رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استعراض تركى رخيص


لدولة تركيا سفارة فى ستوكهولم، لم يلجأ لها مصاب تركى بفيروس كورونا يقيم فى السويد، كما لم يلجأ لاتحاد الأوروبيين الأتراك الديمقراطيين، UETD، ودفع ابنته إلى تسجيل مقطع فيديو طالبت فيه السلطات التركية بأن تتدخل لإنقاذه بزعم أن السويد رفضت معالجته!
فورًا، استجاب فخر الدين ألطون، رئيس دائرة الاتصال فى الرئاسة التركية، للنداء وكتب فخر الدين قوجة، وزير الصحة التركى، مخاطبًا الفتاة: أرسلنا طائرة إسعاف إلى السويد لإعادته إلى تركيا، شعرنا بالحزن لبعدكم عن بلادنا فى هذه الفترة العصيبة، مستشفياتنا وأطباؤنا جاهزون لاستقبال والدك». ثم جاء دور الرئيس التركى ليعلن أن بلاده ستوفر الرعاية الصحية اللازمة للمواطن المصاب، الذى رفضت السويد علاجه، ويؤكد أن بلاده دائمًا فى خدمة أبنائها.
الآلة الدعائية الأردوغانية والإخوانية لم تتوقف عن بيع تلك القصة: طائرة إسعاف تركية تغادر السويد حاملة مواطنًا مصابًا بكورونا «الأناضول».. تركيا ترسل طائرة إسعاف لجلب مواطن رفضت السويد معالجته «الجزيرة». فى حين أكد بول ليفين، رئيس معهد العلوم التركية فى جامعة ستوكهولم، أن الحكومة التركية تسعى لتحقيق مكاسب سياسية. وفى تصريحات لجريدة أفتونبلاديت، وصف المحلل السويدى كوردو باكسى عملية نقل مريض إلى تركيا بطائرة إسعاف بأنها مجرد وسيلة للدعاية للرئيس التركى، موضحًا أن وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة التركية استهدفت التعتيم على فشل أردوغان فى مكافحة تفشى الوباء.
بوابة السويد الرسمية الناطقة باللغة العربية، علقت على الخبر الذى نشرته «الجزيرة» بأن كلمة «رفضت» لا يمكن التعليق عليها، مؤكدة أن «الجميع سواسية أمام الرعاية الطبية». مع رابط خير على موقع راديو السويد يؤكد فيه «المجلس الوطنى للرعاية الصحية والاجتماعية» أنه لا أولويات فى تقديم العلاج الطبى والصحى سوى أولوية أن جميع الناس سواسية.
عن مصادر مطلعة فى السفارة التركية بستوكهولم، نقلت جريدة «زمان» التركية، أن أسرة المريض تحملت مصاريف نقله، التى بلغت ٢٦ ألف دولار. غير أن هناك ما يجعلنا نتشكك فى صحة تلك المعلومة لعدة أسباب أبسطها أن الأتراك فى السويد إما معارضين هاربين من قهر نظام أردوغان، أو مخبرين يتجسسون لحساب المخابرات التركية على هؤلاء المعارضين.
المخابرات التركية لها نشاط واسع فى السويد، ولها أيضًا فضائح كثيرة. وسبق أن كشف راديو السويد «إيكوت» عن تسجيل صوتى يقوم فيه «إوزير إكن» بتهديد أحد الأتراك المقيمين فى السويد، بأن اسمه على قائمة «الخونة» فى تركيا وأنه سيتم اعتقاله حال ذهابه إلى هناك، ثم يعرض عليه أن يعمل معه لصالح تركيا حتى يتمكن من رفع اسمه من تلك القائمة: «إذا منحتنا معلومات عن الخونة يمكنك أن تستفيد من قانون الندم، وسأتحدث بشأنك مع الرئيس». وتأكد راديو السويد صحة التسجيل الصوتى، ومن أنه كان اتصالًا مباشرًا من الرقم الخاص بأوزير إكن، المتحدث باسم اتحاد الأوربيين الأتراك، UETD، الذى أشرنا إليه فى البداية، وهو عبارة عن جماعة ضغط «لوبى» على صلة وثيقة بحزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا.
لم تكن تلك هى الحالة الوحيدة، فقد ذكر راديو السويد أن لديه وثائق تثبت أن أشخاصًا آخرين فى السويد يعملون لصالح المخابرات التركية، ويتتبعون بصورة منتظمة معارضى نظام أردوغان. ووصفت ليزا سيمونسون، نائبة رئيس قسم فى جهاز الأمن السويدى، هذه الممارسات بأنها غير قانونية، وقالت لراديو السويد: هذا ما نطلق عليه العمل المخابراتى غير القانونى. وأوضحت: لا يجوز الطلب من مواطنين الإفصاح عن الانتماءات السياسية لأشخاص آخرين أو إدراج أسماء أشخاص من دول أخرى، فى قوائم لكى يتم إرسالها إلى البلد الأم.
أيضًا، منذ تولى حكمها رجب طيب أردوغان، رصدت تركيا ميزانية ضخمة للسيطرة على منظمات، مساجد ومراكز دينية فى دول أوروبية عديدة. وسبق أن أكد أحمد يايلا، الأستاذ المشارك فى مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الأمريكية، أن «ألمانيا، بلجيكا، النمسا، هولندا، سويسرا، النرويج، والسويد فتحت تحقيقات حول الأئمة الأتراك، بسبب تجسسهم لصالح المخابرات التركية». والمعلومة نفسها أكدها بيتر بلز، عضو البرلمان النمساوى، فى مارس ٢٠١٧، حين ذكر أن «شبكة تجسس» تركية خضعت لتحقيق أجرته السلطات الألمانية، النمساوية والسويدية، وثبت أن نشاطها كان أوسع بكثير من نطاق الدول الثلاث.
الحجر الواحد الذى أراد به أحمق تركيا أن يضرب به عصفورين، سيرتد إلى رأسه، إن لم يكن قد ارتد فعلًا، فى وجود أكثر من مائة ألف مصاب، لا يجدون مكانًا فى المستشفيات، ومع تزايد أعداد المتوفين، بمعدل سيعجز معه، قريبًا، عن إخفاء الأعداد الحقيقية، كما يفعل الآن. وطبعًا، ستكون هناك عواقب سياسية واقتصادية ستستمر إلى ما بعد نهاية تفشى الوباء، لو انتهى!.