رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في انتظار استضاءات التنوير

لاشك أن التحولات التاريخية التي يعيشها الناس في الحقب الأخيرة قد فرضت علينا قرارات لمواصلة العيش في دنيا الناس، إما القرار بالتوجه للأمام لمواكبة مسيرات التقدم، أو مواصلة الحركة في المكان بوهم أننا نتحرك، أو التحرك بالفعل ولكن بتردد وكسل وانعدام رؤية بتحرك بطئ، أو الانضمام إلى من قرروا العودة بإستكانة إلى أزمنة التخلف ومعايشة راحة اليائسين والخروج من التاريخ ذاته.
وعليه نكرر السؤال: ألم يقرأ أهل الكسل العقلي في كتب تاريخ البشر أن تعثر الخطوات في دنيا السعي إلى كسب مساحات جديدة مبشرة بحال أفضل، سيودي بهم إلى حالة تراجع الأحلام المحفزة لتحقيق طفرات وإنجازات نحو التقدم، ومن ثم يزداد التخلف وتنتشر جراثيمه وميكروباته في أوصال أوطانهم.
وهنا تجدر الإشارة  إلى أن الإرهاصات الأولية التي تحققت نحو استضاءات التنوير في مصر وبعض المناطق العربية  في القرن التاسع عشر لم تنمو كتيارات ومسارات للأمام، وعليه تراجعت العقلانية والحداثة اللتان ارتبطتا بتلك الإرهاصات أمام زحف التخلف الفكري والجمود المتعصب، ولم تقدر إرهاصات التنوير على مقاومة القوى صاحبة المصلحة في إطفاء نور العقل، على عكس ما تحقق في عصر التنوير الأوروبي.
نعم، فحالة العقل لدينا كانت "بعافية شوية أو قل شويتين"، بينما استطاع الفرنجة العبور إلى مجتمعات التقدم عبر الاستفادة بثورة الاتصالات واتساع فضاءات دنيا المعرفة والإبداع، معلوم، لن يتم تحقيق أي تقدم لمجتمع ما في هذا العصر إلا حين يشرق نور العقل في سماواته وآفاق تطلعات بنيه.
لابد من الاتفاق على أن التنوير بات ضرورة ملحة وعاجلة، وكل يوم تتراجع فيه خطوات قوى التنوير، يجعلنا نتخلف عشرات السنين، وثانيًا أن تلك المهمة تحتاج إلى صياغة وطنية، وثالثًا أنها لا يمكن أن تنجح بدون مراعاة خصوصيات متعددة، منها البلد الذى تتم فيه وأوضاع المنطقة، واهتمامات القوى الكبرى وتدخلاتها.
نعم، فالتنوير في النهاية عملية متكاملة، وتحتاج إلى صبر ودأب واستعداد لدفع الثمن، ولاشك أن كل عمليات الإصلاح تحتاج إرادة من العاملين على دعم قوى الدفع الفكرية وشحن لطاقة تدفعها لتسير بها إلى الأمام، لأنها لو تقدمت خطوة ولم تجد ذلك الدعم، ستعود عشرات الخطوات إلى الوراء.
وفي مصر، لدينا فرصة عظيمة أن نجتاز كل مرارات مراحل الإحباط السابقة في ظل إرادة سياسية داعمة في زمن ولاية رئيس آمن وطالب بالإصلاح الثقافي والإعلامي والديني، والأهم إيمانه بدور العلم في تحقيق التقدم وإنجاز المستحيلات، في عهد الرئيس "السيسي" كان الذهاب إلى العلم والتفكير العلمي في تطوير منظومات الصحة والتعليم والبحث العلمي والآثار، وكان الذهاب لتشييد مدن الدواء والأثاث والمجمع المتكامل لإصدار الوثائق المؤمنة والذكية وزراعة بالنظم الرأسية في صوب عصرية ومزارع سمكية رائعة، وكان دخول جامعاتنا منافسات جداول الترتيب بعد خروجنا الغير مشرف أبدًا على مدى حقب عديدة من كل التنافسات العلمية.