رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيـرات الـدولـيـة والإقـلـيـمـيـة وتأثيرها فى المنظور الأمريكى «7 »


نجح قادة حلف الناتو فى ضم شركاء جـدد «معـظم دول حلف وارسو» وأقاموا بها منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية لحصار روسيا عسكرياً بعـد أن قاموا بحصارها اقتصادياً، لكنهم لم يُشيروا إلى المتغـيرات التى يمكن أن تشكل تهديدات جديدة للحلف، إلا أن تقرير لجنة التخطيط الاستراتـيجى لوزارة الخارجية الأمريكية لعام 1988 أشار إليها.

حيث جاء فيه «أما وقـد انتهت الحرب الباردة بيـننا وبين الاتحاد السوفييتى، فإن مصادر التهديـد البـديلة ستكون مصادر عـدم الاستقرار فى دول الأصولية الإسلامية والأنظمة السياسية غـير المستقرة» وأرجعـت نشأة مصطلح الأصولية إلى بعض الجماعات اليهودية والمسيحية المتشددة وقام الغـرب بإطلاقه على الإسلام، وقد وصفت العالم العربى بأنـه يعـنى مجمـوعة متناثـرة من الدول والشعـوب التى لن تجد لها مكاناً فى عالم الغـد مالم يُؤمن نفسه باستراتيجية موحدة ، والتى يتطلب بناؤها إعـداد دراسة وافية عن الموقف الاستراتيجى تحدد جميع أشكال التهديدات والتحديات «محددات بناء هذه الاستراتيجية»، وتحلل القدرات العربية الحقيقية السياسية والاقتصادية والأمنية والعـسكرية والاجتماعـية بدقة «كمرتكزات بناء الاستراتيجية» يحدد فى ضوئها الأهداف الاستراتيجية وأدوات تحقيقها.وتناولت المحددات العالمية وبدأت بالمحتوى الفكرى للمنظور الجيوبوليتيكى الأمريكى باعتباره أحد أهم هذه المحددات، حيث حدد «بريجنسكى»- مستشار الأمن القومى للرئيس كارتر- بدقة كبيرة هدف هذا المنظور فى ضرورة عـدم قيام قوة عالمية أو إقليمية قادرة على التحكم فى إقـليم حيوى مثل المنطقة العربية كأحد الاشتراطات الرئيسية لاحتفاظ الولايات المتحدة بمركز الهيمنة، وضمان استمرار سيطرتها على العالم، كما حدد «برجينسكى» استراتيجية تحقيق هذا الهدف بإحداث الفوضى العارمة فى المنطقة وهى التى عـبرت عـنها «كونداليزا رايس» بالفوضى الخلاقة فى 2004، وعهد إلى برنارد لويس للتخطيط لتحقيق ذلك، فبنى خطته على ثلاثة محاور، الأول هو استثمار التناقضات العـرقية والعـصبيات القبلية والطائفية والدينية لتقسيم وتفتيت الدول المركزية إلى وحدات صغـيـرة وتوطين أهلها على أساس العـرق أو الدين أو المذهب، والثانى تدمير الثقافة الدينية وتخليص شعـوب المنطقة من المعتقدات الإسلامية وتطبيقاتها، والمحور الثالث إعادة احتلال المنطقة إذا اقتضى الأمر ذلك، ووافق الكونجرس الأمريكى على هذا المشروع عام 1983 فى جلسة سرية، وبُدىء فى تنفيذ المحور الأول بإغـراق المنطقة العـربية فى ثورات فوضوية وجر شعـوبها إلى منزلقات التقاتل والتناحر والتباغض، وتم تفعيل المحور الثانى بتشويه صورة الإسلام وإبرازه كدين للإرهابيين وتوطين الجماعات الإرهابية فى المنطقة، وتم تفتيت العراق واليمن «سوريا وليبيا فى الطريق» وإعادة توطين شعوبها على أساس تركيبة مجتمعاتها الطائفية والعـرقية لتنفيذ المحور الثالث. ويتمثل الشق الثانى من منظور برجينسكى فى تقاسم النفوذ فى المنطقة بين تركيا وإيران والسيطرة عليها فى مقابل التعاون الأمنى والاستراتيجى مع الولايات المتحدة وتحمل الأعـباء المترتبة على ذلك، ووضعت الولايات المتحدة فى حساباتها الاستراتيجية عمق العلاقات التنافسية بين القوتين التى قد تصل يوماً إلى علاقات تصارعية بسبب تشابك وتقاطع المشروع القومى لكل منهما مع الآخر، ففى منتدى «الهوية الإيرانية» الذى انعـقـد فى طهران يوم الأحد 8 مارس الجارى أعلن على يونسى- مستشار الرئيس الإيرانى حسن روحانى- «أن إيران قد أصبحت بالفعـل إمبراطورية كما كانت على مر تاريخها، وأصبحت غـير قابلة للتجزئة مرة أخرى! وعاصمتها حالياً بغـداد التى تُعـتبر مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا، وأن جميع دول الشرق الأوسط هى بلدان إيرانية كذلك وسوف ندافع عنها»، أما على شمخانى أمين المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى فقد صرح «بأن بلاده باتت على ضفاف المتوسط وباب المندب» وبتحليل هذين التصريحين يمكن أن نخلص إلى أن إيران عازمة على إحياء تأسيس الإمبراطورية الإيرانية الساسانية التى تمكنت من احتلال بغداد، كما يُعـتبر إشارة صريحة إلى مكونات هذه الإمبراطورية وهى دول العالم العربى، إذ يمكن ملاحظة أنها باتت تهيمن على أربع دول عربية هى لبنان «حزب الله» واليمن «الحوثيون» سوريا «العلويون ـ حزب الله ـ الجيش الثورى» والعراق وهو الأهم، إذ يشير الواقع إلى أن العـراق يمثل أهمية جيوستراتيجية كبرى لإيـران، فهو يشاركها السيطرة عـلى الخليج العـربى ومضيق هـرمز وخليج عـمان جغرافياً، ويُمثل الخط الفاصل بين القوميتين العـربية والفارسية حضارياً، وتعتبره إيـران تاريخياً جـزءاً منها، والعراق يُمثل سهل الهضـبة الإيرانية الذى تتكامل مـنـتجاته الزراعـية مع منتجات الهضـبة اقتصادياً، ويمتلك مخزوناً هائلاً من الاحتياطى المؤكد من خام البترول يُمكَنها من أن تصبح قوة اقتصاديـة هائلة عـند إضافـتـه إلى مخزونها، كما يُمثل أهمية اجتماعية ومذهبية خاصة لإيران، حيث يضم عـتبات المراقـد المقـدسة التى يحج إليها الشيعة الإثنى عشرية.. وللحديث بقية الأسبوع المقبل بإذن الله.

أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد