رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثم دفع البائع للمشترى!


أزمات كثيرة شهدتها السوق العالمية للنفط، ارتفع سعر البرميل فى بعضها إلى أكثر من ١٠٠ دولار، وانخفض فى بعضها الآخر إلى ١٠ دولارات. لكن حالة الشلل التى أحدثها فيروس «كورونا المستجد»، جعلت أسعار النفط تنزل، للمرة الأولى فى التاريخ، إلى ما تحت الصفر!.

التنافس الشرس بين الدول المنتجة للنفط، سنة ١٩٨٦، نزل بسعر البرميل إلى ١٠ دولارات. وسنة ٢٠٠٨، وصل السعر إلى ١٤٧ دولارًا بسبب المضاربة فى الأسعار. وبعد الانخفاض الذى تسببت فيه أزمة ٢٠٠٨ المالية قفزت الأسعار مجددًا، فى ٢٠١١، فوق حاجز ١٠٠ دولار، بعد انقطاع إمدادات عدة دول ضربها ما يوصف بـ«الربيع العربى»، و... و... ثم حدثت المعجزة، وصار بإمكان المشترى، مساء الإثنين، أن يحصل على أكثر من ٣٧ دولارًا مع كل برميل. ومع بدء تداولات، أمس الثلاثاء، صعد سعر البرميل ليتجاوز نصف دولار، ثم قفز إلى ١.٤٣ دولار.
منتجو النفط الأمريكى، الذين استمروا فى الإنتاج، قد يتحملون قدرًا من المسئولية، أما القدر الأكبر فيتحمله الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى أوهمهم، وأوهم «المضاربين على الورق»، بأن أسعار النفط سترتفع، وأن الحياة ستعود قريبًا إلى طبيعتها. فكانت النتيجة أن امتلأت المخازن، ووصل مخزون النفط العائم على متن الناقلات إلى ١٦٠ مليون برميل. وبالتالى، لم يعد أمام المنتجين، المتعاقدين، والمضاربين غير التخلص من شحنات مايو بأى شكل، حتى لا يتكبدوا مزيدًا من الخسائر: تكاليف التأمين، النقل، وغيرهما.
منعًا للخلط أو الالتباس، وحتى لا تتزايد حدة «الهبد» المتداول، نشير إلى أن الكلام عن الخام الأمريكى، أو خام غرب تكساس الوسيط، «نايمكس»، ويتعلق فقط بعقود مايو المقبل، التى تم إغلاقها، أمس الثلاثاء. أما عقود يونيو، فما زالت، إلى الآن، فوق العشرين دولارًا للبرميل. بينما تماسك سعر خام «برنت»، المعيار القياسى العالمى لأسعار النفط، فوق مستوى الـ٢٥ دولارًا.
يوم ٢٠ أبريل ٢٠٢٠، سيذكره التاريخ باسم إثنين ٢٠٢٠ الأسود، والمفارقة أن ثلاثاء ٢٠١٠ الأسود كان، أيضًا، فى ٢٠ أبريل، وفيه انفجرت منصة بحرية لاستخراج النفط فى خليج المكسيك، اسمها «ديب ووتر هوريزون»، Deepwater Horizon، تابعة لشركة بريتش بتروليوم. وقيل إن الحادث تسبب فى أكبر تسرب نفطى فى التاريخ: ٤.٩ مليون برميل، بينما قالت الشركة البريطانية إن إجمالى ما تسرب لا يتجاوز ٨١٠ آلاف برميل.
ستجد فيلمًا للمخرج بيتر بيرج عنوانه «Deepwater Horizon»،، تم عرضه سنة ٢٠١٦، لكنه لم يشر إلى أن العلاقات الأمريكية البريطانية توترت بسبب هذا الحادث، وأن الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، استغله لتبرير قرار منع التنقيب عن النفط قبالة السواحل الأمريكية. بالضبط، كما سيستغل الرئيس ترامب الأزمة الحالية لزيادة الاحتياطى الاستراتيجى من النفط بـ٧٥ مليون برميل، كما قال مساء الإثنين، خلال المؤتمر الصحفى اليومى.
الاحتياطى الاستراتيجى الأمريكى من النفط موزع على ٤ مواقع أو كهوف تخزين عميقة تحت سطح الأرض. وبلغ أعلى مستوياته ٧٢٧ مليون برميل، سنة ٢٠٠٩. وفى ١٣ مارس الماضى أعلن الرئيس ترامب اعتزامه زيادة الاحتياطى إلى الحد الأقصى، ووصل إلى ٦٣٥ مليون برميل فى ١٧ أبريل الجارى. أى بعد ٥ أيام من اتفاق مجموعة «أوبك+»، منظمة الدول المصدرة للنفط وشركاؤها، على خفض الإنتاج بمعدل ٩.٧ مليون برميل يوميًا، خلال شهرى مايو ويونيو.
فى ذلك اليوم، يوم ١٢ أبريل الجارى، شكر الرئيس الأمريكى خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وهنأهما على الاتفاق، الذى وصفه بأنه «عظيم بالنسبة للجميع». وخلال اتصال مشترك، أعرب الزعماء الثلاثة عن ارتياحهم البالغ لما أثمرت عنه الجهود المبذولة لتحقيق استقرار أسواق البترول العالمية. ولاحقًا، توقعت وكالة الطاقة الدولية، الأربعاء الماضى، انخفاض الطلب العالمى على النفط بمقدار ٩.٣ مليون برميل يوميًا.
طبعًا، لا يمكن ذكر الأيام الأمريكية السوداء، دون الرجوع إلى ثلاثاء ١١ ديسمبر الأسود، الذى شهد تفجير برجى مركز التجارة العالمى. ومن محاسن الصدف أن جريدة «واشنطن بوست» نشرت بعده بأسبوعين، تحديدًا فى ٢٥ سبتمبر ٢٠٠١، مقالًا عنوانه «علينا أن نحمى إمداداتنا النفطية»، حمل توقيع ديفيد جولدوين، الذى كان مساعد وزير الطاقة الأمريكى للشئون الدولية فى إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون.
فى هذا المقال، انتقد جولدوين الدول المصدرة للنفط «أوبك»، لأنها قامت خلال العامين الأخيرين «١٩٩٩ و٢٠٠٠» بتخفيض الإنتاج، لرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه. وطالب الإدارة الأمريكية، إدارة بوش الابن، بالضغط على تلك الدول لزيادة إنتاجها، والعودة إلى السعر التقليدى، الذى قدره بـ١٨ أو ٢٠ دولارًا للبرميل. كما طالب بتكثيف التواجد العسكرى الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط، نظرًا لما للنفط من أهمية جوهرية لاقتصاد الولايات المتحدة.