رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيرات الـدولية والإقليمية.. وتأثيرها على المنظور الأمريكى «26»


لقد استشعـرت تركيا حرج موقفها عـندما تعـمدت الولايات المتحدة تعـظيم الدور الإيرانى على حساب دورها، فأجرت تحولاً حاداً فى موقفها الاستراتيجى، خاصة بعـدما وجه الجنرال ديمبسى- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية- لها إنذاراً شديد الحساسية والتعـقـيـد، مفاده أن الحرب ضد داعش «القابع على حدودها مع سوريا» قد تستمر من 10إلى20 سنة، وهو ما يعـنى ببساطة بالغة أنها لن تنعم بالاستقرار الأمنى والسياسى طوال هذه المدة الزمنية الطويلة.

أوضحت بعض الشكوك المتبادلة بين الولايات المتحدة وتركيا فى المقال السابق، وذكرت أن الولايات المتحدة لن تنسى لتركيا أسباب عدم اشتراكها فى التحالف الدولى بقواتها البرية للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ولن تنسى تركيا للولايات المتحدة إصرارها على إقامة الدولة الكردية على حدودها الجنوبية الشرقية، حيث ستُشكل خطراً داهماً على أمنها القومى، وسأتناول اليوم تشكك تركيا فى نوايا الولايات المتحدة فى تعـظيم دور إيران على حساب دورها، خاصة بعـد الاتفاق التاريخى لقضية إيران النووية.

والواقع فإن معـظم القوى الفاعلة فى النسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط خاصة «مصر والسعـودية وإسرائيل وتركيا» تعـتبر أن إيـران هى الرابح الأكبر بل والوحيد من هذا الاتفاق، فقـد اكتسبت إيران سياسيا اعـترافاً صريحاً من القوى العـظمى والكبرى بأنها أصبحت قوة نووية، وهو ما يتسق مع ما أعـلنه الرئيس الإيرانى السابق «نجاد» فى خطابه الذى وجهه إلى العالم أثناء حضوره المؤتمر الإسلامى بالقاهـرة، عـندما أعـلن «أنـه يتعـيـن عـلى الجميع أن يتعامل مع إيـران من الآن فصاعـدا عـلى أنها قـوة نـوويـة»، حيث سمح لها هذا الاتفاق الدخول إلى الأسواق العالمية باعـتبارها منتجة للطاقة النووية والنفطية وهو ما سيُشكل إضافة اقتصادية هائلة لإجمالى ناتجها القومى، ويمكَنها من إقامة أنماط جديدة من العلاقات الدولية التى تسهم فى تعـظيم مكانتها الإقليمية ووزنها الدولى، كما نجحت اقتصادياً فى رفع العـقوبات الاقتصادية التى أثقلت كاهلها، واسترداد الودائع المالية المحتجزة وعـوائـدها «أكثر من 150 مليار دولار» وهو ما سيمكنها من استعادة توازنها الاقتصادى المفقود، وقـد نجحت عسكرياً فى الإبقاء على البنية الأساسية لجميع منشآتها النووية، سواء العاملة فى تخصيب اليورانيوم، أو المنتجة للماء الثقيل -«مفاعل آراك» الأمر الذى سيُزيـد من قدراتها على اسمتلاك الرادع النووى مستقبلا، كما نجحت فى الإبقاء أيضاً على قاعـدة صناعاتها الحربية الثقيلة، حيث سمح لها الاتفاق بإنتاج جميع أنواع الصواريخ البالستية، بما فى ذلك الصواريخ بعـيدة المدى، لكنه لم يسمح لها بإنتاج الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية.

وترى هذه القوى أن تهديدات هذا الاتفاق التاريخى تكمن فى أنه سيعـظم قدرات إيران بما يٌؤدى إلى إختلال التوازن الاستراتيجى أولاً، وجر المنطقة إلى سباق تسلح نووى مدمر ثانياً، ويؤدى إلى تحقيق حلمها الدائم لإحياء الإمبراطورية الفارسية تحت الراية الشيعـية وهو الأهم ثالثاً، كما سيُشكل بُعـداً ضاغطاً أشد خطراً وأعـمق أثراً على الأمن الإقليمى فى المنطقة، خاصة على الأمن القومى التركى والإسرائيلى والأمن الجماعى العـربى، إذ سيعـزز هذا الاتفاق الدور الإيرانى ويكرس لتدخله الطاغى فى شئون النسق الإقليمى، وهو الدور المهـدد لوجود إسرائيل، المنافس للدورالتركى، المؤيـد لبقاء الأسد فى سوريا، المعـوق للاستقرار السياسى فى لبنان، والمسيطر على العـراق، والمثير لقلق السعـودية فى اليمن، الداعم للبيئة الحاضنة للجماعات الإرهابية ضد مصر.

وقد استشعـرت تركيا حرج موقفها عـندما تعـمدت الولايات المتحدة تعـظيم الدور الإيرانى على حساب دورها، فأجرت تحولاً حاداً فى موقفها الاستراتيجى، خاصة بعـدما وجه الجنرال ديمبسى- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية- لها إنذاراً شديد الحساسية والتعـقـيـد، مفاده أن الحرب ضد داعش «القابع على حدودها مع سوريا» قد تستمر من 10إلى20 سنة، وهو ما يعـنى ببساطة بالغة أنها لن تنعم بالاستقرار الأمنى والسياسى طوال هذه المدة الزمنية الطويلة، إذا لم ترجع إلى رشدها وتنضوى تحت الجناح الأمريكى مرة أخرى، فقامت بنشر قواتها البرية على طول حدودها مع سوريا، وسمحت لقوات التحالف الدولى باستخدام قواعـدها الجوية لشن هجماتها الجوية ضد مناطق التمركز والأهداف الحيوية لميليشيات داعش المسلحة، خاصة قـاعـدتى «كورتشك ـ إنجرليك» القريبتين من الحدود السورية، والمجهزتين لاستقبال جميع أنواع طائرات حلف الناتو، وتتمركز فيهما قـوات الحلـف أثناء إجراء المناورات السنوية المعـروفة باسم «نسر الأناضول» وتستخدمهما هذه القوات فى التدريب على شن الهجمات والضربات الجوية المركزة ضد الأهداف المحتملة، وقامت قواتها بشن الهجمات الجوية وتوجيه الضربات النيرانية المركزة على قوات داعش داخل الأراضى السورية، والأدهى من ذلك هو طلبها المفاجئ لعـقد جلسة طارئة لحلف الناتو، حتى تحوز على رضا الولايات المتحدة وتعـتذر لحلفائها فى حلف الناتو، وترتيباً على تتابع هذه الأحداث، هل يمكن أن تنتهى تفاعلات هذه الجلسة الطارئة باتخاذ قرار يقضى بأن تتخلى تركيا عن دعمها اللوجيستى الكامل لميليشيات «داعش»، فى مقابل أن تتخلى الولايات المتحدة عن إقامة الدولة الكردية على حدودها الجنوبية الشرقية ؟.. وهذا ما سأتناوله الأسبوع المقبل بإذن الله.

أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد