رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتباه... النيل يرتدى الكاكى !


النيل هو الوطن.. الاعتداء عليه هو اعتداء على الوطن نفسه.. إنه يمثل الأمن القومى كله.. لا يمكن التهاون فى قطرة واحدة من مياه هذا النهر العظيم.. قال الفلاسفة فى الماضى البعيد «إن مصر هبة النيل».. أى أن وجود الوطن نفسه يأتى عبر سيران النهر..

منذ سنوات كان هناك جفاف شديد حول الدول المحيطة بمنابع النيل وقد تسبب هذا الجفاف فى إبادة ملايين من البشر بسبب العطش.. حيث كانوا عند المنابع.. نحن وطن المصب، حيث نهاية النهر لم نشعر بالجفاف.. عاش المصريون فى أمن وأمان.. حتى الحيوانات لم تتعرض للنفوق.. والزراعة لم تتعرض لأى انتكاسة!! كان السد العالى ومخزون المياه من خلفه يحمينا من الجفاف.. وقد سبق جفاف المنابع.. إن حدث فيضان هائل أغرق الكثير من الدول والضحايا ملايين من البشر.. لكن السد العالى منع إغراق البلاد خاصة جنوب الوطن..

استغلت إسرائيل جميع الأوضاع السياسية والوطنية التى مرت بالوطن كله.. وغياب مصر فى ظل نظام مبارك عن أفريقيا عامة ودول منابع النيل خاصة.. تسللت إسرائيل إلى المنابع تقدم الخدمات والمعونات وتحمل أنظمة من غضب الشعوب.. اجتمعت كل قوى الشر عند محابس النهر العظيم، حيث تتساقط المياه.. كان حلم إسرائيل منذ عقود طويلة تسعى جاهدة إلى «شرب مياهالنيل».. بل تم إقامة «ترعة السلام» بتمويل غربى كى تمر مياه النهر العظيم تحت قناة السويس وتعبر إلى سيناء ثم إلى تل أبيب.. تم بالفعل تحقيق أغلبية ما كانت تخطط له إسرائيل.. نعم عبرت مياه النيل قناة السويس من ترعة السلام.. تذكروا جيداً اسم الترعة.. وأيضا تذكروا اسم كبرى السلام.. إن كل ما يتعلق بالسلام كان بمعونات أمريكية اشترطت هذه المعونات اسم « السلام».. وهو تحقيق للهدف الأكبر وهو أن يصل النهر العظيم إلى تل أبيب.. لكن النهر رفض بكبرياء أن يستمر فى المسير!!

تحت اسم سد «النهضة» استولت إسرائيل بنفسها دون وساطة على محابس المياه تحت المنابع كى تشترط علينا حسب المثل الشعبى «سيب وأنا أسيب».. أى اتركوا النيل يعبر إلى تل أبيب وسنسمح لكم بجانب من المياه حتى تستمر فى الحياة! لقد قامت الدولة المصرية بكل ما تملك فى معاونة إثيوبيا وتقديم جميع المعونات لها.. لكن بلا فائدة!! بل قامت القوات المسلحة المصرية بحماية الرعايا الإثيوبيين الذين كانوا رهائن لدى المتطرفين فى ليبيا وأنقذتهم من الذبح.. بل وأعادتهم إلى إثيوبيا.. كل هذا أيضاً لم يجعل الحكومة الإثيوبية تتقارب معنا.. بل أصبحت أشد عناداً فيما كان من قبل.. ترفض أى اقتراحات.. وتسير وفق المخطط الذى وضعته إسرائيل.. إن خفض حصة مصر من مياه النيل يتعارض مع الاتفاقيات التاريخية الموقعة من جميع الدول.. بل يتعارض أيضاً مع القانون الدولى الذى ينص على حماية حقوق الدول التى تمر بها الأنهار المشتركة.. إن حجز أكثر من 25% من مياه النيل خلف سد «النهضة» يعنى توجيه ضربة عنيفة إلى الوطن والشعب المصرى كله.. حيث ستتعرض البلاد لخطر الجفاف والعطش.. وهذا هو الخطر بعينه.. بل ستتوقف توربينات السد العالى وسنفقد نسبة كبيرة من الكهرباء تغذى المصانع والمزارع والمدن.. هل هناك خطر يهدد الأمن القومى بالبلاد أكثر من خطر منع المياه.. أى منع الحياة وتعريض حياة شعبنا للموت عطشاً!!

إننا ندفع الآن ثمن تراخى وإهمال نظام مبارك الذى تسبب فيما نحن فيه الآن.. لقد استغل مبارك نفسه حادث الاغتيال على الأرض الإثيوبية وقطع جميع العلاقات حتى الإنسانية معها مما حفز إسرائيل إلى القفز تحت منابع النيل!! حتى «الجاسوس» الذى كان يسمى نفسه «الرئيس _ مرسى» حيث أذاع على الهواء اجتماعاً مع حفنة من النصابين والإرهابيين وأعلن هذا المختل عقلياً.. «إنه سيقوم بشراء طائرات لتمويل الطائرات العسكرية فى الجو للهجوم على سد النهضة» هذا الرجل تسبب فى تعميق النزاع وحول الحوار إلى حرب خيالية لم يفكر فيها أحد سوى عقله المريض. إن شعبنا العظيم يدفع الآن الثمن غالياً من حكام مارسوا علينا الحكم بالقوة والبطش وإسالة الدماء.. إن النهر العظيم أصبح يشعر بالخطر الجسيم بل إن النهر غضب مما يشعر به.. لقد وقف النيل الأن يعلن المقاومة ويرفض الهزيمة ويراعى علاقة استمرت ملايين السنين مع شعب الوادى.. الان يرتدى النيل الزى الكاكى ليدافع عن نفسه وعن شعب ارتوى بمياهه.. إن الدولة المصرية ورئيسها الذى أعاد الوطن المخطوف إلى أصحابه المصريين عليه الآن أن يتحمل أكثر مما تحمل ليحمى حقوق النهر مهما كان الثمن.. النيل يمثل لنا الحياة ولا يمكن أن نفرط فى حياتنا مهما كانت بشاعة المخططات الأجنبية.