رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منى رجب تكتب: القصاص لمحمود بيومى


 فى خلال ٢٤ ساعة تحولت فرحة مصر باستقبال فريق منتخبنا إلى أرض الوطن بعد وصوله نهائى كأس إفريقيا إلى حزن يعم البيوت وغضب عارم يجتاح الرأى العام على خلفية مقتل الشاب محمود بيومى فى كافيه شهير بمصر الجديدة.. صحيح نحن شعب عاطفى.. ولكننا أيضًا شعب استشرت فيه مؤخراً ظاهرة البلطجة والفوضى والعنف.. مما يجعلنى أتوقف عند جريمة اغتيال هذا الشاب كى لا تتكرر مرة أخرى.. ولكى يتم القصاص له ولأسرته المحترمة.. فحسب ما نشر فى وسائل الإعلام فقد خرج «محمود» بصحبة خطيبته ومجموعة أخرى من أصدقائه إلى كافيه شهير ليشاهدوا فريق المنتخب فى مباراة نهائى الأمم الإفريقية.. وهو سلوك طبيعى لملايين الشباب والأسر التى كانت تتابع المباريات على الهواء بالمقاهى أو فى أماكن عامة.

إلى هنا وكان من الممكن أن تنتهى المباراة ويعود «محمود» مع خطيبته وإلى بيته سالماً وسط أسرته.. لكنه -للأسف الشديد- لم يعد.. بل قتل على يد مجموعة من المجرمين المنتشرين فى: شوارعنا ومقاهينا ومحطات الأتوبيس ومواقف السيارات والحوارى وتجمعات الميكروباصات.. بل فى كل مكان بمصر طالما أننا سمحنا لهم أن يفعلوا بنا ومعنا هذا الإجرام طالما أمنوا أن يفلتوا من العقاب.. وحتى لو تم عقابهم بعد مرور فترة زمنية طويلة من إجراءات التقاضى البطيئة والمحاكمات التى تستمر سنوات وسنوات إلى أن يتم إصدار الحكم.. فهذا الوضع أيضًا له تداعياته وخطورته على أمن واستقرار المجتمع.

قلبى مع والدة «محمود» التى ستظل تبكيه إلى آخر لحظة فى عمرها.. ومع كل من عرفوه وأحبوه.. ومع خطيبته التى كانت تبنى أحلامًا لحياة سعيدة مع شاب مصرى محترم أمامه مستقبل واعد.. قلبى مع كل من تم ترويعهم فى هذا الكافيه من الأسر والشباب الذين حرصوا على تشجيع منتخبنا القومى.. فعاقبهم البلطجية بغلق الأبواب وروعوهم جهاراً نهارًا ظنا منهم بأنهم الأقوى بالسلاح والتهديد.

لذا فإننا نطالب بالقصاص العادل لهذا الشاب وكل من تم الاعتداء عليه.. وفى رأيى أن القصاص لـ«محمود» لن يتحقق إلا باتخاذنا تدابير وإجراءات تؤكد أننا –حقا- دولة قانون.. نعم لابد من إجراءات توفر لنا الأمان فى الشوارع.. صحيح لقد تم القبض على صاحب المقهى ومرتكب الجريمة.. لكن هناك بلطجية آخرون شاركوا فى الاعتداء على «محمود» وروعوا رواد المقهى من الشباب والعائلات.. مثل هذه القضية تعكس عدداً آخر من الجرائم التى تقف خلفها أياد متعددة وليست يداً واحدة.. ولابد من محاسبة مثل هؤلاء الذين ضربوا بقوانين الدولة عرض الحائط.

وحتى نمنع تكرار مثل تلك الجرائم.. فلا بد من تغليظ العقوبة على كل من تورط وشارك وساعد على هذه الأفعال الإجرامية، وعلى كل من استباحوا الأرواح وروعوا الأسر والشباب فى هذا الكافيه وغيره.. فالقانون المصرى قد حدد عقوبات قاسية تصل إلى الإعدام والسجن المؤبد والمشدد لأعمال البلطجة واستخدام العنف.. لهذا أصبح حتمياً أن يتم توقيع أقصى العقوبات ضد كل من تسول له نفسه مخالفة القانون ليرتكب مثل هذه الجرائم الذى راح ضحيتها شاب برىء.

كما أن القصاص العادل لا يعنى أن يتم تكسير المقاهى وإغلاقها وتشريد آلاف العاملين بها.. وإنما يتم بمحاسبة ومواجهة الفساد المنتشر فى الأحياء.. وليتنا فى بداية هذه المواجهة نبحث عن مسئولى الأحياء الذين سمحوا بعمل هذه المقاهى دون ترخيص أو متابعة ما يحدث فيها.. والقصاص العادل يكون أيضا بالتصدى لكل أساليب البلطجة التى أصبحت سلوكاً ينتشر كالسرطان داخل مجتمعنا فى العديد من الأماكن العامة والخاصة على السواء.. والقصاص يكون بحملة تنفذ قانون العقوبات بالقبض على البلطجية الذين يروعون المواطنين فى الشوارع والحوارى ويشيعون الفوضى ويستخدمون العنف فى أى موقع.. والقصاص العادل لـ«محمود» أيضا يكون برفض عرض المسلسلات والأفلام التى تكرس للبلطجة والعنف والجريمة والدماء.. تلك الأعمال الدرامية التى تدمر القيم المصرية شيئًا فشيئًا.

إن تعظيم البلطجة فى الأفلام وإظهار المجرم على أنه بطل ورجل الشرطة على أنه فاسد.. وتقديم أعمال درامية تقدم امتلاك واستخدام السلاح على أنه وسيلة للقوة وفرض السطوة - ليست أعمالاً فنية ترقى بالمشاهد وبالعقول.. وإنما هى أداة لتدمير الأخلاق والقيم.. إن القصاص العادل لـ«محمود» يكون بإصلاح التعليم وتقديم القدوة للشباب.. فضلاً عن تعظيم قيم العمل والإنتاج والعلم والوطنية منذ عمر الطفولة.. إن القصاص لـ«محمود» يكون بتوعية الشباب بأن الجريمة لا تفيد وبأن العمل والكفاح هما الوسيلة المثلى للحياة الشريفة.. وأن الأخلاق الحميدة هى القوة.. وأن العنف مرفوض، ومصيره الوقوع تحت طائلة القانون.. إن القصاص العادل لـ«محمود» يعنى يد الدولة القوية لا المرتعشة.. وأن تعى الحكومة دورها فى حل مشاكل الشباب الضائع فاقد الوطنية قبل أن تتلقفه الأيادى الإرهابية.

لقد تساقطت دموعى بغزارة ولم تقف حتى الآن منذ علمت بوحشية جريمة مقهى مصر الجديدة.. فقد يكون الضحية غداً هو ابنى أو ابنتى أو ابن أى مواطن مصرى.. فمثل هذه الجرائم ترتكب ببجاحتها وسطوة المال والعنف واستباحة أرواح الآخرين .. ومن هنا أكرر مطالبتى –كما غيرى الملايين من المصريين-بضرورة تصدى أجهزه الدولة بكل قوة وحسم فى وجه المجرمين والبلطجية.. وألا تمر هذه الجريمة النكراء مرور الكرام حتى ننتصر لهيبة دولة القانون.. كما ينبغى أن يكون عقاب من ارتكبوها عبرة.. فالجناة كثيرون والبلطجية لايزالون يروعون المواطنين فى مواقع كثيرة.. إنها معركة مصر المصيرية للقضاء على هذه الظاهرة.. وليس أمامنا سوى أن ننتصر للقانون ولدولة القانون لأبنائنا ولأحفادنا.. نريدها دولة ذات يد قوية مستنيرة حديثة أكثر أمانا لنا جميعاً.