رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«لا تغفر للفنان».. نصيحة محمود عوض لـ«موسيقار الأجيال»

محمود عوض
محمود عوض

يعد عندليب الصحافة الراحل محمود عوض، أحد القلائل الذين اقتربوا من موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، مخترقا أسواره التى كان مكتوب عليها ممنوع الاقتراب أو التصوير، فقد اختاره ملحن الروائع لكتابة سيرته الذاتية " عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد".

لكن على ما يبدو أن صفحات هذا العمل كانت أضيق من استيعاب الحكايات التى حدثت وجرت بينهم، ففي كتاب "الدنيا التى كانت" لـ "عوض"، كشف مجددًا عن أحد الحوارات التى دارت بينهم لكنها في تلك المرة كانت تتعلق بشخص الزعيم السياسي مصطفي النحاس.

يحكي العندليب: "في جلستى المنفردة مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، بناء على طلبه وتكرارا لجلسات منفردة مماثلة اعتادها معي، جربت تغيير مجرى الحديث حينما سألته عن رأيه فى الزعيم الراحل مصطفى النحاس، زعيم هائل وهو نفسه كان من بين معجبيه، هكذا رد عبد الوهاب".

وأضاف "عوض": "عظيم.. مصطفى النحاس كرئيس لوزراء مصر أبرم معاهدة مع بريطانيا المحتلة لمصر منذ سنة 1882 وانتقدها وطنيون كثيرون فى مصر مهاجمين النحاس والمعاهدة باعتبارها مجرد إعادة انتشار لقوات الاحتلال الإنجليزى داخل مصر، بينما لا تتيح لمصر سوى قشور تجميلية وتعطيها الاستقلال شكلا لكن من غير مضمون حقيقي".

وكما قرأت في مراجعي فإن أبسط تلخيص لأنصار المعاهدة وخصومها جاء في مقالين متقابلين في مجلة "آخر ساعة"، الأول بقلم مصطفى أمين وعنوانه "أوقعها وألعنها "، والثاني بقلم كامل الشناوى وعنوانه " ألعنها ولا أوقعها "، يعنى كلا الطرفين متفقان على أنها معاهدة سيئة ومجحفة، لكن الخلاف يأتى من فكرة أن هذا هو الممكن والمتاح.

ربما من أجل هذا اختار مصطفى النحاس أن يوقع المعاهدة منطلقا فى حينها ليدافع عن المعاهدة باستماتة معتبرا أنها معاهدة الشرف والاستقلال".

مع ذلك، وبمرور الوقت وخيبة الآمال وانكشاف الأوهام واستمرار أكثر من ثمانين ألف جندى بريطاني في مصر من خلال قاعدة عسكرية ضخمة بامتداد قناة السويس تضاعفت الإحتجاجات الشعبية وتوالدت شبكات المقاومة ضد الإنجليز فى غليان وطني مستمر.

وحينما عاد حزب الوفد إلى السلطة ومصطفى النحاس إلى رئاسة الحكومة، كان هو نفسه الذى بادر فى سنة 1951 إلى إعلان إلغاء معاهدة سنة 1936 من طرف واحد، معلنًا مقولته الشهيرة " من أجل مصر كنت قد وقعت تلك المعاهدة ومن أجل مصر أعلن إلغاءها ".

انتعشت ذاكرة محمد عبد الوهاب تلقائيا وقال معلقا: "آه والله معاك حق، بل إن النحاس فى إعلانه إلغاء المعاهدة أخذ شعبية تفوق بمراحل ما كان قد حصل عليه عند توقيعها".

قلت له: والآن لنفترض أنك كفنان ؛ وقد كنت فنانا لامعا صوتا وصورة وموسيقى فى 1936 دفعك حماس أهل السياسة بحجم النحاس إلى أن تشدو بأغنية تمجد " معاهدة الشرف والإستقلال " تلك. ماذا كنت ستفعل حينما بادر مصطفى النحاس نفسه إلى إلغاءها فى 1951 ؟

تنزل إلى جمهورك لتعتذر أنت أيضا عن أغنيتك الحماسية السابقة ؟ إن رجل السياسة هنا يستطيع أن يخرج من مشكلته كما الشعرة من العجين.. ويقول إنه فى الحالتين كان يريد المصلحة، وإنه فى المرة الأولى وقع المعاهدة مضطرا، لكنه فى المرة الثانية يقوم بإلغائها مختارا أو رجوعا إلى الحق.

الناس هنا ربما تغفر للسياسى بدرحات متفاوتة، لكن الناس لا تغفر لفنان مطلقا قيامه بالترويج لبضاعة مغشوشة،سياسة مغشوشة، خصوصا إذا كان واضحا من البداية أن تلك السياسة تحمل بذرة فناءها فى داخلها.