رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سر تأخر إعلان تكليف «الصحة» لخريجي صيدلة 2018

صيدلة
صيدلة

ما يقرب من 18 ألف صيدلي، تخرجوا في كلية الصيدلة بجامعات مختلفة خلال عام 2018، فرقتهم المصائر، منهم من لجأ إلى العمل الخاص، وآخرون لازموا منازلهم، وجمعتهم نتيجة التكليف التي ينتظرها الجميع، التي لم تعلن عنها وزارة الصحة بلا سبب واضح، رغم أن القانون يلزم الأخيرة بتوزيع الأطباء والصيادلة وتكليفهم بأعمال في مؤسساتها الطبية بعد عام فقط من التخرج، إلا أن نتيجة التنسيق لم تظهر إلى الآن.

حملة موسعة، قام بها المتضررون من الصيادلة، دفعت هاشتاج "تكليف صيادلة 2018 فين؟" إلى أن يصبح "تريند" رئيسي على صفحات التواصل الاجتماعي عقب ساعات من تدشينه، طالبوا فيه بضرورة إفصاح وزارة الصحة عن الأسباب الحقيقية وراء عدم إعلان نتيجة تنسيق التكليف الخاص بهم.

"الدستور" جمعت كل خيوط الأزمة في التحقيق التالي، من خلال حديث خاص مع المتضررين من الصيادلة، والذين كشفوا عن ضرورة احتياجهم لمعرفة الميعاد النهائي للتكليف حتى ينظموا حياتهم على هذا الأساس حسب موقف كل شخص من العمل أو السفر، إلى جانب مواجهة نقابة الصيادلة والتي أكدت أن الوزارة هي المسؤولة عن أزمة التكليف وتجاهلها للمشكلة بعدم الرد بقرار أو بيان يجعل النقابة أمام المدفع مع الشباب الخريجين، والوصول إلى الأسباب الكامنة وراء تأخر التكليف الذي كان من المفترض الإعلان عنه، وأيضًا وضع حلولًا لأوضاع الصيادلة الزائدون عن حاجة وزارة الصحة، حتى لا تتكرر نفس الأزمة مرة أخرى.

"ريهام نصر" إحدى خريجات دفعة صيدلة بجامعة أسيوط، توضح لـ"الدستور"، أن الأزمة بدأت منذ شهور عدة، حين تجاهلت وزارة الصحة الإبلاغ عن موعد تكليف الصيادلة، وعدم استجابة الوزيرة لشكاوى الخريجين التي دشنوها على صفحات التواصل الاجتماعي منذ ظهور الأزمة.

وتابعت ريهام: "كان من المفترض الإعلان عن التكليف منذ شهرين، لكن الوزارة تعمدت عدم الاستجابة بحجة عدم احتياجهم للصيادلة حاليًا، بالرغم من أن العاملين بالتأمين الصحي ليسوا من خريجي صيدلة، ونتواصل حاليًا مع نقيب قنا ووأعضاء مجلس النواب عن المحافظة للوصول إلى حل فوري".



وأضافت: "تأخر التكليف تسبب في تعطل مستقبل العديد من الشباب الخريجين حديثًا، بل أن الصيدليات تمنع معظم الخريجين من التوظيف خوفًا من ترك العمل بعد شهرين أو أكثر بسبب موقف التكليف، وكل ما يطلبه هؤلاء الشباب هو ضرورة الرد الفوري من قبل الوزارة على موعد التكليف النهائي حتى يستطيعوا تنظيم حياتهم ومواكبة الحياة العملية".

"محمد رفاعي" أحد الخريجين المتأزمين من تأخر التكليف، يشكو لـ"الدستور"، من تأخر وزارة الصحة في إصدار بيان لموعد التكليف النهائي وعدم الاهتمام من قبل المسئولين بتوضيح موعد اعتماد النتيجة، ومصير هؤلاء الشباب من التوظيف، ويرى "رفاعي" أن المشكلة تكمن في عدد الجامعات الخاصة والخريجين منها، مما يؤثر على سوق العمل الذي لا يتحمل هذا العدد الهائل.

استكمل رفاعي: "بعد مرور عام ونصف على التخرج تقاعست الوزارة عن فتح باب التقديم والرغبات، في حين أنه يوجد مستشفيات مجهزة بالكامل، ومغلقة تمامًا لا يتواجد بها أطباء، بل يوجد أيضًا عجز في المستشفيات والقائمين بعمل الصيادلة في بعض المستشفيات من خريجي كلية العلوم وليس الصيدلة".

ما هو تكليف الأطباء والصيادلة؟
بحسب الموقع الرسمي لوزارة الصحة على الإنترنت، فالتكليف هو فترة من مزاولة مهنة الطب أو الصيدلة، يقضيها الصيدلي أو الطبيب بعد تخرجه في إحدى الجامعات المصرية، في أي جهة حكومية تابعة لوزارة الصحة والسكان.

يحكم التكليف قانون رقم 29 لسنة 1974، وقرار وزير الصحة رقم 38 لسنة 2008، فيتم إصدار قرار تكليف الطبيب أو الصيدلي عقب عام من تخرجه، وتكون مدة التكليف عامين قابلة للتجديد ويجوز لوزير الصحة، الموافقة على إنهاء التكليف بعد عام من مزاولة المهنة.

ويتم بحسب القانون، توزيع الأطباء على الهيئات التالية: (الإدارات الصحية التابعة لمديريات الشئون الصحية بالمحافظات، المستشفيات الجامعية، الشركة القابضة للأدوية، الإدارات الطبية بالجامعات، معهد البحوث الطبية، المؤسسات العلاجية الحكومية).

وأيضًا: (المركز القومي للبحوث، أكاديمية البحث العلمي، الشركة القابضة للأمصال واللقاحات، هيئة الطاقة الذرية، وزارة الدفاع، وزارة الداخلية، وزارة التعليم العالي، مركز المقاولون العرب، الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية).

وكذلك: "شركة مصر، شركة النصر، شركة دمياط، شركة مصر للصباغي، شركة الغزل للحرير الصناعي، مستشفى مصر للطيران، مستشفى هيئة النقل العام، مستشفى سكك حديد مصر، المعهد القومي للأورام).


ويقول القانون، إنه يتم الإعلان عن التكليف خلال شهر مارس من كل عام، ويستغرق تسجيل البيانات الخاصة بالخريجين 10 أيام، وتسجيل رغبات التوزيع 15 يوم. حدد القانون أيضًا معايير تحكم توزيع التكليف وهي: (احتياجات الجهات الطالبة، ترتيب الرغبات وفقًا لمجموع الدرجات بشهادة التخرج، مجموع الدرجات).

الأزمة تكمن أيضًا في أن المادتين رقم (1، 6) من القانون السالف ذكره، تحظر على الأطباء والصيادلة العمل في مكان خاص عن الهيئة الحكومية التي سيتم توزيعه عليها، وذلك من تاريخ استلامه التكليف، وعند انقطاعه عن عمل التكليف خلال هذه المدة أو عدم تسليمه، يعاقب وفقًا للمادة رقم (8) من القانون.

وتنص تلك المادة على أنه يعاقب على مخالفة أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيهًا، ولا تزيد على خمسمائة جنيهًا أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ومن جهته، أوضح الدكتور أحمد أبو طالب، عضو مجلس نقابة الصيادلة، أن وزارة الصحة هي الجهة المسؤولة عن أزمة تأخر تكليف دفعة صيدلة 2018، في حين أن منصب نقيب الصيادلة تحت حكم الحارس القضائي حاليًا، فالوزارة لم تعلن نهائيًا عن أي معلومات واضحة بخصوص هذا الشأن، بل أن المعلومات المتداولة تشير إلى تأخر التكليف أو شطبه نهائيًا.

أضاف أبو طالب: "الأزمة بدأت تتكرر بشكل كبير منذ العام الماضي، حين تأخر موعد تكليف دفعة 2017 عن اللازم، فالمشكلة الرئيسية تكمن في عدم وجود رؤية واضحة لوضع المنظومة الصحية في مصر بشكل كامل، بسبب عدد الأطباء والصيادلة الزائد وعدم توافر أماكن مخصصة يعملون بها".

مصر تخرج 8 آلاف طبيب و15 ألف صيدلي سنويًا
يقول الكتاب السنوي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2018، أن العدد الإجمالى للأطباء بالقطاع الحكومي، يتضمن 103.337 ألف طبيب بشرى، و44.310 ألف صيدلي، هذا بالإضافة إلى 20.544 ألف طبيب أسنان، و187.090 ألف ممرض.

وتستقبل نقابة الأطباء سنويًا حوالي 1000 طالب فقط من الجامعات الخاصة، مقابل 9 آلاف من الجامعات الحكومية، إذ يتخرج سنويًا من مصر 8 آلاف، بحسب الإحصاء، الذي أكد أن النسبة العالمية لعدد الأطباء بالنسبة لعدد السكان تصل في مصر إلى طبيب لكل 800 مواطن.

في حين أن تلك النسبة في دول العالم لا تتخطى طبيب لكل 300، ويبلغ متوسط عدد الطلاب في كليات الطب بالدول المتقدمة 250 طالبًا، بينما في مصر يوجد 900 طالب في الدفعة الواحدة، وفقًا للإحصاء الحكومي.

وعلى صعيد كلية الصيدلة، يتخرج 15 ألف صيدلي في كليات الصيدلة سنويًا من جامعات الجمهورية، وكل صيدلية تخدم نحو 1200 مواطن، إذ يوجد 184 ألفًا و923 صيدلانيًا مقابل 67 ألفا و511 صيدلية، بنسبة 1271 مواطنًا لكل صيدلية، و7.9 صيدليات لكل 10 آلاف مواطن.

وفي ذات السياق، أكد الدكتور سامي المشد، أمين سر لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، لـ"الدستور"، أنهم تقدموا بتساؤلات لوزيرة الصحة حول تأخر تكليف دفعة صيدلة 2018 بالفعل، وكان الرد أن الجهات المختصة التي سيتم توظيف الخريجين بها لم يعلنوا عن احتياجاتهم بعد.

تابع المشد: "هناك بعض الجامعات التي لم ترسل كشوف بأسماء الخريجين بعد، فالوزارة لا تملك حصر بعدد خريجي الصيادلة الحاليين، وهذا هو سبب تأخر الإعلان عن تكليف الصيادلة".

أزمة متكررة
لم تكن المرة الأولى التي تدخل فيها وزارة الصحة في صدام مع الأطباء والصيادلة بسبب التكليف، فخلال عام 2016 قررت إدارة التكليف التابعة لوزارة الصحة والسكان تخفيض أعداد الأطباء المُكلفين بالعمل داخل مختلف قطاعات الصحة بالمحافظات من دفعة مارس 2016، واعتصام عدد كبير منهم داخل مقر النقابة العامة للأطباء بـ"دار الحكمة".

وحدثت نفس الأزمة ولكن مع الصيادلة، بعد خفض أعداد الخريجين المقبولين منهم في حركة التكليف التي وزعت على وحدات الوزارة المختلفة بالمحافظات وبعض الجهات الأخرى، كالتأمين الصحي والرقابة الدوائية والجامعات وغيرها، بعد أن كانت تقبل جميع الصيادلة المُسجلين على حركة التكليف السنوية من خريجي الجامعات الحكومية والخاصة.

وعلى مدار عام ونصف كانت تعد وزارة الصحة بحل الأزمة، لاسيما أن الوزير السابق الدكتور أحمد عماد الدين راضي، وافق بتاريخ 19 سبتمبر عام 2017، على تكليف جميع الصيادلة خريجى دفعة دور أول وثانى 2016 ودور يناير وفبراير 2017، بإجمالى 13 ألف و130 صيدلي.

وأعلن أن الوزارة اعتمدت نتيجة تكليف الصيادلة المذكورين، كما تم توزيعهم على محافظات الجمهورية، على أن يتمكنوا من معرفة أماكن توزيعهم على المحافظات خلال الأيام القليلة القادمة من خلال موقع الحكومة الإلكترونية، إلا أن نتيجة التنسيق لم تظهر خلال أيام.

وعمق الأزمة، حين أعلن بعد ذلك عن أن الوزارة سوف تختار 9 آلاف صيدلي فقط ضمن حركة تكليف هذا العام من بين 15 ألف خريج بكليات الصيادلة على مستوى الجمهورية، بحسب الدكتور عصام عبدالحميد، القائم بأعمال نقيب الصيادلة.