رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيـرات الدولية ..والإقليمية وتأثيرها على المنطقة


صـرح المتحدث الرسمى للقوات المسلحة السعـوديـة بأن السعـوديـة أصبحت على استعـداد كامل للتـدخـل البـرى فى سوريـا لقتال التنظيم الإرهابى «داعش»، وإزاحة رأس النظام الحاكم فى سوريا، وأنه تم إعداد وتدريب أكثر من 150 ألف جندى أغـلبهم من السعـوديـيـن، بالاشتراك مع تركيا والإمارات والكويت والبحرين وقطر

 وقـد تم تشكيل قيادة لهذه القوات، وأنها ستـدخل سوريا من الحدود التركية لتحقيق هذا الهدف، وفى هذا السياق قام ولى ولى العهـد وزير الدفاع السعـودى بالمشاركة فى إجتماعات حلف الناتو التى انعـقـدت فى بروكسل 10 فبراير الجارى لبحث الأسلوب الأمثل للقضاء على ميليشيات «داعش» فى سوريـا.

ويُشير الواقع إلى أن هذا التصريح يُعـتبـر المتغـيـر الإقـليمى الأبرز والأهم على الساحتيـن الدولية والإقليمية، إذ يُمثـل تـفعـيـلاً للحلف الإسلامى السنى الذى دعت إليه الولايات المتحدة، وهو ما سيجعـل المنطقة عُرضة لمزيـد من التدخلات من القوى الكبرى والعـظمى «روسيا، الولايات المتحدة، الغـرب، الصين»، ويُعظَم أدوار القوى الإقليمية غـيـر العربية ويكرس للنفوذ فى المنطقة، خاصة الدور الإيرانى والتركى، الأمر الذى سيؤدى أولاً إلى مزيـد من بناء التحالفات والتحالفات المضادة، ويُؤدى ثانياً إلى هدم توازنات قائمة وبناء توازنات وتوازنات مضادة جديـدة فى المنطقة، ويبرر ثالثاً تصعـيـد استفزاز تركيا لروسيا، ويشير رابعـاً إلى تصاعـد علاقات الفعـل ورد الفعـل بيـن السعـوديـة وإيران المتـوتـرة أصلاً إلى حدودها القصوى، ويجـر المنطقة خامسا إلى سباق تسلح مدمر وغـيـر مسبوق وهو الأشد خطراً والأعظم أثراً على الأمن الإقليمى للشرق الأوسط، حيث تقود سباقات التسلح غـالباً إلى تأجيج الحروب التى تستمر غـالباً لمدى زمنى طويل خاصة فى منطقة ملتهبة مثل المنطقة العربية «المكون الرئيسى للنسق الإقـليمى للشرق الأوسط».

وقبل أن أتناول تأثير هذا المتغـيـر المبنى على تدخلات القوى المختلفة على المعادلتين الدولية والإقليمية، فإنه يتعيـن وضع مفهوم محدد لمصطلح التدخل، فبالرغم من أنه يُعـتبـر مصطلحاً بسيطاً فى أدبيات علوم اللغة، إلا أنه يبـدو غـيـر ذلك فى أدبيات العـلـوم السياسية والاستراتيجية، حيث يُعـتبـر مصطلحاً مركباً، يتـركب من تفوق المقـدرات السياسيـة، والاقتصادية والعسكرية والاجتماعـية «التفوق فى جميع عـناصرالقـوة الشاملة» بما فى ذلك تأجج الإرادة الحاسمة والمصداقية الكاملة على قدرة الاستخدام الفعلى، أو التهديـد باستخدام جزء من أو جميع هذه العناصـر، بما يُجبـر الطرف الآخر على الاستجابة لمطالب وأهداف هذا التدخل، وبما يضمن للقوة القائمة بالتدخل بقيادة تفاعلات المتغيرات التى قد تنشأ طوال فترة التـدخـل، مع الوضع فى الاعـتبار أن أنماط وتأثير التدخل تختلف بين القوى المختلفة تبعاً لمتغـيـرالقـوة، ووفقا لعـامليـن رئيسيين، الأول هو درجة تركيـز أو تشتت عـناصر القوة، والثانى هـو طبيعة وحدود ومصداقية استخدام هذه العناصـر أو جزء منها، فالعنصر الأقل قوة والأكثر تصديقاً فى استخدامه، يُعـد أكثـر تأثيراً من العنصر الأكبر قوة والأقل تصديقا فى استخدامه.

واتساقـا مع هـذا المفهوم، ومع تصريحات المملكة العـربية السعـوديـة الأخيـرة، ومع ما يتم على أرض الواقع من تحركات، بقيام تركيا بالسماح للمملكة السعـودية بتمركز طائراتها المقاتلة فى قاعدة «إنجرليك» التركية القريبة جداً من الحدود السوريـة، وهو ما يجعـل السعوديـة تتمتع بما يتمتع به حلف الناتو، وبعـد إعـلان السعـوديـة مؤخراً أنها ستدخل سوريـا للتخلص من «الديكتاتور السورى» صراحة، وإعلان تركيا رفضها التام لقيام وتأسيس الكيان الكردى على حدودها الجنوبية، متجاهلة أوامر سادتها الأمريكيين بسحب قواتها مع العراق، ووقف ضرباتها الجـويـة المركزة ضد الأكراد، وبعـد فشل مؤتمـرات جنيف الأول والثانى والثالث على التوالى، نتيجة لضعـف المنظمات الدولية المعـنية بصيانة وحفظ السلام والأمن العالميين، وعدم قـدرة هذه المنظمات على وضع إطار أممى لحل سياسى للأزمة السورية المتفاقمة، وغـياب الإرادة الدولية والإقليمية لحل هذه الأزمة لوجود التناقض الكبيـر بين أطراف المعادلة الدولية والمعادلة الإقليمية فى منطقة الشرق الأوسط، والتى تبدو واضحة من تصريحات لافروف وزيـر خارجية روسيا على التصريح برد حاسم حاد بقوله «يُخطىء من يتوهم أن رحيل الأسد سيأتى بنتيجة إيجابية واحدة، وأن أى تدخل برى فى سوريا من أى قوة أو دولة ربما يؤدى بالضرورة إلى قيام حرب عالمية جديـدة»، كما يتناقض مع خطاب الرئيس بوتين أمام البرلمان الروسى الذى تضمن الآتى «واهم من يتصور أن رد روسيا على تركيا سيكون مقصوراً على العـقوبات الاقتصادية، فنحن عازمون على أن نجعـلهم يندمون على فعـلتهم التى ارتكبوها»، فما السلوك المتوقع من القوى العالمية والإقليمية إزاء التفاعلات التى قد تنشأ من هذه التصريحات؟ هذا ما سأتناوله الأسبوع المقبل بإذن الله.