رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نســـــاء.. على عرش المحروســـة


«كليوباترا السابعة» ملكة مصر، الشهيرة فى التاريخ والأعمال الدرامية فى السينما العالمية كزوجة لـ «يوليوس قيصر»، وأصبحت ملكة عند وفاة والدها بطليموس الثانى عشر، وأبلت بلاءً حسنًا فى الدفاع عن أرض مصر فى معركة «أكتيوم» البحرية.

ونحن فى مطلع هذا القرن، قرن التقدم العلمى الهائل والانفجار التكنولوجى المُبهر، ومع اقتحام الكواكب والمجرات الهائمة فى الفضاء، أحيل النظر حولى فى واقع مصرنا المحروسة، فيرتد بصرى حسرة وألمًا على التقهقر الذى أصابنا فى مجالات عدة، كانت لنا فيها الريادة منذ فجر التاريخ. ولكنى فى ظل الاحتفالات بعيد المرأة العالمى وقع اختيارى على استعراض دور مصر التى توّجت نساءها ملكات على عرشها منذ فجر التاريخ؛ وأفرز المجتمع ـ على مر الأحقاب العديد من السيدات اللاتى يُعددن نقاطًا مضيئة، ودلالة مؤكدة على نجاحاتها فى جميع المجالات؛ وأجدنى مدفوعة إلى عقد المقارنة اللازمة بين المرأة المصرية فى الماضى والحاضر، هذا الحاضر الذى تخلت فيه طواعية عن أبسط حقوقها التى نالتها بفضل صراع الأجيال السابقة منهن على انتزاع تلك الحقوق، والعودة بها إلى نقطة الصفر، لتتوارى خلف كل السواتر التى تحجبها عن المشاركة الإيجابية فى المجتمع، بل والخنوع لما تفرضه عليها الأفكار الذكورية؛ والتى ينطبق عليه قول الشاعر «نزار قبانى» بأننا فى شرقنا العربى: لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية!

وتعالوا بنا نستعرض ماذا كانت عليه المرأة المصرية من مكانة رفيعة فى العصر الفرعوني؛ وفيه جلست بكل العظمة والإجلال على عرش الحكم؛ متوشحة ثوب القداسة والتمجيد. وأسوق إليكم بعض القطوف التاريخية فى انتقاءات خاطفة ولكنها دالة: «الملكة ميريت نيت» التى تعد أول ملكة فى تاريخ العالم اعتلت عرش البلاد، والذى أكد توليها الحكم؛ لوحة عثر عليها فى إحدى مقابر أبيدوس نقِش عليها اسمها؛ كما جاء ذكرها فى حجر «بالرمو» الخاص بأسماء الملوك الذين حكموا مصر، وذكرت فى المصادر التاريخية أنها ارتقت العرش وحكمت حكمًا منفردًا، وهذه مزيّة تميزت بها عن سائر ملكات التاريخ. «الملكة نفرتيتى» والتى يعنى اسمها «الجميلة أتت» هى زوجة الملك «أخناتون» فرعون الأسرة الثامنة عشرة. وكانت تعد من أقوى النساء فى مصر القديمة؛ وعاشت فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد،كانت نفرتيتى تساند زوجها أثناء الإصلاحات الدينية والاجتماعية، ثم انتقلت معه إلى تل العمارنة. وظهرت معه أثناء الاحتفالات والطقوس، حتى فى المناظر التقليدية للحملات العسكرية والتى صورت فيها وهى تقوم بقيادة الجنود للقضاء على الأعداء.

«الملكة حتشبسوت» وتعنى: أبرز النبيلات، كانت الفرعون الخامس من عصر الأسرة الثامنة عشرة فى مصر القديمة؛ تميز عهدها بقوة الجيش ونشاط البناء والرحلات البحرية العظيمة التى أرسلتها للتجارة مع بلاد الجوار؛ وكان لها الفضل فى تنشيط حركة التجارة التى كانت فى حالة سيئة فى الحقبة التى سبقت اعتلاءها العرش. وإذا جاءت تلميحات المؤرخين لتشير إلى وجود حالة حب قد جمعت الاثنين «سينموت» و «حتشبسوت» ؛ فإنهما أيضاً قد شاركا فى «حياة أسطورية»، وبقيت آثارها المعمارية خالدة تشهد على مكانة وعظمة دور المرأة فى هذا العصرالسحيق.

«كليوباترا السابعة» ملكة مصر، الشهيرة فى التاريخ والأعمال الدرامية فى السينما العالمية كزوجة لـ «يوليوس قيصر»، وأصبحت ملكة عند وفاة والدها بطليموس الثانى عشر، وأبلت بلاءً حسنًا فى الدفاع عن أرض مصر فى معركة «أكتيوم» البحرية، ولكن قواتها مع قوات «ماركوس أنطونيوس» انكسرت فى المعركة نتيجة هياج البحر وانسحابها،ولم تحتمل تلك الهزيمة القاسية فانتحرت، وهى القصة التى ذكرها المؤرخون عن انتحارها بواسطة «سم الكوبرا»؛ حتى لاتسقط أسيرة فى يد أعداء الوطن، وقال شاعرنا أحمد شوقى على لسانها فى مسرحية: مصرع كليوباترا:

سطت روما على ملكى ولصَّت /جواهر أسرتى وحلى آلى.. فرُمت الموت لم أجبن ولكن /لعل جلاله يحمى جلالى.. فلا تمشى على تاجى ولكن /على جسد ببطن الأرض بالى!

«الملكة إياح حتب الأولى» هى ابنة «الملك تاعا الأول» والملكة «تتى شرى» وزوجة الملك سقنن رع وأخته، ويعتقد أنها قد شاركت بالفعل وقادت حملات لقتال الهكسوس ولذلك وجد بتابوتها أوسمة ونياشين عسكرية مثل وسام الذبابة الذهبية والتى تمنح لتقديم خدمات عسكرية استثنائية والفأس الذهبية، إياح حتب، أو «إياحة» بالعامية القديمة، معناه «قمر الزمان» باللغة العربية، وهى الملكة الفرعونية التى لا يعلم عنها الكثيرون، ولم تحظ بالقدر المناسب من الاحتفاء و التقدير على دورها التاريخى فى حماية مصر والدفاع عنها؛ برغم تغنينا باسمها كل عام فى مطلع شهر رمضان: «وحوى يا وحوى إياحة».

هذه هى المرأة المصرية الحقيقية؛ كما رأيتها بعين الصدق عبر التاريخ لتلك الحقبة الفرعونية العظيمة؛ التى وضعت بذور شجرة الحضارة فى جذور التربة المصرية التى ارتوت بماء «حابى» الذى وهب لها ووهبت له الحياة. فلم نتقاعس إذن ـ فى عصرنا الحاضر ـ عن أن نتخذ منهن المثل والقدوة ؛ ولم لا نحذو حذوهن فى التقدم إلى رأس الصفوف، فلا نستسلم للخنوع لنكون ضيوفًا على مائدة الرجال بعد هذا التاريخ المشرف والذى أشرقت فيه شمس المرأة فى سماء المحروسة قيادة وجمالاً وسطوة وعطاء غير منكور أنصفها فيه التاريخ خلوداً وتعظيماً والتاريخ فى انتظار أن يخط أسماء جديدة تنضاف إلى هؤلاء المجيدات..أما آن الأوان لاستكمال مشوارهن يا نساء محروستنا النابهات خيرا إن فعلتن..عظيم؟!

 أستاذ العلوم اللغوية ـ أكاديمية الفنون