رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألوان من الفساد


الفساد ليس نوعًا واحدًا ولا شكلًا واحدًا.. بل إن له ألوانًا وأشكالًا تم اكتشافها، ويُطالعنا بها كثير من الصحف والمواقع فى الفترة الماضية.. آخرها رقم ضخم جدًا تم نشره فى بعض الصحف أزعجنى جدًا وتوقفت عنده، لأنه يعكس تراجعًا ملحوظًا فى القيم التى كانت سائدة فى مجتمعنا وتغلغلًا واضحًا للفساد، بالرغم من الجهود الدءوبة للرقابة الإدارية، حيث جاء فى الخبر أن الرقابة الإدارية ضبطت ١٥ قضية فساد فى ١٠ أيام فى مختلف المحافظات.
صحيح أن الفساد قديم منذ بدء البشرية، وموجود فى كل الدول، ويأخذ صورًا عديدة ومختلفة أشكالها مع تعاقب العصور وفى كل الأنظمة السياسية منذ الأزل.. لكننى هنا يهمنى أن أتوقف قليلًا عند ألوان من الفساد يحدث فى السنوات الأخيرة فى بلدنا، لأن بعضه شخصى، وبعضه شلل مترابطة، ومجموعات متوافقة على الإفساد، وبعضه نتيجة الجشع والطمع وانهيار الأخلاق، وبعضه ممنهج وبتخطيط سياسى، وهو النوع الأخطر واللون الأسود الذى ينبغى أن تتصدى له الدولة، وأن نتنبه له جميعًا وأن نعرف وندرك من يقف وراءه.
المطلوب هنا ليس فقط أن يحرص المواطن على الوعى بما حوله، والابتعاد عن الفاسدين، وأن يتمسك بالقيم العليا وبالأمانة والنزاهة فى حياته وعمله- بل أطالب الدولة عند القبض على أحد الفاسدين بالدلائل والبراهين بأن تقول لنا إذا كان هذا الفساد شخصيًا أم أنه ممنهج، ووراءه أهداف سياسية تُحركه بغرض إضعاف مؤسسات الدولة، وتعطيل تقدمها، والتشكيك فى قدرتها على المضى قُدمًا وعلى الإدارة الرشيدة.
إن هناك فسادًا مُستشريًا فى بعض الهيئات الحكومية، نتيجة الطمع والجشع، وقبول رشاوى كبيرة بمبالغ مالية مستفزة، تصل إلى الملايين، يتلقاها فاسدون فى مواقعهم، لتسيير أعمال، أو للموافقة على أعمال ومصالح للمواطنين، وهؤلاء قامت الرقابة الإدارية بالكشف عن الكثيرين منهم، وهذا أحيانًا يُحدث نوعًا من الراحة، وأحيانًا أخرى يُحدث نوعًا من الاستياء لدى الرأى العام، نظرًا لضخامة المبالغ التى يتلقاها الفاسدون، كما وجدنا الفساد موجودًا أيضًا فى مؤسسات من المفروض أن تتحلى بالنزاهة، لأنها متعلقة بأساتذة أكاديميين، ومن الضرورى أن يكونوا قدوة لتلاميذهم، وأقصد بذلك صورًا مخجلة من الفساد تم الكشف عنها مؤخرًا فى إحدى المؤسسات التعليمية، حيث قُبض على عميد كلية التربية بجامعة بنها وإحدى طالبات الدراسات العليا، لتورطه فى إفشاء أسئلة امتحانات فى إحدى المواد التى يُحاضر فيها.
إن هذا الكَم الكبير من قضايا الفساد الذى ظهر السنوات الأخيرة يدل على رفض الدولة له، وكشفه للرأى العام، مما يجعلنا نطمئن أن الدولة تتعقبه وتُلاحقه وتكشفه.. ولكن من ناحية أخرى، لا بُد من التأكد بالبراهين والأدلة أن الفاسد يستحق أن يتم إعلان اسمه للرأى العام وفى الصحف والمواقع، حتى لا يُتهم أبرياء، ويكون قد تم تشويه سمعتهم أمام أسرهم وأبنائهم، ثم تظهر براءتهم بعد ذلك بفترة فى خبر صغير من بضعة سطور بإحدى الصحف، بينما تكون المأساة قد حدثت فى تشويه السمعة أمام الرأى العام.
إن أخطر أنواع الفساد فى بلدنا الآن هو المستتر والممنهج، الذى تستتر خلفه خطط ظلامية، حيث يبثون رجالهم الموجودين فى العديد من المواقع الحكومية والمؤسسات المهمة، والذين يُخفون انتماءهم لجماعة الظلاميين، أو المخربين أو مرتزقة بيع الأوطان، فهؤلاء يقفون حجر عثرة أمام تسيير أعمال المواطنين فى المؤسسات، لأنهم يقومون بتعطيلها، بهدف تشويه صورة المؤسسة أو الهيئة أو الشركة الحكومية التى يعملون بها، وبهدف إضعاف الثقة فى مؤسسات الدولة، ومن ثم بث الكراهية فى الحكومة بأسرها وفى القيادات الحالية، وخير مثال على ذلك ما يحدث فى قطاع الكهرباء، حيث تبين أن هناك كثيرين من المنتمين ومن أتباع الظلاميين يُعطلون أعمال المواطنين عن عَمد، مما يسىء للقطاع بأكمله، هناك أعمال تتوقف تمامًا، بسبب الرغبة من الجماعات المتأسلمة فى تعطيلها، فهم موجودون فى أبسط المصالح الحكومية والمحليات، وما زالوا فيها، ولم يتم استبعادهم.
ومن الصعب أن تجد حصرًا بأسماء المؤسسات التى يُخربون فيها، لكن هناك قطاعات حيوية فى التعامل المباشر مع الجمهور وفى الأعمال التجارية وفى مؤسسات إعلامية وجماهيرية يُعشّشون فيها، ويبثون خططهم وسمومهم فيها، وهذا فى تقديرى هو النوع الأخطر من الفساد، لأن وراءه رغبة فى تشويه وتعطيل خدمات ومصالح المواطنين، وإعاقة مشروعات التنمية، وهذا يحتاج لوقفة حازمة وكاشفة من الدولة ومن المواطن.. ومن الإعلام أيضًا.