رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سلافوى جيجك.. «كوفيـد- 19» الذى هز العالم


يكاد فيروس كورونا غير المرئى أن يشل الحياة على كوكب الأرض ويحولها إلى علاقات عبر دوائر إلكترونية، هكذا تعقد الآن اللقاءات والمؤتمرات، ويتلاقى البشر، بينما يتوارى النشاط الحى فى المسارح والمعارض، وطباعة الكتب التى تنتقل إلى صيغ إلكترونية، والأعراس، وحتى العمل اليومى فى المصالح الحكومية، ولم يبق غير الإنجاب وحده الذى ما زال يستعين بالاتصال المباشر.
وفى كتابه «كوفيد- ١٩ يهز العالم» يحدد المفكر المعروف «سلافوى جيجك» الجانب المؤلم فى هجمة الفيروس، حين يقول إننا «أصبحنا نعيش فى لحظة أصبح فيها أعظم أفعال الحب يتمثل فى بقائنا بعيدًا عن كل مَنْ نحب»!.. هكذا أمسى الحب هو أن تهجر مَنْ تحب.
سلافوى جيجك، فيلسوف ومفكر وباحث فى علم الاجتماع، يعود بأصله إلى الجزء السلافى من تشيكوسلوفاكيا.. فى كتابه «كوفيد- ١٩ يهز العالم»، الذى ترجمه محمد الضبع، يعتقد الكاتب أن «هذا الفيروس سيحطم الأسس والقواعد التى بُنيت عليها حياتنا.. وسوف تُبنى الحياة الجديدة على أنقاض حياتنا القديمة».
يستشهد الكاتب بقول مارتن لوثر كينج قبل أكثر من نصف قرن: «لقد جئنا جميعًا إلى هنا على سفن مختلفة، لكننا الآن جميعًا فى مركب واحد»، ويضيف: «إنه بسبب الخصائص العالمية لجائحة كورونا، فإننا غالبًا ما نشعر بأننا فى قارب واحد»، خاصة أنه مع تزايد ارتباط العالم فإن أى كارثة محلية تمسى أزمة عالمية، كما حدث مع سحابة الغبار التى تولدت من انفجار بركانى فى أيسلندا عام ٢٠١٠، وقد كان ذلك تذكيرًا حقيقيًا بعجز البشر عن التحكم فى الكوكب.
ولقد انتهت فكرة أمريكا أولًا، أو أى دولة أخرى أولًا، لأن أحدًا لن ينجو إلا بالتعاون والتنسيق الدولى.. خلال ذلك فإن علينا، كما يقول «جيجك»، أن نطرح بقوة سؤالًا رئيسيًا، ألا وهو: «ما الخلل الحقيقى فى نظامنا العالمى الذى تسبب فى تعرضنا لهذه الضربة الكارثية؟».
يرى الكاتب أن غياب التنسيق العالمى فى منظمة الصحة الدولية أحد أسباب الكارثة، وأن ازدراء البيئة وتلويثها بالمخلفات الصناعية لزمن طويل سبب آخر، حتى صرنا مهددين بشتى المخاطر، منها العواصف الفتاكة والجفاف وموجات الحر والاحتباس الحرارى، وأن الدرس الذى تحاول البيئة أن توصله إلينا هو أن «بوسع البشر تدمير أنفسهم».
خلال ذلك علينا، على حد قول «جيجك»: «إعادة بناء الاقتصاد العالمى بطريقة لا تجعله تحت رحمة آليات السوق، لأن تلك الآليات لن تكفى لوقف الفوضى والجوع»، ويتصور سلافوى جيجك أننا عما قريب قد نلجأ للسياسات التى نعتبرها اليوم شيوعية، لتصبح «سياسات يعمل بها العالم أجمع بتنظيم الإنتاج وتوزيع المنتجات خارج آلية الأسواق».
ويوضح ذلك قائلًا: «نحن هنا لا نتحدث عن الشيوعية بمفهومها التقليدى، ولكن عن جهة عالمية بإمكانها تنظيم الاقتصاد».
إن العزلة والتباعد الاجتماعى والحجر الصحى وحظر التجوال والإجراءات الاحترازية وما شابه لن تكفى للقضاء على الفيروس، وحسب رأى «جيجك» فإن علينا أن نصل إلى صيغة من التعاون غير المشروط والتضامن العالمى، لبناء نظام من نوع جديد عما كان يسمى الشيوعية.
إن العديد من الروايات والأفلام التى حاولت تخيل المستقبل قد رسمت الصورة التى نعيشها اليوم: «نمكث فى منازلنا، نعمل على أجهزة الكمبيوتر، نتواصل عبر الفيديو، نطلب طعامنا عبر خدمة التوصيل، ولا نلتقى أى إنسان آخر».
فى الوقت نفسه يفند «جيجك» وينفى الفكرة القائلة إن خطر «كورونا» يقترب من خطر الإنفلونزا الموسمية، وإن الدول تبالغ فى ذلك الخطر لإحكام قبضتها على الشعوب بواسطة إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال، ويرى أن مثل هذه الآراء لا أساس لها من الصحة، لأنه ليس فى مصلحة الحكومات أن تبدو بمظهر العجز إزاء شعوبها.
أخيرًا يقول سلافوى جيجك إن «أزمة كورونا ما هى إلا بروفة لكارثة التغير المناخى المقبلة، والتى ستكون الأزمة التى ستعيد تشكيل ظروف المعيشة على الكوكب، وستكون بمثابة التحدى لنا جميعًا».
ويضيف: «إن الجميع يتفق اليوم على ضرورة تغيير نظامينا الاجتماعى والاقتصادى، ولكن ما يهم فعلًا هو الطريقة التى سنغير بها هذه الأنظمة، ولأى وجهة سوف تسير، وما الإجراءات التى سنحتاج إليها.. نحن بحاجة لسياسات صحيحة الآن، لأن قرارات التضامن الدولى هى قرارات سياسية بالدرجة الأولى».