامها فى الحصول على أموال الغير.