رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المجموعة الأمريكية التى تحذر من مشروع قطر الإخوانى«1»




قد نحتاج من فترة لأخرى لمطالعة بعض الأصوات الأمريكية التى تخرج، لتدق ناقوس الخطر من أخطار بعينها، مستهدفة بذلك «الدفاع عن قيمة القوة الأمريكية». هذا التعبير الأخير هو ما دونته «مجموعة الدراسات الأمنية» تحت عنوان «من نحن»، الذى عادة ما تضعه مراكز الأبحاث والدراسات على مواقعها الإلكترونية فى مختلف أنحاء العالم. بغرض الإفصاح لمتابعيها عن توجهاتها وملفات اهتمامها، وهذه المجموعة البحثية التى يرمز لها اختصارًا بـ«SSG»، هى أحد المعاقل المهمة للدراسات الأمنية والاستراتيجية فى الولايات المتحدة والعالم. ولذلك ذكرت أيضًا تحت ذات العنوان «من نحن»؛ بأنها من خلال عملها البحثى تستهدف، الوصول السريع إلى بيانات موجزة وواقعية، من أجل إعادة توجيه التوجه الاستراتيجى فى مجال مكافحة الإرهاب وسياسات الأمن القومى.
هذه المجموعة البحثية البارزة، نشرت بتاريخ ١٦ فبراير الجارى دراسة بعنوان «لماذا يجب أن نهتم بتأثير قطر؟». وهو سؤال مهم لنا أيضًا، بالنظر إلى الجدل المثار عادة، حول تأثير تلك الإمارة الصغيرة، وهل هناك مبالغة منا فى عدائنا لها أو تضخيم لدورها بما لا يستحقه؟!، ففى كثير من الأحيان يبدو إلقاء تبعات العبث بمعادلات الأمن فى منطقتنا، على عاتق الدوحة، به من التكرار ما يجعلها تبدو وكأنها شماعة، تدفع البعض لأن يتشككوا فى حقيقة جدارتها للقيام بكل تلك الأدوار التى تلاحقها ليل نهار. ولذلك قد يكون من المهم، الاطلاع على وجهة من وجهات النظر الأمريكية، التى هى ليست من دول المقاطعة بالطبع، ولا ترمى للحفاظ على مصالحنا، فهى تستهدف بالأساس، كما ذكرت، تصويب الخطط الاستراتيجية للدولة الأمريكية فى محيط مصالحها.
وصفت الورقة قطر فى البداية، باعتبارها واحة صحراوية لجماعة الإخوان وللعديد من الإسلاميين الأكثر فتكًا فى العالم. باعتبار لجوئهم إليها قد بدأ فى ستينيات القرن الماضى، على خلفية حظر الرئيس جمال عبدالناصر للجماعة، مما أرغم الآلاف منها على التراجع إلى أماكن أخرى بالشرق الأوسط. لتمثل قطر منذ ذلك الحين، قاعدة العمليات الأكثر استحواذًا لدى الإخوان المسلمين، بعد أن برزت أيديولوجيتها باعتبارها أيديولوجيا دولة قطر الفعلية، حيث رحبت عائلة آل ثانى الحاكمة بالإسلاميين من خلال تمويل فخم، ودفعها لتحتل أعلى مراتب الشرف للدولة عبر إنشاء مؤسسات إسلامية جديدة، تصب جل جهدها على تلقين الآلاف من الناس داخل قطر وخارجها.
ما سبق هو ترجمة، شبه حرفية، للنص المكتوب باللغة الإنجليزية، وما هو آت يراعى بالضبط ما جاء بترتيب فقراتها. فقد دخل مباشرة بعد المقدمة، إلى القول بأن قطر حققت نجاحًا استثنائيًا فى الشراء والحصول على التأثير، لتعزيز مصالحها فى واشنطن. خاصة أن مدى التأثير انعكس من خلال عملياتها فى مجال المعلومات، وهى من القصص التى ظلت الأقل تغطية وتدقيقًا فى السنوات الماضية. لكن الباحث «ديفيد ريبوى» كاتب النص، يرى أن هناك حسنًا للحظ لأن ذلك بدأ يتغير، بسبب الترويج للإخوان المسلمين فى تحالفها مع إيران، حيث أصبح المزيد والمزيد من الأمريكيين يفهمون أن قطر قوة خبيثة، ليس فى الشرق الأوسط فقط، لكن فى هذا البلد أيضًا. فبطبيعة الحال؛ أن إنفاق الكثير من المال هو أسهل طريقة لتغيير أو تعديل السياسة العامة، فوجود ثروة كبيرة يسمح لك باكتساب أصدقاء على الفور، على أمل أن يثرى كرمك هؤلاء الأصدقاء الجدد أيضًا، فالأمم تنفق الكثير من الأموال فى الولايات المتحدة لتعزيز مصالحها، وفى هذا تستطيع الدول الغنية أن تنفق أكثر بسخاء.
لكن هناك من ناحية أخرى؛ الدول التى تدفع مبالغ طائلة من المال للتأثير على السياسة الأمريكية ضد مصالحها. وقطر من هذا النوع، بسبب موقعها فيما يتعلق بالإرهاب، وتحالفها مع إيران والمنظمات الأخرى السنية، تجعل من ملايين الدولارات التى أنفقتها قطر للتأثير على السياسات هنا فى واشنطن، تقع بشكل مباشر فى هذه الفئة الأكثر خطورة. فثروة قطر والمبالغ المالية كبيرة للغاية، فضلًا عن الجهد المبذول للتهرب من قانون تسجيل الوكلاء الأجانب «FARA»، لا يعطى صورة كاملة لنطاق لعبة التأثير. لكن ما نعرفه على الأقل مقلق بشكل كافٍ، حيث تمكنت أموال قطر، من شراء جماعات الضغط التى «شجعت» عددًا من الأشخاص المؤثرين، على تخفيف موقفهم من دعم قطر للإرهاب والإسلاميين، أو حمل السلاح الخطابى ضد منافسيها الإقليميين الرئيسيين خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فقد تمكنت من شراء منافذ إعلامية تخلق مساحة المعركة أو البيئة التى تقود، كما رأينا فى فترة قصيرة جدًا، إلى تغييرات جذرية فى السياسة العامة مصممة لمصلحة قطر. وذلك عبر ترسيخ الروايات المؤيدة للقطر، فى أذهان نخبة السياسة الخارجية، من خلال تقديم منح ضخمة إلى مراكز الأبحاث والجامعات، وربما الأكثر إثارة للقلق، استخدام قاعدة القيادة المركزية الأمريكية فى «العديد» كمنبر، من حيث يمكن لقطر أن تندمج مع جيل من القادة العسكريين وصانعى السياسات فى الولايات المتحدة.
تحت عنوان «شراء اللوبيين والمؤثرات»، أوردت الورقة البحثية معلومات شديدة الأهمية. باعتبار أن المجموعة الأمنية رصدت أنه بمجرد تكثيف الحرب الدبلوماسية مع السعودية عام ٢٠١٧، أقرت قطر بالحاجة إلى المزيد من التغطية فى واشنطن، خاصة حول موضوع تمويلها للإسلاميين والإرهاب. وتوجت هذه العملية بنجاح نفوذ، تم تنفيذه بأموال قطرية من قِبل جماعات الضغط الأمريكية ووكلائها، تحديدًا مجموعات مثل «ستونينجتون ستراتيجيز» التى يديرها جوى ألهام، ونائب رئيس الأركان السابق للسيناتور «تيد كروز» نيك موزين. ولا يقتصر الأمر على الحصول على راتب كبير لجهة الضغط، بل إنه يسمح لمثل هذا اللوبى بنشر الكثير من الدولارات. ويذهب ذلك إلى شراء شركات العلاقات العامة المعتادة والحملات الإعلانية، ومشغلى وسائل الإعلام، وأعضاء الكونجرس والجنرالات، والموظفين الذين يدفعون إلى حد كبير لفتح أبواب المكاتب الرئيسية للأشخاص المؤثرين، وهذه المجموعة الأخيرة هى الأكثر إثارة للاهتمام، ففى حالة «ستونينجتون» اتسمت بالسخرية الشديدة. حيث استأجر القطريون نيك موزين وجوى ألهام فقط لأنهما كانا على اتصال جيد بالمجتمع الإسرائيلى، بالاضافة إلى الدائرة الداخلية للرئيس ترامب. وقد استخدما الأموال فى النبيذ وتناول العشاء مع أنصار إسرائيل، محاولين على نحو سخيف إقناعهم بأن قطر «راعية حماس والإخوان المسلمين» و«حليفتا إيران وتركيا» صديقة لإسرائيل.
هذه ورقة بحثية أمريكية، وتستهدف مصلحة الولايات المتحدة فى المقام الأول، لكن ثمة سطورًا عديدة فيها تشابهت مع ما كتبناه لسنوات، وقوبل بالتشويش والضجيج وبكثير من الاستهانة فى البعض منه. وهى قبل أن تدق ناقوس الانتباه هناك فهى أيضًا تصدح بنواقيس وأجراس هنا، وما زالت فى سطورها مفاجآت مثيرة نستكملها الأسبوع القادم بمشيئة الله.