رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في يومها العالمي.. "الدستور" داخل مستشفيات الصحة النفسية

جريدة الدستور

أكثر من 8 ملايين شخص يعانون من اضطرابات نفسية، بينهم 14% من البالغين، ويوجد 60% منهم يفكرون في الانتحار، بالإضافة إلى أن 18% يرتكبون جرائم، وفقًا لتقارير كشفها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية مؤخرًا عن المرض النفسي في مصر.

وبالتزامن مع اليوم الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية، ليوافق 10 أكتوبر من كل عام، تحت شعار "تعزيز الصحة النفسية والوقاية من الانتحار"؛ بهدف زيادة الوعي حول قضايا الصحة النفسية والعقلية في جميع أنحاء العالم، أجرى "محرر الدستور" جولة داخل مستشفيات وعيادات علاج المرض النفسي في محافظة القاهرة.

وتواصلنا مع أطباء تلك المستشفيات والعيادات لرصد مراحل علاج المرض النفسي، وفرص التعافي منه، كما تواصلنا مع عدد من المرضى الذين خضعوا للعلاج، واستطاعوا التعافي منه بعد خوضهم لفترات مختلفة من التأهيل النفسي.

البداية كانت في مستشفى عمر شاهين للصحة النفسية الموجود بمنطقة فيصل، وتقابنا مع أخصائي العلاج النفسي بالمستشفى، الدكتورة شيرين ممدوح، التي توضح خلال حديثها مع "الدستور" أنواع المرض النفسي قائلة، "الاضطراب البارانوي يأتي في مقدمة الأمراض النفسية، كونه يشكل خطورة كبيرة فهو يجعل المريض لديه دافع كبير للقتل بناءً على تفكير وهمي بداخله أن هناك شخص ما يريد قتله".

تستكمل: "مرض الصرع يأتي في المقام الثاني، فالمريض به قد يقتل لكن دون وعي تام بما يفعله، ثم مرض الهوس الذي يخلق مشاعر عدوانية بداخل المريض؛ مما قد يدفعه إلى التصرف السئ مع الأقربين منه دون تعمد، وأخيرًا مرض الوسواس القهري الذي يخلق رغبة لدى المريض في إيذاء الأشخاص الذين يتعاملون معه؛ بسبب الومضات التي تُعرف في الطب النفسي على أنها فكرة تتكرر دون توقف.



وعن العلاج، تشرح: "التأهيل النفسى داخل مكان مغلق لمدة لا تقل عن ستة أشهر، بجانب الرعاية والمتابعة الدورية، وأن يكون المريض قادرًا على التخلص من التفكير فى ارتكاب الجرائم، وحضور اجتماعات للتأهيل النفسى بعد العلاج، بالإضافة إلى إرادة الشخص نفسه".

"المريض النفسي آخر من يعلم بمرضه"، وصف دقيق يُلخص حال الكثير من المرضى النفسيين، وكان من بينهم عمرو، 29 عامًا، الذي عانى من مرض الهوس فترة طويلة؛ مما دفعه للتعدي على أشقائه الصغار بشكل متواصل، ومعاملة والدته بأسوء الطرق الممكنة، بالإضافة إلى مرحلة الإدمان التي أقحم نفسه بها دون أن يشعر، حتى وصل به الحال إلى ارتكاب جرائم السرقة من أجل الحصول على مبتغاه من أشياء مادية.

"كنت هقتل إخواتي في يوم من الأيام، ومتعالجتش غير لما اعترفت بمرضي"، هذا ما يقوله الشاب عن خوضه للعلاج من المرض النفسي الذي أصابه، موضحًا لـ"الدستور"، أنه خضع للعلاج داخل مستشفى للأمراض العقلية لمدة ستة أشهر حتى استعاد عافيته من جديد، واستطاع أيضًا التعافي من جميع أنواع المخدرات التي كان يدمنها.

يضيف عمرو، أنه عاد إلى بيته من جديد ممتنعًا عن المعاملة السيئة التي كان يمارسها مع ذويه، مختتمًا حديثه بجملة: "بحاول أعوضهم عن الشر اللي شافوه مني، وقريب هتجوز علشان ابني حياتي من جديد".

هل يمكن النجاة من المرض النفسي؟ أي يتم الشفاء منه كالمرض الجسدي، الإجابة كانت نعم، بحسب حكايات خاصة استمعت لها "الدستور" لأشخاص استطاعوا الشفاء من الأمراض النفسية التي أصابتهم، وقادتهم أيضًا إلى ارتكاب بعض الجرائم في حق أنفسهم قبل حق الآخرين، وتلك هي الإجابة التي حصلنا عليها من حديثنا مع الأطباء المختصين.



وجهتنا التالية كانت داخل مركز "إشراق"، وهو أحد مراكز علاج الإدمان والأمراض النفسية، والذي يتوافر به فريق علاجى يمتلك خبرة أكثر من ١٥ عامًا في برامج التأهيل النفسي والسلوكي، كما يضم عددًا من الأطباء والإخصائيين النفسيين والممرضين، ويوفر أيضًا إقامة فندقية ووجبات وبرامج تنمية للمهارات والسلوك أثناء فترة التعافى.

وأوضح الدكتور أحمد إسماعيل، مؤسس المركز أن البرنامج العلاجي الذي يخضع له أي مريض نفسي بغض النظر عن نوعه، هو علاج معرفي سلوكي، تتراوح مدته ما بين عدة أشهر، حسب تصنيف الحالة من حيث درجة الخطورة، مضيفًا: ويُعد التأهيل البدني من أهم طرق علاج الإدمان حاليًا، فهناك غرفة مخصصة لإجراء بعض التمارين الرياضية داخل المركز».

واستكمل أنه يوجد نوعان من الحالات المرضية، أحدهما بسيط يمكن متابعته منزليًا من خارج المركز، والثاني معقد ويتطلب علاجه عزل المريض داخل المركز لمدة معينة طوال فترة التعافي، ويعمل المختصون على تنظيم جدول معرفي وسلوكي لتأهيل المرضى، إضافة للأنشطة الرياضية التي يتابعها أحد المختصين الرياضيين.

محمد فريد، المقيم بمحافظة الجيزة- أحد المتعافين من المرض النفسي الذي تسببت فيه الحياة الإلكترونية التي أضاعت منى عمله وأسرته.. يبدأ حديثه لـ"الدستور"، قائلًا:كنت أخون زوجتي بشكل يومي باستخدام محادثات فيسبوك، وعندما علمت بالأمر طلبت مني الطلاق، لكن رد فعلي كان أسوأ، حيث بدأت أعاملها بأساليب عنيفة دون شعور مني بما يحدث»

وعن علاجه، يقول: «اضطررت للخضوع إلى جلسات تأهيل نفسي وسلوكي مع متابعة طبيب نفسى مختص، حتى انتهيت من فترة العلاج، واستعدت حياتى بشكل طبيعي برفقة أسرتي التي كانت نظرات الخوف والقلق تملأ عيونها، كما أصبح لدي وقت كافٍ ومجهود لتطوير عملي الذي أهملته طوال السنوات الماضية».

جرائم وقعت بسبب مرضى نفسيين
الوقائع على خطر المرضى النفسيين في الشوارع كثيرة، فسبق وحاول مريض نفسي من قاطني منطقة دار السلام، كان يتناول الكثير من المهدئات التي جعلته غائب عن الوعي دائمًا، قتل شقيقته في إحدى المرات، بعد مشاداة كلامية بينهم انتهت بضربها ببلاط سيراميك للتخلص منها، حتى لقت حتفها مباشرة.



مريض آخر في منطقة الزاوية الحمراء طعن والده 3 طعنات، وذبحه بعد خنقه بواسطة بنطلون، وأكدت تحريات النيابة بعد وقوع الحادثة، أن المتهم كان مريضًا نفسيًا بشهادة جيران المنطقة الذين حاولوا

إخضاعه للعلاج بمستشفى نفسية.

حالة من الاكتئاب أصابت شاب يدعى "محي الدين رمضان" بمنطقة إمبابة، ترك عمله كمدرب كاراتيه بنادي الزمالك، وبدأت الهواجس تنتشر يوم عن الآخر حتى أصابه شعور بأن ذويه يريدون إيذائه، وقرر بعدها إنهاء هذه المسألة بقتل والدته وشقيقه التوأم.

من خلال ما سبق نستنتج أن المرض النفسي أشد فتكًا من المرض الجسدي، لكنه قابل للعلاج بإرادة المريض ورغبته في التعافي، لحماية من حوله من شرور نفسه.