رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحيم طايع يكتب: عن شماتة الرجعيين فى التقدميين

جريدة الدستور



الشماتة ليست من صفات البشر الأسوياء بصورة عامة ولا المصريين الأصلاء بصورة خاصة، هى خلق سيئ مذموم دخيل على بلادنا، أتى ضمن المد الدينى الصحراوى الذى غيّر طباعنا وشوش صفاء نفوسنا، وخلق بيننا جماعات بشرية قضيتها الكبرى الحفاظ على لحية الرجل وسواكه وعلامة الصلاة على جبينه وكراهية قلبه للآخرين وطمعه فى بلادهم وأموالهم ورتبهم، بالتوازى مع نشر نقاب المرأة ودفعها إلى تصديق عورة كيانها وصرفها عن المشاركة فى الحياة العامة وحثها على لعن السافرات المتبرِّجات والإذعان لممالك الرجال.
لو لم ينجح هؤلاء جميعًا فى تصفية خصومهم جسديا، فإنهم يظهرون شماتتهم فيمن خالف مسارهم عندما يموت أو يمرض أو تصيبه سيئة.. بردِّ ما جرى له إلى انتقام الله الذى لا ينسى جنايات العباد.. فعلوا مثل ذلك مع راحلين كبار كالدكتور «نصر حامد أبوزيد» والمفكر «فرج فودة» واليسارى العتيد «محمود أمين العالم» والأديب العملاق «نجيب محفوظ»، مثالًا لا حصرًا، ويفعلونه الآن مع السيدة «نوال السعداوى» والسيد «أحمد عبدالمعطى حجازى» فى مرضيهما «شفاهما الله وعافاهما»، كأنهم المتحدثون الرسميون باسم الأقدار، ولعمرى إن هذا لهو الإجرام بذاته.. هكذا ارتبطت الشماتة بطغمة المتقنعين بالدين وليس فى الآفاق من دينٍ سوى الفراغ القتَّال الذى استولى عليهم ومنحهم، هم الرعاع مقلدو الأزمنة الغابرة بغير فهمٍ ولا حُجَّةٍ، سلطة روحية على بقية خلق الله الودعاء الآمنين.
تعلموا أن الحق فى صفهم والباطل فى الصف الآخر، وتعلموا أن الفرح بمكروه يصيب الأعداء «أعنى من يضعونهم فى خانة العداوة باستمرار» واجب على المؤمنين.. وقد نسوا، أو تناسوا، أن الشماتة ليست خُلقًا يليق بمؤمنين يدَّعون الالتزام الدينى ولا بإنسان صحيح الإنسانية أصلًا.
أشاعوا العمى عن السيدة «نوال السعداوى».. هم كانوا يتمنونه غالبًا، ولما نما الخبر الكاذب إلى أسماعهم هشُّوا به هَشَاشَةً وروَّجُوه على أنه نقمة السماء من «العجوز الملحدة» كما اعتادوا وصفها بلا حياء، وليست عينا السيدة بواقعتين فيما ادعوه بيقينهم الكاذب، لكنها تعانى من مشكلات بصرية وتخضع للعلاج، كما قال مرافقوها مؤكدين، ولو فُرِضَ وأصاب عينيها الأسوأ «لا قدر الله» فما الداعى للشماتة؟ وما حُجَّة الشامتين؟ ومن أين لهم بالحكم على إيمانها من عدمه، والقاعدة اللطيفة التى يجب إتباعها تقول: إذا رأيتم الشخص كافرًا من كل وجه ومؤمنًا من وجه واحد فاحملوه على الإيمان. وبفرض أنهم ملكوا أدلة قطعية، من وجهة نظرهم الضيقة طبعًا، على تمردها الشديد على القواعد الدينية الراسخة، أليست حرة فى واقع حر يمنح الإنسان فرصًا لفكرة الشك بنفس الدرجة التى يمنحه بها فرصًا لتيقن الإيمان؟ أليس هذا هو المجتمع الذى ينبغى أن يحلم به الجميع ويثور لأجله الجميع مطمئنين على أنفسهم بكنفه؟ أليس هذا المجتمع هو الأرحب والأقرب إلى المرونة والهدوء والأبعد عن العصبية والصخب؟
وبمجرد أن سمعوا بمرض الشاعر الكبير «أحمد عبدالمعطى حجازى» صاحب المقالات القوية الألمعية التى تحارب التطرف والظلام وتسعى إلى الاعتدال والضياء وانتقاله إلى المستشفى للعلاج، دبَّ فيهم دبيب الحياة البهيجة «والعياذ بالله» وهنأ بعضهم بعضًا بالفاجعة فى السوشيال ميديا وفى المواقع البائسة، وقالوا كلهم (بلا مواربة ولا ذرة نبل): سقط تقدمى عتى بحول الله وقوته. كأن التقدمية عار والرجعية التى هم غارقون فيها للآذان أوسمة على الصدور!
لقد غرس هؤلاء الأشرار فى تربتنا غرسًا غريبًا يشبه شرورهم، وضللوا كثيرًا من عوام الناس وخواصهم بعد أن ضلوا ضلالًا مهينًا، متوهمين أنهم هكذا وجدوا الخلاص.. فعلى كل مالك يدٍ تقطع غرسهم أن يقطعه مأجورًا، وعلى كل مالك قلم يفضح زيفهم أن يفضحه بلا تردد، وعلى كل مالك عقل يدحض فكرهم أن يدحضه سريعًا، وعلى كل مالك قلب تسامح مع الخلق أن يئد الفتنة التى أطلقوها من عقالها وأن يتمم ما بين الناس من جميل المودة مما يليق بإنسانيتنا وبالأديان السماوية كلها على الحقيقة وببلدنا الطيب الذى توطدت علاقات أهله ببعضهم فلا مجال لقسمتها.
شخصيًا قد أكون مختلفًا اختلافًا كليًا أو جزئيًا مع الأسماء التى ذكرتها هنا وغيرها لا ريب، لكننى أتمنى للجميع الخير والعافية والسلامة والنجاة، واعيًا صادقًا.