رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أسباب المغفرة «1-2»


أشتاق إلى المغفرة، وأتوب كثيرا من وعن ذنوب كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى. وأدعو كثيراً أن يتوب الله على المؤمنين من عباده وأن يهديهم جميعاً سواء السبيل. وهذه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم «اللهم اهدِ قومى فإنهم لا يعلمون» ولو شاء لقال كما قال سيدنا نوح عليه السلام «رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ». ولكنه صلى الله عليه وسلم أرحم بأمته من الجميع، لا تفوق رحمته فى هذا إلا رحمة الخالق وهو الرحمن الرحيم.

انظر أيها القارئ هذا الحديث القدسى، فهل يقنط أحد من رحمة الله تعالى بعد هذا « أنس بن مالك رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: «يا ابن آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِى وَرَجَوتَنِى غَفَرتُ لَكَ عَلى مَا كَانَ مِنكَ وَلاَ أُبَالِى. يَا ابنَ آدَمَ لَو بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّماءِ ثُمَّ استَغفَرتَنِى غَفَرتُ لَكَ. يَا ابنَ آدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيتَنِى بِقُرَابِ الأَرضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لا تُشرِكُ بِى شَيئاً لأَتَيتُكَ بقُرَابِها مَغفِرَةً». رواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح. فقط المطلوب أيها القارئ ألا تشرك بالله شيئاً فهو سبحانه القائل «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِى ؛ فَإِنْ ذَكَرَنِى فِى نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِى، وَإِنْ ذَكَرَنِى فِى مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِى مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِى يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».وقد خرَّج مسلم فى صحيحه من حديث معزوز بن سويد عن أبى ذر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: «مَن تَقَرَّبَ مِنّى شِبراً تقرَّبتُ منهُ ذِرَاعاً، وَمن تَقَرَّبَ مِنّى ذِرَاعاً تَقَرَّبتُ مِنهُ بَاعاً، وَمَن أَتَانِى يمشِى أَتَيتُهُ هَروَلةً، وَمَن لقِيِنى بِقرابِ الأَرضِ خَطِيَئةً لاَ يُشرِكُ بِى شَيئاً لَقِيتُهً بِقُرَاِبهَا مَغفِرَةً».

وخرَّج الإمام أحمد من رواية أخشن السدوسى قال: «دخلت على أنس فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والذى نفسى بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم».

ومن أهم أسباب المغفرة : الدعاء مع الرجاء، فإن الدعاء مأمور به وموعود عليه بالإجابة، كما قال تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُونِى أَستَجِب لَكُم». سورة غافر «وفى السنن الأربعة عن النعمان بن بشير عن النبى صلى الله عليه وسلم إنه قال: «إن الدعاء هو العبادة». وفى حديث آخر خرجه الطبرانى مرفوعا: من أعطى الدعاء أعطى الإجابة، لأن الله تعالى يقول: «أُدعُونِى أَستَجِب لَكُم»، وفى حديث آخر: «ما كان الله ليفتح على عبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة». وللدعاء شرائط من أهمها حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى، وحسن الظن به.

كما جاء فى الترمذى من حديث أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة، وإن الله تعالى لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه».

وفى المسند عن عبدالله بن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه القلوب أوعية فبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاء من ظهر قلب غافل». ولهذا نهى الإسلام العبد أن يقول فى دعائه: «اللهم اغفر لى إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له». كما نهى الاسلام أن يستعجل العبد ويترك الدعاء لاستبطاء الإجابة، وجعل الإسلام ذلك من موانع الإجابة حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دعائه.

وجاء فى الآثار «إن العبد إذا دعا ربه وهو يحبه قال يا جبريل لا تعجل بقضاء حاجة عبدى فإنى أحب أن اسمع صوته». ما أجملك يارب، وما أرحمك يارب، تحب أن تسمع صوت عبدك وهو يدعوك وهو غارق فى الذنوب يرجو المغفرة!!. قال تعالى: «وَادعُوهُ خَوفَاً وَطَمَعَاً إِنَّ رَحمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ اٌلمُحسِنِينَ». سورة الأعراف: فما دام العبد يلح فى الدعاء، ويطمع فى الإجابة غير قاطع الرجاء فهو قريب من الإجابة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له كما يقولون.

وفى صحيح الحاكم عن أنس مرفوعا: «لا تعجزوا عن الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد». وعلى العبد أن يسأل ربه مغفرة ذنوبه، وما يستلزم ذلك كالنجاة من النار ودخوله الجنة.

ومن رحمة الله تعالى بعبده، أن يدعوه العبد بحاجة من الدنيا فيصرفها عنه ويعوضه خيراً منها: إما أن يصرف عنه بذلك سوءاً، أو يدخرها له فى الآخرة، أو يغفر له بها ذنباً. كما جاء فى المسند والترمذى من حديث جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد يدعو بدعاء إلا أتاه الله ما سأل أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم». وفى المسند وصحيح الحاكم عن أبى سعيد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس له فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: - إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له فى الآخرة، وإما أن يكشف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر؟ قال: الله أكثر». ويروى من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر مرفوعا: «يأتى الله بالمؤمن يوم القيامة فيقربه حتى يجعله فى حجابه من جميع الخلق فيقول: لم أقرأ، فيعرفه ذنباً ذنباً أتعرف؟ أتعرف؟ فيقول: نعم نعم، ثم يلتفت العبد يمنة ويسرة. فيقول الله تعالى: «لا بأس عليك يا عبدى أنت فى سترى من جميع خلقى، ليس بينى وبينك أحد يطلع على ذنوبك غيرى، غفرتها لك بحرف واحد من جميع ما أتيتنى به». ما أرحمك يا ربى، وما أكرمك يا ربى، وما أجمل سترك على عبادك المذنبين. وللحديث صلة وبالله التوفيق.