رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأم تريزا.. قديسة أبهرت العالم بعطائها

الأم تريزا
الأم تريزا

تحل علينا اليوم ذكرى ميلاد راهبة الفقراء والمشردين "الأم تريزا" الحاصلة على جائزة نوبل للسلام،
ولدت الراهبة الكاثوليكية "تيريزا" عام 1910، بمدينة سكوبيه في جمهورية مقدونيا، كان والداها ينحدران من أصول ألبانية، كان والدها رجل أعمال معروف، ومشارك فعال في الكنيسة والسياسة المحلية، ومن مؤيدي استقلال ألبانيا.

في عام 1919 مرض والدها فجأة ثم توفي، وأشارت الكثير من التوقعات إلى أن أعداءه السياسيين قتلوه بالسم. بعد وفاة والدها، تعلقت بوالدتها، وكانت امرأة متدينة وعطوفة، غرست فيها الالتزام العميق والأعمال الخيرية.

وجهت والدتها دعوة مفتوحة لفقراء المدينة لتناول الطعام مع عائلتها وكانت تنصح ابنتها، وتقول لها: "صغيرتي، لا تتناولي لقمة من الطعام أبدًا إلا إذا شاركتيها مع الآخرين"، وعندما كانت أجنيس تسأل: "من هؤلاء الذين يتناولون الطعام معنا؟" كانت والدتها تجيب دائما: "بعضهم من أقاربنا، والبعض الآخر من شعبنا".

التحقت أجنيس بمدرسة ابتدائية تابعة للدير، ثم في المرحلة الثانوية التحقت بمدرسة تديرها الدولة، كانت تغني مع فرقة "القلب المقدس" وكان يطلب منها الأداء الفردي، في الثانية عشر من عمرها وأثناء رحلة الحج السنوية التي كان ينظمها المجمع إلى كنيسة "العذراء السوداء" في فيتينا بكوسوفو، شعرت برغبتها في تكريس حياتها لخدمة الكنيسة.

قررت أن تصبِح راهبة وهي بعمر الـ18 عام، وسافرت إلى "إيرلندا" للانضمام إلى الأخوات "لوريتو" في معهد العذراء المباركة مريم في دبلن، وهناك حصلت على لقب "الأخت ماري تيريزا" تبعًا للقديسة تيريز من ليزيو.

بعد مرور عام، سافرت إلى بلدة "دارجيلنج" بالهند، لتعلم الرهبنة، ثم عملت مدرسة بمدرسة القديسة ماري الثانوية للفتيات في كلكتا، مخصصة لتعليم الفتيات من أفقر الأسر البنغالية في المدينة، وكرست حياتها لتهوين الفقر على الفتيات من خلال التعليم.

عام 1937، اتخذت العهد الأخير للالتزام بحياة الفقر والعفة والطاعة، ومنحت لقب "الأم" بعد اتخاذها العهد الأخير، وعرفت باسم "الأم تيريزا"، واصلت الأم تيريزا التدريس بمدرسة القديسة ماري، وأصبحت مديرة المدرسة عام 194.

اتخذت قرار ترك التدريس عام 1946، وعزمت على العمل في أحياء كلكتا الفقيرة، لمساعدة أشد الناس فقرا ومرضا، ولكنها لم تستطع ترك منصبها في الدير بدون إذن رسمي، وبعد مرور عام ونصف، حصلت على الموافقة عام 1948، وتركت الدير وبدأت التجول في المدينة، مرتدية الساري ذو اللون الأزرق والأبيض، الذي استمرت في ارتدائه طوال حياتها، وبعد التدريب على أساسيات الطب لمدة 6 أشهر، بدأت رحلتها لأول مرة في أحياء كلكتا الفقيرة، ولم يكن لديها سوى هدف واحد حسب قولها: "مساعدة المنبوذين، المكروهين، والذين لا يهتم بشأنهم أحد".

انشأت مدرسة في الهواء الطلق، ومسكنا للفقراء المعدمين بإحدى المباني المهجورة، وكانت قد أقنعت إدارة المدينة بالتبرع به لصالح مشاريعها الخيرية، أسست جماعة "الإرساليات الخيرية" عام 1950، مع زيادة تدفق التبرعات من أنحاء العالم، وسعت الأم تيريزا من نطاق أهدافها الخيرية، وأسست مستعمرة للجذام، دار للأيتام، دار حضانة، عيادة عائلية وسلسلة من العيادات الصحية المتنقلة.

سافرت الأم تيريزا إلى مدينة نيويورك لافتتاح أول دار خيرية لها في أمريكا عام 1971، وسافرت سرا إلى بيروت عام 1982، حيث ساعدت الأطفال المسيحيين والمسلمين خلال الحرب، عادت إلى نيويورك عام 1985 وألقت كلمة خلال الاحتفال بالذكرى الأربعين لإنشاء الأمم المتحدة، وافتتحت دار لرعاية مصابي الإيدز.

حصلت على جوهرة الهند، أعلى وسام شرفي هناك، إلى جانب حصولها على القلادة الذهبية للاتحاد السوفيتي أثناء لجنة السلام السوفيتيية، حصلت الأم تيريزا على جائزة نوبل للسلام عام1979 كاعتراف بمجهوداتها في مساعدة الإنسانية المعذبة.

بعد عدة سنوات عانت فيها من تدهور حالتها الصحية بسبب مشاكل القلب والرئة والكلية، توفيت الأم تيريزا في 5 سبتمبر عام 1997، عن عمر يناهز السابعة والثمانون عاما، ظلت حياتها في دائرة الضوء بعد موتها، ففي عام 2003 تم نشر مجموعة من رسائلها الخاصة والتي كشفت عن كارثة إيمانية كانت تعاني منها خلال الخمسين عام الأخيرة من حياتها.

ففي إحدى رسائلها اليائسة إلى صديق ثقة، قالت: "أين إيماني؟ حتى في أعماق وجداني لا يوجد شيء، سوى الفراغ والظلام. إلهي، كم هو مؤلم هذا الألم الخفي! لقد فقدت إيماني، لا أجرؤ على التفوه بالكلمات والأفكار التي تتزاحم بقلبي، وتجعلني أعاني آلاما مبرحة".