رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إيقوما.. رواية فلسفية للتونسية منيرة بلقاسم بأجواء ألف ليلة وليلة

صورة ارشفية
صورة ارشفية


تأخذنا الكاتبة التونسية منيرة بلقاسم في روايتها الجديدة "إيقوما" إلى أجواء ألف ليلة وليلة الساحرة، بحكاياتها ومفرداتها وعجائبها، منطلقة من خلال شخصيتها الأسطورية لفتاة دميمة ولدت بأذن واحدة وفي وجهها عين واحدة وما تبقى من الجسد كساه شعر أسود غزير.. وفور ولادتها هجرتها والدتها لدمامتها وسوء خلقتها، فلم تجد سبيلا إلا أن تأوي إلى الغابة لتشق طريقها بين وحوشها الضارية، تفرض عليها سيطرتها وهيبتها.

الرواية الغرائبية صادرة طبعتها الأولى هذا العام 2018 عن دار العصر الجديد للنشر والتوزيع بالقاهرة، في 366 صفحة من القطع المتوسط، وتسرد بدايات رحلتها الغريبة منذ ميلادها وسماعها أصواتاً آتية من السّماء وهي تقول لها: أنت دميمة... دميمة... إذهبي إلى حيث يجب أن تكوني... مكانك ليس هنا... أنت ملعونة ملعونة!
ودون عناء إرتسمت الطّريقُ أمامها وأخذتْها إلى غابة قد أثمرتْ أشجارها وأينع زهرها وكلّما إقتربتْ منها إحترقتْ وتحوّلتْ إلى رماد. فهمت آنذاك وتذكرتْ لماذا فزعت أمّها لميلادها. تساءلت هل أنّه من الضروري أن تولد وأن يكون دورها التّخريب والتدمير؟
وبالفعل مارست لعبتها في التفريق وكأنها ساحر شرير، حدث هذا منذ لقائها الأول مع أسد الغابة حينما أحاطت رأسه بأياديها المتعدّدة كالطويلة منها والقصيرة داعبته وهمست له. أنت الأهم هنا. أنت الأعظم! ظهور اللّبوة وهي تحمل فريسة جعلها تقول له من جديد: ليكن النّصيب الأكبر لك. كل حتى تشبع، كلْ ولا تهتم لتلك الأفواه الأخرى، خذ لك الفريسة، لا تدع أيّ حيوان يشاركك هاته الوليمة. نظر إليها نظرة المقتنع بما قالت. جثا أرضاً ضامّاً إليه الفريسة التي تقاطر دمها. مزق لحمها تمزيقاً والتهم أجزاءها إلتهاما غير مبال باللّبوة التي كانت تتابعه والجوع بادٍ في عينيها. شاع بين حيوانات الغابة ما أتاه الأسد الذي استحوذ على الفريسة وكان ذلك بتشجيع ممها.
وتستعرض الرواية بمفردات رمزية كيف استأنست إيقوما بسكان الغابة لماَ لمست فيهم من الإصغاء والطّاعة. راحت تتجول هنا وهناك وما مرّت بحيوان إلا وغازلته وأسمعته ما سمعه منها الأسد، فذاك نسر قد عدّا خلف غزالة روّعها الإحساس بالموت. جرت بقدر ما استطاعت كي تنجو من مخالبه. راحت إيقوتا ترسل فحيحا كفحيح الأفعى ممّا زاد في سرعة النمر الذي تمكّن من الإحاطة بفريسته. ولمّا شبع نام بجانب الفريسة دون عابئ بما فعل.
وتستعرض الرواية حكاية الملك الشجاع العادل ناصف، وزواجه من صباح وحبه الجنوني لها، وكيف أنه اهتم بقضية الخلق والوجود.. وصولا إلى الذات الإلهية، وكذا عديد من القضايا الدينية مثل التعدد، وكيف أن النّهمون من الرجال يركبون صهوة هذا التشريع ليتزوّجوا أكثر من امرأة ولينجبوا العديد من الأطفال ليعجزوا بعد ذلك على رعايتهم وتوفير حاجياتهم وهكذا تمتلأ الأزقة والحواري بالمتشردين والمرتكبين للجريمة. فهنالك من لا يعلم كم من الأطفال عنده! وهنالك من يجهل اسم ابنه أو ابنته. وأن الشخصية القوية لا تموت ولا تشيخ ولا تهرم. والرّجل يظلّ يبحث بين الجميلات على امرأة يقف عندها ويموت بين أحضانها.
وعلى الرغم من أجواء السعادة التي تعيشها صباح وزوجها الملك ناصف.. إلا أن الرياح لا تأتي أحيانًا بما لا تشتهيه السفن، تظهر إيقوما مجددًا وتشتعل الفتن والعداوات وتتوالى الأحداث غريبة مثيرة.