رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بطعم الموت... العدالة منزوعة الدعم


إننا ندعو الذين يتحدثون اليوم عن الدعم وضرورة إلغائه أن يعلموا تماما أن الملايين الفقيرة لم تعد تملك من حقوق المواطنة سوى كلمات جاءت فى مواد الدستور فقط!! إن الفساد المستشرى فى جسد هذا الوطن هو المجرم الحقيقى فيما يحدث من أزمات اقتصادية واجتماعية.

أثناء انتفاضة يناير يومى 18 و19 عام 1977.. خرجت بنا سيارة الترحيلات من بورسعيد إلى سجن «ليمان طرة».. دخلنا البوابة كان بداخلها المئات من جميع الاتجاهات السياسية أغلبها كان من اليسار المصرى تم الزج بنا فى العنابر والزنازين كانت الوجوه أغلبها معروفة لنا جميعاً. من قيادات عمالية وطلابية وأساتذة جامعات وأدباء.. كانت الزنازين الانفرادية التى تتسع لسجين واحد بها خمسة.. كل هذا كان بسبب زيادة رغيف العيش قرش صاغ فقط.. كانت المظاهرات عنيفة اجتاحت أغلب المحافظات. خرجت الملايين من المصريين ترفض الزيادة فى أسعار الخبز والزيت.. مما أدى إلى إلغاء الزيادة أصلاً.. وبقينا داخل السجن .. كانت كل السجون المصرية تقريباً كاملة ومحجوزة تماماً للمتظاهرين.. كان أغلبهم من حزب «التجمع» حيث دفع ثمن هذه المظاهرات واحدة ومازال يعانى منها حتى الآن.. شنت الصحف الحكومية حملة شديدة القسوة على المتظاهرين وتم تسمية مظاهرات 18 و19 يناير «انتفاضة حرامية». رغم أن المظاهرات كانت من ملايين المصريين!! حاول صندوق النقد الدولى عدة مرات أن يطبق شروطه حول إلغاء الدعم.. واستمر يحاول فى ظل نظام «مبارك» كله أن يطبق هذه الروشتة اللعينة. لكنه فشل فى ذلك.. إن الدعم لم يكن منحة من أحد بل كان حقاً من حقوق المواطنة المصرية وتاريخه يرجع إلى المملكة المصرية فقد بدأ تنفيذه مع بداية الحرب العالمية الثانية.. حيث كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزى أصبح الدعم ضرورة حياتية لملايين المصريين فهو يمثل حق الإنسان فى جانب ضئيل جداً من ثروات بلاده.. وأصبح الدعم جانباً مهماً فى الحياة الاجتماعية واعتبر من أهم جوانب الأجور.. يعلم المصريون أن لهم حقوقاً فى ثروات بلادهم.. وكل مواطن يعلم أن له نسبة فى هذه الثروات. كم برميل بترول من حق المواطن؟ وكم متر غاز من حصته؟ وكم دولاراً من إيرادات قناة السويس؟ وحقوقه فى مئات المناجم المجهول إرادتها حتى الآن من الفوسفات حتى الذهب. كم تبلغ حصته من هذا كله؟ المواطن يعلم تماماً أن الجانب الأكبر من الدعم قد ذهب إلى الأغنياء، حيث حصلوا على النسبة الأكبر من هذا الدعم.. بل إن هذا الدعم الممنوح للأغنياء مازال مستمراً حتى الآن.. بل ويمثل حافزاً مهماً للمستثمرين القدامى والجدد!! أصبحنا نسمع عن دعم الفقراء يمثل العبء الأكبر على الموازنة العامة. وأن الإصلاح الاقتصادى لن يتم إلا عبر سحق الفقراء. حيث أصبحوا يمثلون إعاقة أمام الإصلاح!! نعم هناك تجاوزات كثيرة تعترض طريق وصول الدعم إلى مستحقيه.. وأصبحت هناك طبقة من أغنياء الدعم تعمل فى المخابز ومحلات صرف التموين نتيجة عدم الرقابة الفعالة وأحياناً التواطؤ بل أصبح الفساد هو السياسة المسيطرة على الدعم.. وبدلاً من علاج هذه الأمراض. اتجه الرأى إلى بتر الدعم . بدلاً من علاجه!! لكن ما ذنب الملايين الفقيرة أن تدفع ثمن فساد مستمر لا يواجه أى مقاومة؟ هل يمكن أن نسمع من مسئول واحد كم يحصل الأغنياء من الدعم؟ الأكيد استمتع أغنياء الوطن بالنسبة الأكبر وحصلوا على ثروات هائلة من هذا الدعم. وكل ما حصل عليه الفقراء هو رغيف خبز يكفيهم شر الجوع هل يمكن المقاومة بين من هم فوق ومن هم تحت؟ من يصدق أن الأغنياء حصلوا على الغاز والبترول والكهرباء بأقل من سعر التكلفة وباعوا إنتاجهم بالأسعار العالمية والفرق كان فى جيوب الأغنياء مئات المليارات وفى بطون الفقراء قطعة من الخبز الجاف !! إننا ندعو الذين يتحدثون اليوم عن الدعم وضرورة إلغائه أن يعلموا تماما أن الملايين الفقيرة لم تعد تملك من حقوق المواطنة سوى كلمات جاءت فى مواد الدستور فقط!! إن الفساد المستشرى فى جسد هذا الوطن هو المجرم الحقيقى فيما يحدث من أزمات اقتصادية واجتماعية وبدلاً من توجيه الضربات إلى هذا الفساد.. أصبحت الضربات توجه الآن إلى أصحاب البطون الجائعة وليس إلى أصحاب الأرصدة البنكية!! إن الدعم هو خط أحمر لا يجوز تجاوزه، حيث هو الخندق الأخير للدفاع عن ملايين المصريين وأن الاقتراب منه يعنى الاعتداء على بطون الفقراء الجائعة أصلاً. إن جميع دول العالم تعمل بنظام السلام الاجتماعى بين طبقات الشعب وتمنع وتحظر اعتداء أى طبقة على الأخرى.. لكننا نعيش زمن اعتداء الطبقات العليا على الطبقات الدنيا وبالقانون. وأحياناً بالقوة .. إننا مع تصحيح أى أوضاع خاطئة فى علاج قضية الدعم لكننا لسنا مع العلاج بالبتر.. هذا له عواقب وخيمة لا يستطيع الوطن أن يتحملها خاصة وهو محمل أصلا بآلام وجروح مازالت عميقة فى جسده.. إن العدالة الاجتماعية تصبح شعاراً خالى المضمون تماما عندما ينزع الدعم منها.. إن استغلال ما تمر به البلاد من مصاعب وغياب البرلمان لا يمنح أحداً الحق فى أن يعتدى على الملايين من الفقراء.. ويقدم الاغلبية من هذا الشعب هدية لأوامر صندوق النقد الدولى.. الذى أصبح يمثل فى شروطه العار على كل شعوب العالم!!