رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الدستور" تحقق في تقنين سناتر الدروس الخصوصية مقابل دفع ضرائب

جريدة الدستور

مؤيدون: إغلاقها مستحيل والطلاب يلجأون إليها بسبب المناهج العقيمة.. ومعارضون: يحول المنظومة إلى استثمار

جدل كبير أثاره المقترح الذى طرحه الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق، لحل أزمة الدروس الخصوصية، إذ انقسم حول رأيه المعلمون والخبراء ما بين مؤيد ومعارض.
اقترح «نصار»، خلال لقائه مع برنامج «٩٠ دقيقة» على قناة المحور، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، منح مراكز الدروس المعروفة بـ«السناتر» تراخيص رسمية مقابل دفع ضرائب، وتحويلها إلى خادم للعملية التعليمية.
وأضاف: «المدرس اللى يدى دروس وبيقبض من المدرسة ٢٠٠٠ جنيه مرتب، ياخد ١٠٠٠ فقط، شريطة حصول المعلم المتفرغ على راتبه بالكامل دون خصم»، مشيرة إلى ضرورة أن تتعامل وزارة التربية والتعليم مع المعلمين غير المتفرغين، وكأنهم فى إعارة للخارج، حتى لا يكونوا عبئا على الدولة.


تربويون: يزيد من معاناة أولياء الأمور.. وثغرات قانونية تعرقل تحصيل الأموال
اختلف التربويون حول جدوى المقترح، واعتبر بعضهم أنه لا يقدم حلًا للمشكلة من الأساس، فيما رأى آخرون أنه من الممكن تطبيقه ولكن بشروط.
ورأى الدكتور محمد عبدالعزيز، أستاذ علم التربية بجامعة عين شمس، أن المقترح رغم أنه يتضمن فرض ضرائب على مراكز الدروس الخصوصية بما يدرّ دخلًا على الدولة، فإنه من الصعب تطبيقه على أرض الواقع.
وأضاف عبدالعزيز: «المقترح لن يعالج المشكلة بل ستتفاقم بسببه، وستزداد أسعار الحصص فى المراكز، ما يزيد من معاناة أولياء الأمور، فى الوقت الذى سيكون فيه ذلك قانونيا».
وأوضح أن المقترح تجاهل عدة محاور، أبرزها أن التلميذ يتعامل مع مناهج دراسية عقيمة، لذلك يلجأ إلى من يستطيع مساعدته، حتى لو كان معلمًا من خارج المدرسة وخارج الوزارة أيضًا.
وأشار إلى تجاهل المقترح محورا ثانيا يتمثل فى أن التلميذ الذى يبحث عن الدرس الخصوصى يلجأ لذلك أحيانا حتى ينجح فى إرضاء معلم الفصل نفسه، حتى لو كان ذلك على حساب التحصيل الدراسى والبنية المعرفية بحثًا عن النجاح، وهى الظاهرة التى تتكرر كثيرا لدى طلاب مراحل النقل.
وتابع: «تجاهل المقترح المحور الثالث الذى يتعلق بطلاب الشهادات، كونهم لا يذهبون إلى المدرسة من الأساس بل يعتمدون بشكل كامل على مراكز الدروس الخصوصية أو الدروس المنزلية، فى الوقت الذى لا يشترط فيه أن يكون مدرسوهم يعملون فى المدارس النظامية من الأساس».
وأضاف: «بعض معلمى السناتر يكونون من خارج الحقل التعليمى أو من هواة المهنة أو الباحثين عن عمل، ما يعنى أنهم فى الأساس من غير الخاضعين لأحكام الوزارة أو قوانينها، لذا لا يمكن فرض الضرائب عليهم أو تحجيمهم».
وتابع: «مقترح جابر نصار لم يقم على دراسة واقعية، لذا ستكون نتيجة تطبيقه أكثر كارثية، لكونه سيمنح الغطاء القانونى لسيطرة معلم الفصل على التلميذ، وسيضيّع حقوق غير القادرين من الفقراء».
وذكر أن المشكلة الحقيقية فى مصر تتمثل فى أن مقترحات العلاج لمشكلات العملية التعليمية بعيدة عن الواقع، ولكن إذا كنا نريد حل مشكلة الدروس الخصوصية، فعلينا أولا معرفة أسبابها وعلاجها.

نقابيون: يتعارض مع النظام الجديد.. يلغى دور المدارس.. ويكرس للحفظ والتلقين
رأى محمد عبدالله، أمين عام نقابة المعلمين، أن المقترح جدير بالدراسة فى إطاره العام، رغم أنه يتنافى مع الفلسفة المستهدفة حاليا فى العملية التعليمية.
وقال عبدالله: «يتعارض المقترح مع فكرة إنشاء أجيال جديدة قادرة على الإبداع والتفكير الحر والناقد، وهو ما تستهدفه الوزارة، فى الوقت الذى تهدف فيه مراكز الدروس الخصوصية إلى تحفيظ الطلاب الأسئلة والإجابات النموذجية دون أن يحقق الطالب أى فائدة حقيقية».
وأشار إلى أن انتشار المراكز لا يعنى بالضرورة الموافقة عليها وتأييد بقائها، وأن النظام التعليمى الجديد الذى تستهدفه الوزارة وبدأت تطبيقه على مراحل رياض الأطفال، سيضمن حل هذه المشكلة بشكل تدريجى.
وأضاف: «لا يمكن أن ننتهى من ظاهرة الدروس الخصوصية التى تستنزف جيوب الغلابة خلال يوم وليلة، خاصة أن لها (لوبى) قويا يدافع عنها بشراسة، ويرفض المساس بها بسبب الأرباح المهولة التى يحقهها بعدما وصلت إلى نحو ٢٥ مليار جنيه فى بعض التقديرات».
ودعا أمين نقابة المعلمين إلى الاستفادة من مقترح الدكتور جابر نصار عبر تطويره وتفعيل نظام المحاضرات الشرعية لطلاب الثانوية ومجموعات التقوية المدرسية، وهو ما يمكن تحقيقه بسهولة عبر قرارات وزارية تنظم هذه العملية. وتابع: «تفعيل مجموعات التقوية يحقق لنا عدة أهداف فى توقيت واحد، أولها الحفاظ على الطلاب ووعيهم عبر التأكد من كفاءة المعلمين القائمين على التدريس، وثانيها زيادة دخل المعلمين بما يجذبهم بعيدًا عن مراكز الدروس الخصوصية، إضافة إلى الاستفادة من آليات متوفرة بالفعل وتنتظر تفعيلها». واستطرد: «هذا النظام سيجعل وزارة التعليم نفسها هى المسئولة عن الإشراف على كل ما يقدم للطلاب، سواء فى المدرسة أو الدروس، وهو ما يساعد كثيرا على تجاوز أزمة مراكز الدروس الخصوصية». أما كرم عبداللاه، نقيب معلمى القاهرة الجديدة، فرفض مقترح رئيس جامعة القاهرة السابق ووصفه بأنه، وبعيدا عن وجهة النظر التربوية، يفتقر بالأساس إلى آليات التنفيذ على أرض الواقع.
وقال: «الوضع القائم هو أن مراكز الدروس الخصوصية لا توجد عليها أى رقابة، فهى لا تحصل على أى رخصة من وزارة التعليم أو المحليات أو وزارة التضامن الاجتماعى، لذا فكرة فرض ضرائب عليها غير قابلة للتنفيذ».
وأضاف: «هذا الوضع يعنى أنه لا يمكن فرض الرقابة عليها أو على نوعية المعلمين القائمين على التدريس بها، ولا أعداد الطلاب الملتحقين بالمراكز، هذا بالإضافة إلى عدم إمكانية السيطرة على حجم الملازم الموزعة ولا كيفية توزيعها وأسعارها».
وذكر أنه إذا طبقنا هذا النظام فسنكون أول دولة فى العالم تلغى مدارسها وتعتمد على مراكز الدروس الخصوصية بدلًا من مكافحتها.

معلمون: يمنح فرصة لاستكمال صيانة المدارس
اعتبر وائل يوسف، معلم أول فيزياء، الفكرة جديرة بالدراسة بعدما تحولت مراكز الدروس الخصوصية إلى واقع لا يمكن إنكاره، وعجزت وزارة التربية والتعليم فى عهد أكثر من وزير عن التصدى لها. وقال يوسف: «إذا كانت الوزارة فشلت خلال الفترات الماضية، فى فرض حملات الرقابة والتفتيش كما حدث فى عهد الوزير الهلالى الشربينى وعجزت عن إيجاد حل لها، فالأفضل هنا هو تقنين أوضاعها».
أما محمد حماد، رئيس قسم اللغة العربية بمدرسة قومية، فقال إن المسئولين عن التعليم فى مصر يكذبون على أنفسهم بالقول إن الدروس الخصوصية مجرد ظاهرة، فى الوقت الذى تحولت فيه إلى واقع حقيقى لكثير من طبقات المجتمع. وأضاف: «تطوير التعليم بحاجة إلى مواجهة الواقع أولا، وهو ما يتم عبر دراسة أفكار من خارج الصندوق لتتعامل مع مشكلاته المختلفة، وفكرة الدكتور جابر نصار بخصوص تقنين أوضاع مراكز الدروس الخصوصية تعد من الأفكار التى تصب فى هذا الاتجاه». وذكر أن تقنين الدروس الخصوصية سيزيد من حصيلة الضرائب والرسوم، ما يمنح الفرصة لتحسين البيئة المدرسية واستكمال أعمال الصيانة بها وزيادة الحوافز للمعلمين المتميزين، وغيرها من احتياجات العملية التعليمية.
فيما رأى يحيى على، مدرس أول اللغة الإنجليزية، أن هذا المقترح سيلغى دور المدارس فى النهاية، كما يغفل من الأساس وضع أى آلية لمراقبة (السناتر) البعيدة أصلًا عن الرقابة والمحاسبة. الرأى نفسه ذهبت إليه مروة عبدالله، المعلمة فى إحدى المدارس الابتدائية، بقولها: «هذه الأفكار تعنى أننا نعطى الإذن المباشر للمدرسين فى المراحل التعليمية المختلفة بالاعتماد على الدروس الخصوصية وعدم الاهتمام بالشرح داخل المدارس نهائيا». وأضافت: «مثل هذه المقترحات ستعمل على إخراج أجيال جديدة تعتمد فقط على الحفظ والتلقين، دون أى اهتمام بالتعليم نفسه».

أولياء أمور يوافقون على المقترح: يواجه «معلمى المهرجانات».. والبعض يحذر: تطبيقه يرفع أسعار الحصص
رأى أولياء أمور أن المقترح سيزيد من معاناتهم، نظرا لأن القائمين على مراكز الدروس سيحمّلون التكاليف الجديدة على أسعار الحصص.
ورأت أمانى الشريف، الباحثة فى العلوم السياسية، ولية أمر، أن وزارة التعليم إذا استجابت لهذا المقترح فإنها ستذهب بمفهوم تطوير التعليم بعيدا عما يخطط له الوزير الدكتور طارق شوقى، الذى وعد بالقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية عبر وضع نظام تعليمى جديد.
وقالت: «إذا طبقناه فسنذهب إلى اتجاه آخر، هو كيفية تحقيق الربح الاستثمارى من هذه المراكز لا مواجهتها، وهنا سيكون هدفنا الأساسى هو التجارة والتربح، وهو ما يضر فى النهاية بمصالح الطلاب وأولياء الأمور، لأنه سيؤدى لرفع تكلفة الدروس لتعويض قيمة الضرائب المتحصلة».
وأضافت: «علينا البحث عن طريقة للحد من انتشار السناتر، وليس عن طريقة لتقنين وجودها وجعلها ظاهرة طبيعية، لذا يجب التريث قبل النظر بجدية لهذا المقترح، لأنه سيحقق رد فعل عكسيا، ويحول التعليم لسلعة».
أما منى عبدالوهاب، ولية أمر، أيضا، فقالت إنها توافق على مقترح فرض الضرائب على مراكز الدروس الخصوصية والسماح لها بالترخيص، لأن هذا يجعلها تحت رقابة ومتابعة الدولة.
فيما رأت عبير أحمد، مؤسسة اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم، أن فكرة تقنين سناتر الدروس الخصوصية تعد فكرة جيدة من حيث المبدأ، إلا أنها تحتاج إلى شروط تجعلها تتم تحت إشراف تام من وزارة التربية والتعليم، على أن يخصص العائد منها لخدمة العملية التعليمية.
وطالبت عبير الوزارة بالعمل أولًا على إصلاح أوجه القصور فى المدارس والتى أدت لغياب دور المدرسة وتسببت فى لجوء أولياء أمور لهذه المراكز من الأساس.
وأوضحت أن انتشار «السناتر» تسبب فى إفساد قدرات الطلاب وذوقهم العام، بعد ظهور من سمتهم بـ«معلمى المهرجانات» الذين يستعينون بالأغانى الشعبية خلال إعطاء الدروس لتحفيظ الطلاب دون أى إضافة لعقولهم.