رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الشبراوية».. رواية سمير فوزي عن جلال الفوال وأحفاده

رواية سمير فوزي
رواية سمير فوزي

الزمان.. المكان.. الشخوص.. الحبكة.. البعد النفسي.. البعد التاريخي.. المورال.

إذا وجدت هذه العناصر كلها في عمل أدبي زانته وجعلته عملا لا يخلو من إبداع حقيقي، وهذا ما وجدته في رواية «الشبراوية» الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، للروائي سمير فوزي. أما عن الزمان فكان ممتدا من ثورة 1919 مرورا بثورة 1952 حتى الآن، استطاع الكاتب بطريقة سلسة أن يسرد بعض الأحداث التاريخية من خلال شخوصه بعيدا عن التكلف أو الرتابة.

وأما المكان فكان متنوعا بين الريف والحضر، حيث انتقل بنا الكاتب من كفر بالمنوفية إلى القاهرة، حيث شبرا، وعرج بنا خلال الأحداث إلى شرم الشيخ والأراضي الفلسطينية المحتلة "إسرائيل".

ثالثا الشخوص.. بطل الرواية هو جلال الفوال الشخصية الأسطورية، والتي تعد عمود الحكاية التي تنبثق منها كل الحكايات، وتبدأ القصة بأحفاد جلال الفوال الذين تشتتوا في البلاد شرقا وغربا، وجاءوا اليوم بطلب منه ليقابلوه في بيته العتيق الواسع بشبرا، كل منهم يحدق في أركانه، ويفكر في هدمه ليبنى عمارة جديدة في نصيبه. يخرج إليهم الجد ويطلب منهم أن يتبعوه إلى حجرات متداخلة ودهاليز طويلة، وامتدادات بعيدة، ثم يختفى جلال الفول فيقول لهم خادمه الشيخ الشحات: لقد جمعكم جدكم ليقول لكم انسوه. وبطريقة لا تخلو من الجو الأسطوري قال لهم إن جلال الفوال مات.

تتطرق الرواية في الفصل الثاني إلى شخصية الكابتن بيومي أبو جريشة، حفيد جلال الفول، أما اسم أبوجريشة فقد اختاره بيومي بسبب عشقه للنادي الإسماعيلي، ولحبه الشديد للكابتن علي أبو جريشة.

وكان بيومي ينظم الدورات الرياضية في منطقة شبرا، الذي أحب فيها أم ياسر ذاك الطفل الذي كان يتدرب على يديه، ولكنها رفضت وفاء منها لزوجها الغائب، بينما نكتشف في نهاية الرواية أن زوجته كانت تخونه مع خطيب ابنتها ولم يكتشف ذلك إلا جلال الفوال الذي كان يعرف كل شيء عن أحفاده رغم تباعدهم.

في الفصل الثالث يعود بنا الكاتب إلى جلال في الصغر؛ فنراه شابا لم يكمل السادسة عشر، يعمل مساعدا لوالده التربي زير النساء الذي كان يرى أن الموت هو النهاية الأبدية، وأن الإنسان لابد وأن ينعم بكل مغريات الحياة لأنه مصيره إلى العدم. بينما كانت أم جلال صالحة وطيبة، ماتت كمدا على عمرها الذي أطاح به التربى في غياهب الحزن.

يوم وفاتها لم يقم التربي لها عزاء. وانتظر أم زكية بين المقابر ليضاجعها، لاحظهما جلال فقذفهما بالحجارة دون أن يلحظاه فظنا أن روحها خرجت لتعاقبهما، فرت أم زكية ناحية الرشاح فسقطت فيه وغرقت، بينما ذهب التربي إلى بيته واستخرج ملابس زوجته ووضعها على السرير وبكى ثم سجد لله ومات.

دخل عليه جلال وقرر ألا يدفنه وبعد برهة من الوقت اختفت الجثة. حمل جلال بؤجة بها ملابس امه وارتحل، في محطة القطار التقى أم صالح، تلك المرأة الجذابة التي تزوجت الموالدي بعد أن مات زوجها وولدها، فحسده عليها أهل القرية، وبعد وفاة الموالدي خرجت من القرية لتركب القطار مع جلال صدفة، ثم ينزل بيتها في القاهرة وتشتري له عربة فوال ليجد قوت يومه، ورغم أنه أقسم لها على المصحف بألا يطمع عليها ولكنه طمع. وتركها لهزيمتها بعد تنحية محمد نجيب عن الحكم لتغلق عليها بيتها وتنتهى قصتها فى الرواية.

تبدأ القصة بالشيخ الشحات وجلال وتنتهى أيضا بهما، مما يجعلها رواية دائرية أقرب للروايات الصوفية، ليوضح لنا الكاتب شيئا من شخصية الشيخ الشحات الذي كان يقلد الشيخ عبد الباسط، غير أنه لم يحفظ من القرآن إلا القليل، ثم الشحات بفيروس نهش أحباله الصوتية، ربما لأنه كان كاذبا ومدعيا، غاب الشحات ثم عاد إلى جلال الفوال فلازمه ودون كل مذكراته.

الحبكة الدرامية في الرواية كانت متميزة للغاية، اتقنها الكاتب ببراعة فجعلنا في ترقب دائم لكل سطور الرواية، كما راعى الأبعاد النفسية لشخوصه فجعلنا نعرفهم ونفهم دوافعهم ونتعايش معهم وكأنهم شخوص حقيقيون نعرفهم ويعرفوننا.

أما المورال أو الهدف من الحقيقه فيمكن للقارئ أن يراه حسب فكره، فالمساحة تتسع لأكثر من رؤية، وهذا يعد سر نجاح هذه الرواية البديعة للكاتب سمير فوزي، والعيب في هذه الرواية هو ضعف التدقيق اللغوي لذا أرجو من الكاتب أن يهتم بذلك في الطبعات القادمة بإذن الله.