رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعفاء وحده لا يكفى


من الواضح جداً أن إصلاح الجهاز الإدارى للدولة هوالتحدى الأكبر الذى يواجه بلدنا الآن وأنه أصبح قضية أمن قومى، فلا يخفى على أحد ما وصل إليه هذا الجهاز من الفساد والإهمال وتراجع مستوى الخدمات وارتفاع تكاليفها وسيطرة الروتين والإجراءات المعقدة والوساطة والمحسوبيات وغير ذلك ومدى انعكاس ذلك سلبياً على المواطنين، ويذهب علماء الإدارة إلى أن مرد تلك المشكلات إلى أحد أمرين، إما أن تكون نابعة من خارجها أى من البيئة الاجتماعية الخارجية والأجهزة السياسية والاقتصادية كما كان الحال قبل ثورة 25 يناير وأثناء حكم جماعة الإخوان الإرهابية، وإما أن تكون نابعة من داخل أجهزة الإدارة العامة أى أن أسبابها كامنة داخل الأجهزة أوالمنظمات الإدارية العامة كما هى الحال بنسبة كبيرة الآن مع بقاء تأثير بعض العوامل الخارجية.

وبصفة عامة إن المدلول الإدارى للإصلاح له أبعاد أوسع وأشمل من مجرد حصره فى نطاق الجهاز الإدارى المحدود، حيث إن أى نظام يعتبر جزءاً لا يتجزأ من مجموعة نظم أخرى ذات طبيعة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تؤثر وتتأثر بالنظام الإدارى السائد، وهذا يعنى أن أى تغيير إدارى غير كاف ما لم يكن جزءاً من تغيير شامل لجميع نواحى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وهو ما يعنى تغييراً فى فلسفة الدولة ورؤيتها.

فلا يمكن الفصل بين الإصلاح الإدارى والإصلاح السياسى لدرجة أن بعض الإداريين يؤكدون أن الإصلاح الإدارى يقوم أساساً على الإصلاح السياسى ودون هذا الأخير لا معنى للأول، وهذا يستتبع أن مشاكل الجهاز الإدارى هى بالأصل سياسية وبالتالى فإن معالجتها يجب أن تأتى من قمة الهرم السياسى، ولابد أن يكون هناك توافق فى برنامجى الإصلاح الإدارى والسياسى معاً، ولا يمكن أيضاً الفصل بين الإصلاح الإدارى والإصلاح الاجتماعى، فالمنظمات الإدارية ما هى إلا أنظمة اجتماعية فرعية تتكامل فى نظام أكبر هو النظام الاجتماعى للدولة.

وإجمالاً يجب أن يدرك سيادة رئيس الوزراء أن إصلاح الجهاز الإدارى للدولة هو عملية معقدة ذات أبعاد تنموية وسياسية واجتماعية وقانونية، وأنها ترتبط بعملية تحول من وضع لآخر ولا يمكن التحدث عنها بمعزل عن التغير أو التطور السياسى والاجتماعى فكلاهما يساند الآخر ويتداخل معه، وأن الزيارات الميدانية التى يقوم بها سيادته وما ينتج عنها من إعفاء لبعض المسئولين وإن كانت إيجابية إلا أنها لا تكفى أبداً لتحقيق الإصلاح وأنه لابد من وجود خطة شاملة تضم جميع الأبعاد اللازمة لتحقيق الإصلاح الإدارى المنشود.