إرث فتحي سليمان وحواديته عن بولاق أبو العلا
في المشهد الأخير من فيلم "القلب له أحكام"، توبخ زينات صدقي، سراج منير قبل أن تكتشف هويته "طظ في فلوسك"، يفتح سراج قميصه ليطل من تحته سديره البلدي، قائلا: فلوسي كسبتها بدراعي".
لخص المشهد أصالة وعراقة حي بولاق أبوالعلا وسكانه وتمسكهم بالقيم التي تربوا عليها خاصة الإعتزاز بالأصل مهما حصد الواحد منهم من نفوذ لكنه في النهاية لا يتنكرلأصوله.
في روايته "بولاق أبو العلا" يحاول الروائي فتحي سليمان٬ الإحتفاظ بملامح الحي العريق الذي تضاربت الأقوال في أصل تسميته بين البحيرة الجميلة والموردة بمعني الميناء٬ بولاق أبو العلا المدهش في ثرائه وتنوع أنماط ساكنيه بين فلاحين، صعايدة، نوبيين.
يشارك الراوي لمحات من تاريخه الشخصي كجزء من تاريخ الحي الكبير إنتقالا إلي تاريخ مصر نفسها بكل تنوعه من أول الفراعنة مرورا بتغيير مصر لسانها لأول مرة مع دخول الديانة المسيحية ثم للمرة الثانية مع الفتح الإسلامي.
في بولاق أبو العلا ستجد جزء منك ومن تاريخك ربما الشبيه لكن في مكان آخر علي أرض الكنانة. في بولاق أبو العلا تجد أن الباعة الجائلين يغنون لأشيائهم التي يبيعونها خاصة الخضروات، وتجد أن ساكنيه يتعاملون مع أدوات الحياة بمسميات مختلفة ولكل مهنة مسمياتها وأدواتها وأيضا لها رموزها. في بولاق مهرجان من الروائح والألوان والأصوات ينقلها لك السرد الحكائي المدهش ويصيبك برعشة حنين لتلك الأيام٬
شخصيات رواية بولاق أبو العلا، بها من الحيوية والحياة ما يخلدها فلا يغيبها الموت وتبقي سر مكنون في الحكايات فمن عم علي والمقدس فلتس مرورا بالخواجة "موري" ورهانه الرابح عن الحي الشعبي وإيمانه بخروج عباقرة من بين حواريه كان علي رأسهم "فتحي عبد الفتاح" اليساري الذي حلم بتغيير العالم في خمسة دقائق لكن أحفاد المماليك وصبيان القصر الذين أضيروا من ثورة يوليو زجوا بإسمه ضمن قائمة أطول إعتقال في تاريخ مصر. الكابتن عبد الفتاح أحمد وهو أشهر مدرب سباحة في مصر والوطن العربي بكر حسان مؤسس سينما بكر بالاس أول سينما في أسوان٬ الأستاذ أحمد أبوعبية مدرس الإنجليزي اللي بيطلب من تلاميذه يعدوا عليه في ٦ شارع عماد الدين لو محتاجين شرح زيادة أيام ما كان لسة المدرس مربي فاضل مش تاجر ف سوبر ماركت حطوا عليه بالغلط يافطة مدرسة ولا نسائها وسرعة بديهتهن وحلاوة منطقهن"وبعدين ريحة الصابون النابلسي بتهيج الرجالة يابتاعة الفجالة" آسيا التي قتلها أب جاهل عندما زوجها لتاجر مخدرات "وشفيقة" محمد جان دارك مصر بنت حي القلعة أول شهيدات ثورة ١٩١٩من النساء. شهيد حرب ٦٧ إبن عم ضاحي وصوته بيعلي بالبكاء ويصرخ "عبحكيم ضيع لي ولدي وجمال كان عارف٬ عبحكيم قتل ولدي قتل اللي كنت شايله للزمن.
