رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مساجد أردوغان.. أوكار تجسس!


من النمسا، استقبل رأس الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، ضربتين موجعتين فى أسبوع واحد: إغلاق مساجد تابعة له، لتورطها فى «أنشطة تجسسية».. وفوز «حزب الشعب»، الذى يقوده سباستيان كورتز، فى الانتخابات التشريعية، التى جرت الأحد الماضى.
بأغلبية الأصوات، قرر البرلمان النمساوى، فى ٢٥ سبتمبر، إغلاق المساجد التابعة لهيئة الشئون الدينية التركية، وجمعية ملى جوروش. وفى حسابها على تويتر، كتبت بريفان أصلان، النائبة السابقة، أن القرار تم اتخاذه بعد ثبوت أن «المساجد التابعة لكلتا الهيئتين لا تعمل دورًا للعبادة، بل أصبحت امتدادات سياسية للرئيس التركى وحزبه». وعليه، نكون أمام تأكيد جديد على أن أردوغان يحمل فى يده نسخة من «ريموت كنترول» التنظيمات الإرهابية، حول العالم، إلى جانب تحكمه فى نسخة أخرى، عبر العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة.
فى النمسا، كما فى العديد من الدول الأوروبية، تمكّن المتطرفون من السيطرة على مؤسسات وجمعيات ومنظمات ومدارس ومساجد، بدعم مباشر أو غير مباشر من الدول الراعية للإرهاب كتركيا وقطر. وسبق أن طالب كوين متسو، رئيس لجنة مكافحة الإرهاب بالبرلمان البلجيكى، فى ٢٥ أكتوبر ٢٠١٧، البرلمان الأوروبى بإيجاد آلية لمنع تمويل الجماعات المتطرفة فى مختلف دول القارة، وحذّر من قيام النظام القطرى بدعم هذه الجماعات، بحوالى ٥٥ مليون يورو سنويًا، تحت عناوين أو واجهات مختلفة، أبرزها دعم المؤسسات الدينية والخيرية وإقامة مساجد ومدارس تنشر الأفكار المتطرفة فى القارة العجوز.
معروف أن حكومة أردوغان رصدت ميزانية ضخمة لبناء مساجد ومراكز دينية تابعة لها فى جميع أنحاء العالم. غير أن «هذه المساجد ليست أماكن عبادة»، بحسب أحمد يايلا، الأستاذ المشارك فى مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، الذى أكد أن «ألمانيا وبلجيكا والنمسا وهولندا وسويسرا والنرويج والسويد فتحت تحقيقات حول الأئمة الأتراك، بسبب التجسس لصالح المخابرات التركية». والمعلومة نفسها أكدها بيتر بلز، عضو البرلمان النمساوى، فى مارس ٢٠١٧، حين ذكر أن «شبكة تجسس» تركية، خضعت لتحقيق أجرته السلطات الألمانية، النمساوية والسويسرية، وثبت أن نشاطها كان أوسع بكثير من نطاق الدول الثلاث.
قرار البرلمان النمساوى يعيدنا إلى الدور الكبير الذى لعبه «كورتز» وحزبه، حزب الشعب، فى إقرار التعديلات على قانون صدر سنة ١٩١٢، كان يسمح للمؤسسات الدينية الإسلامية، وللمساجد وأئمتها بتلقى تمويل من الخارج، وهو ما صار محظورًا بموجب تلك التعديلات، التى رأى «كورتز» أن موافقة البرلمان النمساوى عليها حدث مهم فى تاريخ النمسا، لأنها ستمنع دولًا إسلامية بعينها من أن تجنى بأموالها نفوذًا سياسيًا داخل البلاد.
وقتها رجحنا أن وزير خارجية النمسا وقتها، المستشار لاحقًا، يقصد تركيا. وكان سبب هذا الترجيح هو أن «كورتز» أيد تجميد المفاوضات مع أنقرة بشأن عضويتها فى الاتحاد الأوروبى، وانتقد بعنف الإجراءات القمعية التى اتخذتها الحكومة التركية بعد «محاولة الانقلاب» الفاشلة أو المزعومة. كما أعلن، فى مارس ٢٠١٧، أن بلاده لا ترحب بزيارة أردوغان. وبالفعل، منعت النمسا المذكور من زيارتها. والشىء نفسه تكرر مع وزير الاقتصاد التركى.
كورتز، Sebastian Kurz، المولود فى ٢٧ أغسطس ١٩٨٦، بدأ مسيرته السياسية سنة ٢٠٠٣ بانضمامه إلى حزب الشعب، واختير فى مايو ٢٠١٧ رئيسًا للحزب الذى كان مشاركًا فى الائتلاف الحاكم مع الحزب الاشتراكى الديمقراطى. وبإنهائه لهذا التحالف، تمت الدعوة إلى انتخابات مبكرة، جرت بالفعل، فى أكتوبر ٢٠١٧، وفاز فيها حزب الشعب، بـ٣٠.٢٪. وبتحالف «كورتز» مع حزب الحرية، الحاصل على ٢٦.٨٪، تشكلت الحكومة، فى ديسمبر ٢٠١٧. غير أن هذا التحالف لم يصمد طويلًا، باضطرار هاينز كريستيان شتراخه، زعيم حزب الحرية، نائب رئيس الوزراء، إلى الاستقالة، ومعه كل وزراء حزبه، فى مايو الماضى، بعد تسريب مقطع فيديو، يكشف عن اعتزامه تلقى تمويل بطريقة ملتوية من رجل أعمال روسى قريب من السلطات الروسية، وهى الفضيحة المعروفة إعلاميًا باسم «إيبيزا جيت»، والتى على إثرها، قام البرلمان، لأول مرة فى تاريخ النمسا بسحب الثقة من المستشار.
بعد استقبال رأس أردوغان خبطة إغلاق مساجده أو أوكار تجسسه فى النمسا، يمكننا أن نقول إنها، أى رأس مجنون إسطنبول، تلقت خبطة أخرى بحصول «حزب الشعب» على ٣٧٪ فى الانتخابات التى جرت الأحد الماضى. ما يعنى أن «كورتز» قد يتحالف مع حزب الحرية الذى حل ثالثًا أو يعود إلى تحالفه مع الاشتراكيين الديمقراطيين، أو مع حزبى الخضر والليبراليين الجدد. وفى كل الحالات، فإن الحكومة القادمة ستكون برئاسة المستشار الشاب، الذى قام بتسديد أربع لكمات، أو صفعات، على الأقل، للرئيس التركى، وهى الحكومة التى ستقوم، أيضًا، بتسديد اللكمة أو الصفعة الخامسة التى أقرها البرلمان.