رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغيرات الدولية والإقليمية.. وتأثيرها


تناولت تأثير المتغـيرات الدولية والإقليمية على أطراف المعادلتين الدولية والإقليمية، خاصة على العالم العربى باعـتباره المكون الرئيسى للنسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط، حيث برزت مدى الحاجة الاستراتيجية الملحة لبناء استراتيجية عـربية موحدة قادرة على مواجهة التحديات والتهديدات التى تُحيق بالمنطقة العربية، ثم تناولت المحددات التى تقف حائلاً دون بنائها، وفى المقال السابق تناولت المرتكزات التى يُمكن الارتكاز عليها لبناء الاستراتيجية المقترحة، وبدأت بالمرتكزات الأمنية والسياسية والعسكرية، نظراً للظروف الراهنة، مبتدئاً بالموقع الجيوستراتيجى للمنطقة العربية باعتباره الأبرز الذى يُمكن البناء عليه، وأتناول اليوم المرتكزات الاقتصادية.

ويُشير الواقع إلى أن المنطقة العربية تتميز بأهميتها الاقتصادية الكبيرة، حيث خبأت لها الطبيعة ثروات معـدنية فى أراضيها «بترول،غاز طبيعى، فوسفات،ماغنسيوم،يورانيوم....إلخ» بكميات ضخمة تفيض عن حاجتها وتسمح بتصديرها بالمعـدلات الكافية للنمو الصناعى العالمى، إلى الحد الذى يسمح بتحقيق الرفاهية الصناعية لبعض القوى العـظمى والكبرى «الولايات المتحدة والغرب واليابان»، خاصة خام النفط الذى يُمثل حوالى 28% من واردات الولايات المتحدة، 32% من احتياجات ألمانيا، 45% من احتياجات المملكة المتحدة، 76% لليابان، 79% لفرنسا، وبذلك يلعـب خام النفط دوراً رئيسياً فى تعـظيم الأهمية الاقتصادية للمنطقة العربية، حيث يُقدر إنتاجها فى الوقت الراهن بحوالى مليار طن مترى/ سنة، من المنتظر أن تزيد إلى 1٫2مليار طن مترى لتغـطية الاحتياجات الأساسية للتكتلات العملاقة فى شرق آسيا خاصة الصين وتكتل الآسيان واليابان، إذ تُشير المؤشرات العالمية إلى أن استهلاك العالم من هذا الخام فى تزايد مستمر، إذكان يُقُدَر بحوالى 3 مليار طن مترى / سنة بمعدل إنتاج 60 مليون برميل / يوم فى ثمانينيات القرن الماضى، ارتفع إلى 85 مليون برميل / يوم عام 2005 بإجمالى4٫2 مليار طن مترى/ سنة، وزاد إلى 95 مليون برميل / يوم بإجمالى 4٫8 مليار طن مترى/ سنة بداية من 2010.

ومما تقدم يُمكن ملاحظة أن إنتاج المنطقة العربية من هذا الخام قد تراجع بالنسبة لحجم الإنتاج العالمى، فبينما كان إنتاج المنطقة يُقدَر فى بداية ثمانينيات القرن الماضى بحوالى 33% من الإنتاج العالمى، إلا أنه قد تراجع ليُصبح حوالى 25% فقط من الإنتاج العالمى، ويرجع هذا التراجع الآنى إلى اكتشاف أكبر خزان عملاق فى العالم حتى الآن فى أراضى الولايات المتحدة، يحتوى على مخزون هائل من زيت البترول والغاز الطبيعى، هذا المخزون يمكنه أن يُوفر لها الاكتفاء الذاتى، بل إنتاج المعـدلات اللازمة لتحقيق الرفاهية الصناعـية لمجتمعـاتها، وربما يجعـلها إحدى أكبر الدول تصديراً لهذا الخام فى المستقبل القريب، إذ تُنتج حالياً حوالى 9 ملايين برميل / يوم مساوية لما تُنتجه السعـوديـة تقريباً، أما السبب الثانى للتراجع، فيعـود إلى الأزمة المالية العالمية التى ضربت الولايات المتحدة فى مطلع عام 2000 والتى أثرت كثيراً فى اقتصادات منظومة الدول الصناعية العظمى والكبرى، فأحدثت انكماشاً اقتصادياً هائلاً فى دول النسق الدولىالأخرى، نتج عـنه كساد اقتصادى مازالت تعانى منه دول العالم حتى الآن، فضلاً عن الأزمة التى افتعـلتها الولايات المتحدة لتخفيض أسعار النفط لإحكام الحصار الاقتصادى على روسيا حتى تثنيها عن سعيها الحثيث لاستعادة نفوذ القوة السوفييتية العظمى، فأثرت هذه الأزمة أيضاً على الدول المنتجة لهذا الخام.

ومن الطبيعى أن تحتل الولايات المتحدة قـمة النظام الاقتصادى العالمى طالما أنها تتربع على قمة بنيان النظام الدولى الراهن لتلعـب الـدور الأعـظـم فى تفاعـلات هيكله الاقتصادى، ومن الطـبـيعى أن تأتى بعـدها الـقـوى الصناعـية الكبرى الرئيسية «مجموعة الاتحاد الأوروبى وكندا واليابـان» وتهـيمن هذه المنظـومة على الاقتصاد العالمى، ويمكن وضع المؤشرات الاقتصادية لعام2000 وهو العام الذى بدأت فيه الأزمة المالية موضع التحليل للتدليل على مدى هيمنة هذه المنظومة على الاقتصاد العالمى، إذ تشيـر إلى أن الناتج المحلى العالمى الإجمالى بلغ 31 تريلـيـون دولار، كان نصيـب الولايـات المتـحـدة وحدها 32%، ونصيـب الاتحاد الأوروبى 25% واليابان 16%، أى أن إجمالى أنصبة هذه المنظومة بلغ 73% وباقى دول العالم 27% فقط، الأمر الذى يُبرز مدى الخلل الناتج عن هذه الهـيمنة على الاقتصاد العالمى.

وبالرغم من ذلك فقد شاء القدر أن يُخبىء فى بطن أراضى المنطقة العـربية وتحت مياهها العـميقة 55% من الاحتياطى المؤكد الذى تم اكتشافه من هذا الخام حتى الآن ويُقدَر بحوالى 130 مليار طن مترى، أما إجمالى المخزون الكلى ويُقدر بحوالى 350 مليار طن مترى، وهو ما سيُعـظم أهمية المنطقة فى المستقبل القريب مع تزايد احتياجات قطاع النقل والمواصلات العالمى.. ونستكمل الأسبوع المقبل بإذن الله بقية المرتكزات الاقتصادية والاجتماعـية.