رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة أوكرانيا أم أزمة الطاقة.. أيهما يقود العالم لحرب عالمية رابعة «2»


ويشير الواقع إلى أن الولايات المتحدة قد عملت على نشأة حالة من التوتر وعدم الاستقرار فى أسواق البترول العالمية، خاصة بعـد أن استشعـرت حرج موقفها الاقتصادى كانعكاس صريح للأزمة المالية التى عـصفـت بها منذ عام 2000، وأدخـلت اقتصادها فى حالة من الانكماش عام 2001، وأدت إلى انهيار سوق المال بها عام 2003، فانخفض مؤشر «ناسداك» بمقدار80% ومؤشـر بورصة نيويورك حوالى45%

تناولت فى الأسبوع الماضى أن الولايات المتحدة قد افـتعـلت أزمتى أوكرانيا والطاقة، وأن هاتين الأزمتين ترتبطان ارتباطاً مباشراً بإصرار روسيا عـلى استعادة نفوذ القـوة السوفييتية العـظمى، وعـزم الصين على أن تتبوأ مكانة تتسق مع قوتها الشاملة لمشاركتهما النفوذ على الساحة الدولية، وهو ما يقف حائلاً دون استقرار مركـز الهـيمنة فى قلب الولايات المتحدة، ذلك أن أحـد الاشتراطات الرئـيـسـيـة لاستقرار موقع الهيـمـنـة فى قلب الولايات المتحـدة هو عـدم قـيام قـوة عالمية تكون قادرة على استقطاب جزء من الوحدات السياسية للنسق الدولى أو السيطرة على المنطقة العـربية «المكون الرئيسى لإقليم الشرق الأوسط» والتى تعـتبر قلب العالم الذى يمنح التفوق لمن يسيطر عليه.

وأوضحت أن الهدف النهائى للحرب هو إنزال هزيمة حاسمة للخصم، ولما كان المعسكر الغربى قد تمكـن من هـزيـمة المعـسكر الشرقى هـزيمة حاسمة فى حرب باردة، فقد استحقت أن يُطلق عليها «الحرب العالمية الثالثة» فقد أدت هـذه الهزيمة إلى انهيار الاتحاد السوفييتى العـدو اللدود للغرب والقطب الموازن فى النظام العالمى الثنائى القطـبية، فحولته الى أنقاض دول وبقايا شعـوب وقوضت العـقيدة التى بشر بها لإنقاذ البشرية، وأسـقـطت الأنظمة السياسية لدول حلف وارسو وعـملت على تفكـيـك بعـض دوله وضمتها إلى الاتحاد الأوروبى وإلى حلف الناتو، ثم قمت بإلقاء الضوء على شبه جزيرة القرم التى تسببت فى تأجيج الأزمة الأوكرانية، وأتناول اليوم الأسباب التى أدت إلى بروز الأزمة الثانية حتى نتمكن من تحديد أهداف الولايات المتحدة والغرب من تأجيج هاتين الأزمتين

ويشير الواقع إلى أن الولايات المتحدة قد عملت على نشأة حالة من التوتر وعدم الاستقرار فى أسواق البترول العالمية، خاصة بعـد أن استشعـرت حرج موقفها الاقتصادى كانعكاس صريح للأزمة المالية التى عـصفـت بها منذ عام 2000، وأدخـلت اقتصادها فى حالة من الانكماش عام 2001، وأدت إلى انهيار سوق المال بها عام 2003، فانخفض مؤشر «ناسداك» بمقدار80% ومؤشـر بورصة نيويورك حوالى45% ،وأدت إلى إيقاف التعامل مع أسهم مئات الشركات وإلغاء أسهم أكثـر من ألف شركة من بورصاتها عـند انخفاض أسهمها إلى ما دون الدولار الواحـد، وواصل منحنى الأزمة انحناءه حتى وصل إلى ذروته عام 2008، الأمرالذى أدى إلى دخـول الاقـتـصاد الأمريـكى فى حالـة جديـدة من الانـكمـاش، صحيح أن معدل النمو فى الولايات المتحدة وصل إلى 3٫5 % فى نهاية عام 2014، إلا أن هذا المعـدل لا يتسق أو يتوازن مع معدلات النمو العالية للصين التى استطاعت أن تحقـق منحنى اقتصاديا صاعـداً وصل إلى قمته ليشارك فى الاقـتـصـاد العالمى مشاركة رئيسية، وهو ما أدى إلى اختلال التوازن الاقتصادى الدولى، الأمر الذى تخشاه الولايات المتحدة والغـرب، إذ قد يؤدى هذا الاختلال إلى زحزحة مركز الهيمنة على العالم فى اتجاه الشرق «الصين وروسيا» وربما يُصبح ذلك أحد المتغيرات الرئيسية لتطوير النظام الدولى الراهن ليكون نظاما ثنائيا أو متعدد الأقطاب،

ولما كانت الولايات المتحدة تكاد تكون هى الدولة الوحـيـدة القـادرة عـلى التواجد فى أو قريباً من المناطق الاستراتيجية بحكم قدرتـها على النقـل الاستراتـيـجـى عـبـر بحار ومحيطات العـالـم، وقدرتها على التحرك السريع والوصول إلى هذه المناطق بحكم كفاءة وسائل الوصول المختلفة، ولما كانت أيضاً قد اكتشفت أكبر خزان عملاق يحتوى على مخزون هائل من زيت البترول والغاز الطبيعى فى أراضيها بما يضمن لها تحقيق الاكتفاء الذاتى ويجعلها أكبر مصدر له، فقد عملت على زيادة إنتاجها إلى 9ملايين برميل/ يوم من الخام، فأحدثت حالة من عدم التوازن بين العرض والطلب مما أدى إلى عدم استقرار أسواق البترول، وأدى إلى هبوط الروبل الروسى إلى أدنى مستوياته فى مقابل الدولار الأمريكى، وهو ما يتسق مع ما وصَى به ماهان A.Mahan للسيطرة على العالم فى كتابه Influence of Sea Power on History عام 1902 بضرورة السيطرة على منابع الطاقة و مناطق المعادن الاستراتيجية، والعمل على تقليص النفوذ الاستعـمارى أينما وجد ثم إبعاده نهائياً على أن تقوم الولايات المتحدة بملء الفراغ الاستراتيجى الناشئ.

وللتدليل على ذلك يمكن التذكير بأزمتين افتعلتهما الولايات المتحدة واندلعـتا فى أقل من عامين، الأولى هى أزمة غزو وتحرير الكويت، والثانية هى احتلالها للعـراق، ويخطئ من يـظـن عدم وجـود عـلاقـة مباشرة بيـنهـما وبين انهيار الاتحاد السوفييتى، ذلك أن الولايات المتحدة حيـن اندفعـت لصيانة مصلحتها فى المنطقة العربية، كان الاتحاد السوفييتى غارقاً إلى حد كبيـر فى حل مشكلاته الاقـتـصاديـة والعـرقـيـة الناتجة من الحرب العالمية الثالثة التى أوقعـته فيها وللحديث بقية فى الأسبوع المقبل بإذن الله.

أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد