رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السبحة.. ماذا إن استيقظت الأصابع ونام القلب؟


سبحتى.. هى عصاى أتوكأ عليها، وأهش بها غفوتى

والسبحة هى سند السائرين، يقول الحسن البصرى: «إنى أحب أن أذكر الله بقلبى ويدى ولسانى»، ويصفها «الجنيد» عندما استفسر أحدهم عنها فقال: «طريق وصلت به إلى ربى لا أفارقه»، وكان لأحد الصالحين مسبحة تدور حباتها من تلقاء ذاتها، إن انشغل عن التسبيح بأمر من أمور الدنيا، فتذكره سبحته بالباقيات الصالحات فيعود مستغفرًا للذكر.



وقد عرف الإنسان السبحة منذ الحضارات القديمة، فهى تطور طبيعى من فكرة القلادة، وإن كان يصعب التحديد بدقة متى تحول استخدام القلادة كسبحة للأغراض الدينية، إلا أن الأرجح أن فكرتها بدأت فى بلاد الرافدين ثم انتقلت إلى بقية الحضارات الأخرى كالفرعونية والهندية والفارسية وغير ذلك.

وظلت مظهرًا من مظاهر كل الأديان، واستطاعت أن تسبح مع تيار الزمن فلم تندثر، ولم ينكرها أصحاب دين على أصحاب دين آخر، بل كانت لها حرمة وقداسة حتى فى جاهلية العرب.

يروى «قتادة»: كان الرجل فى الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السمر قلادة، فلا يتعرض له أحد بسوء.

وإن اتفق الجميع على رمزية السبحة، إلا أن عدد حباتها يختلف من دين لآخر.. تتكون بين المسلمين من تسع وتسعين حبة مع فاصلتين صغيرتين، حيث يكون فتتكون كل فاصل ثلاث وثلاثون حبة، وشاهد، أو من ثلاث وثلاثين حبة مع فاصلين، حيث يكون فى كل فاصل إحدى عشرة حبة وشاهد، وتأتى سبحة المسيحيين بثلاث وثلاثين عقدة، أو خرزة، دلالة على عمر السيد المسيح، حين صعد إلى السماء، وهناك السبحة الوردية التى تحوى خمسين عقدة.

وسبحة البوذيين مؤلفة من 108 خرزات، أما الهندوس فيستخدمونها بهيئات وأشكال معينة توافق صلواتهم، وخرزاتها من البذور، أوقطع العظام الصغيرة.

ومن المهم فى المسابح أن تكون حباتها ذات حجم مناسب يسهل معه تحريكها بأصابع اليد، وقد تختلف مادة صناعة السبحة فتصنع من التربة المجففة وتلون بألوان مختلفة منها الأسود أو الأزرق أو اللون البنى الترابى، أو تصنع على شكل حبيبات خزفية، ويصنع بعضها من الأحجار الكريمة مثل الياقوت، المرجان، اللؤلؤ، أو من الذهب والفضة والعاج، وقد تصنع من المواد البلاستيكية الرخيصة، وتصنع أحيانًا من الحبال، كتلك التى يحيكها بعض الرهبان والراهبات، وهى فى كل الأحوال طريق هداية.. وحتى رؤيتها فى الحلم خير، فهى فى المنام امرأة صالحة، أو معيشة حلال، أو عساكر نافعة لمن ملكها أو سبح بها.

ولأَن السبحة آلة الذكر، فهى أداة للتسبيح ويأتى اسمها من الفعل سبح أى نزه الله عن كل نقص وسوء، فلها، بذلك قدر عظيم، لذا يقوم الكثيرون وخاصة المتصوفين بارتدائها فى العنق تعظيمًا لها، وحكى عن الشعرانى أنه قال: «لقد وقعت رجلى مرة على السبحة فكدت أهلك من ذلك إكرامًا لها».

وقد أحضرت لى صديقة سبحة إلكترونية على هيئة خاتم، وبه زر للضغط عليه، وعداد يحسب عدد التسبيحات.. لكننى لم أحبه وقد تاه منى لعدم ملاءمته نفسيًا لى، والحقيقة أننى أحن إلى السبحة وأستند إليها، ولا يعنينى أن أعرف أو أسجل كم سبحت، يمنعنى الحياء أن أحصى على الله تسبيحاتى، وما أقلها، فيحصى علىّ ما اجترحت من ذنوب، وما أكثرها وأعظمها، ورغم أن البعض قد يحمل السبحة، وما له فى التسبيح من شىء، إلا أن المرء لا يستطيع أن يتأكد فى أى لحظة قد تتنزل الرحمات ويقبل الرب، فأين منى بسبحة تأبى أن تدور حباتها إن تحركت الأصابع وغفل القلب؟.