رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف حققت النصر من قلب الهزيمة؟


لعـبت وحدات الصاعـقة دوراً بارزاً فى تاريخ مصر منذ نشأتها حتى الآن، بالرغم من حداثة نشأتها فى عام 1955 حيث شاركت وهى وليدة فى حرب 1956 وحرب اليمن ثم حرب 1967، وأدركت فتوتها فى حرب الاستنزاف، ثم بلغـت أشدها ورشدها فى حرب استرداد الكرامة القومية واندمال الجرح الذى ظل ينزف كثيرا ، والذى كنت أظنه لن يندمل يوما.

لا شك فى أن هزيمة يونيو 67 قـد أصابت الكرامة المصرية والعـربية بجرح غائـر يكاد لا يندمل، وبالرغم من النزيف الدامى الذى تسبب فيه هذا الجرح، إلاً أن القيادة السياسية المصرية ـ بعـد أن استعادت توازنها ـ قد أدركت مدى الخطورة التى قد تنشأ، ما لم تعـمـل عـلى إزالة آثار هذه الهزيمة، واستعادة الموقف على ما كان عليه، فما لبثت أن حددت اتجاه الدولة، وصاغـت رؤية استراتيجية يمكن أن يتفاعـل معها جموع المصريين بمختلف طوائفهم وأطيافهم وطبقاتهم وانتماءاتهم وثقافاتهم، وقد تمثلت هذه الرؤيا فى «أن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلاً بالقوة» ، واتساقا مع هذه الرؤيـة تمت صياغة الرسالة فى بضع كلمات بسيطة هى «إعـداد الدولة للحرب»، وتأسيسا على هذه الرؤية وتلك الرسالة، تم تحديد التوجيه الاستراتيجى للقيادة العـسكرية متضمنا المهام التى ينبغى تنفيذها بواسطة المؤسسة العسكرية ضمن خطة إعـداد مؤسسات الدولة للحرب، حيث حددت القيادة العـسكرية بموجبه ثلاثة أهداف استراتيجية، الأول هو إعادة بناء القوات المسلحة، والثانى هو رفع الكفاءة القتالية للقوات «معـنـويـا وتسليحا وتدريبا واكتساب الخبرات وإطلاق الفكر إلى حد الإبداع لعـبور أكبر مانع مائى شهدته البشرية فى حروبها .... إلخ»، والهدف الاستراتيجى الثالث هو التخطيط الاستراتيجى لعملية هجومية، بغـرض تحرير الأرض المغـتصبة واستعادة الموقف على ما كان عليه، وهدم نظرية الأمن الإسرائيلى القائمة على الاستناد إلى حدود آمنة.

وقد أدركت القيادة السياسية العسكرية أن تحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية الثلاثة يحتاج إلى مدة طويلة قد تستغـرق عـدة سنوات، وأدركت بالتالى أن الحاجة الاستراتيجية الملحة تستدعى تغـطية هذه المدة الزمنية بتنفيذ أعـمال قتالية نشطة، تستهدف رفع الروح المعـنوية للشعـب، واستعادة ثقة الشعـب بقواته المسلحة لإحداث الاستقرار اللازم لتأمين الجبهة الداخلية، حتى يمكن تهيئة أنسب الظروف لإعادة بناء القوات المسلحة والتخطيط الدقيق للعملية التعرضية المنشودة، فكانت حرب الاستنزاف التى تحملت فيها وحدات الصاعـقة الجهد والعـبء الأكبر، فقامت بشن العـديد من عمليات الإغارة عـلى أهداف العدو الحيوية فى عمق دفاعاته المختلفة، وتنظيم أعـمال الكمائن على محاور إمداداته ومواصلاته لإحداث أكبر خسائر ممكنة فى قوة العـدو البشرية، هكذا كتب عـلى وحدات الصاعـقة القتال ضد أهداف العدو الحيوية الثابتة والمتحركة فى أعماق دفاعاته المختلفة، وهذه الأهداف فى كامل كفاءاتها القتالية بحكم تمركزها فى عمق الـدفـاعات وبحكم عدم تكبدها أى خسائر، إذ غالبا ما لا تكون قد شاركت فى أى عـمليات قتالية.

وتعـتمد قوات الصاعـقة فى تنفيذ مهامها عـلى مبدأين رئيسيين تكاد تنفرد بهما هذه القوات دون غـيرها، الأول هو الاعـتماد الكامل على كفاءة العـنصر البشرى الذى يمكنه أن يتعامل مع هذه الأهداف بكفاءة ذهنية وبدنية وصحية عالية جدا، هذا المبدأ يكفل تلقائيا تحقيق مبادئ القتال الأخرى ربما يكون أهمها: خفة الحركة والمرونة والمبادأة والمفاجأة، وهى المبادئ التى تكفل تحقيق المهام بكفاءة، أما المبدأ الرئيسى الثانى فهو اعـتناق الضبط والربط الصارم والرغـبة الأكيدة فى التضحية والفداء ذلك أنها تواجه أهدافها عـلى مسافات متباينة «قد تصل من 50 كم إلى 100 كم أو تزيد فى بعـض الأحيان»، وهذه الأهداف فى كامل كفاءتها، كما تنفذ عناصر الصاعـقة مهامها وهى بعـيدة تماما عن القوات الرئيسية، وبالتالى تفتقر إلى المساعـدات النيرانية واللوجستية، الأمر الذى يلزم معـه تنفيذ المهمة المخصصة وعـين وقلب كل فرد من أفراد القوة المنفـذة عـلى زميله، يكفله ويحميه ويفتديه بروحه بكل الإدراك والرضا، تحقيقا لشعارهم الخالـد الذى آمنوا به، والذى تمت صياغـته منذ نشأتها «التضحية – الفداء – المجد» التضحية فى سبيل الله، فـداءً لوطنهم الغالى، ومجدا لشعـبهم، وفى هذا السياق تجدر الإشارة إلى عـملـيـة الإغـارة على النقطة القوية المتمركزة على لسان بور توفيق فى حرب الاستنزاف، وهى النقطة التى كانت تهدد الجانب الأيمن لقوات الجيش الثالث الميدانى، وتعمل على تدمير معامل البترول فى منطقة الزيتية بالسويس وتعـطيـل إنتاجه، وكانت هـذه العـملـيـة تهدف إلى تدميـر أسلحة ومعـدات ودبابات هذه النقطة، وإحداث أكبر خسائر ممكنة فى القوة البشرية والحصول على أسير إن أمكن، فقد أدت هذه العـملية وأعـمال القـتال الأخرى لوحدات الصاعـقـة فى حرب الاسـتـنـزاف إلى تعديـل التخطيط الاسـتـراتـيـجـى لحـرب أكـتوبـر، حيث خصصت القيادة العامة مهمة شن الإغـارات وتنظيم أعمال الكمائن لعـرقلة تقدم احتياطات العـدو التعـبـويـة والاستراتيجـيـة من ساعـة «س» حتى ساعـة «س+18»، أى من الساعة الـثانـيـة من بعـد ظهـر يوم 6 أكتوبر «بدء القـتـال» حتى الساعة السابعة من صباح يوم 7 أكـتـوبـر «18ساعة» ومنعـها من التدخل فى أدق وأعـقـد مراحل العمليات الحربية، وهى مرحلة عـبور القوات الرئيسية لقناة السويس، ثم مرحلة إنشاء رءوس الكبارى، وقد تمكنت وحدات الصاعـقة من تحقيق هذه المهام التى تعـد من أعـقـد المهام التى يمكن تخصيصها لأى قوات فى العالم، إذ استطاعـت هذه القوات العـظيمة منع تقدم احتياطيات العـدو طوال المدة المحددة، وتعـد أعمال قتال الكتيبة 143 صاعـقة من أبرز نجاحات وحدات الصاعـقة عـندما تمكنت هذه الوحدة من منع تقدم احتياطيات العـدو فى مضيق سدر حتى يوم 20 أكتوبر، بالرغم من أنها قد تكبدت خسائر كبيرة من جراء تدخل مقاتلات العدو التى تمكنت من إسقاط بعـض طائرات الهليكوبتر المقلة لعـناصر الكتيبة، فقد أبى أفرادها إلا أن يستكملوا مهمتهم بعـد أن قاموا بتجميع شهدائهم وجرحاهم من الطيارين والملاحين قبل أفراد الصاعـقة، لا يفرقون بين أحد من جنود مصر الأبرار، فكانت أعمال قتال هذه الكتيبة إيـذانا لتشكيلات ووحدات الجيش الثالث لتنفيذ مهامه تحت تأمين كامل لهؤلاء الأبطال الذين نجحوا فى أداء واجبهم بأمانة وشرف تحقيقا لشعارهم الخالد «التضحية – الفداء – المجد»، كما تُعـد عملية الإغارة على النقطة القوية المتمركزة على لسان بورتوفيق من أبرز المهام لوحدات الصاعـقة، فلم يكن من قبيل المصادفة أن يتم تنفيذ هذه العـملية فى حرب أكتوبر للمرة الثانية بنفس الكتيبة التى قامت بتنفيذها أثناء حرب الاستنزاف، حيث تمكن بواسل هذه الكتيبة من اقتحام جميع الموانع والدشم الحصينة، والاستيلاء عـلى جميع الأسلحة والمعـدات والمؤن، وأجبروا قوتها البشرية عـلى الاستسلام، وقد شاهد العالم بأسره لحظة الاستسلام عـندما قام قائد النقطة القوية بإنزال عـلم إسرائيل ويرتفع عـلم مصر ثم يؤدى قائد الموقع بتأدية التحية العسكرية الواجبة باحترام شديد للمقدم أ.ح زغـلول فتحى - قائد الكتيبة 43 صاعقة- يوم 13 أكتوبر 1973 فى وجود ممثل الصليب الأحمر، هؤلاء البواسل من الذين يستحقون التكريم عـلى أعـين الناس، فحسبهم خلودا أنهم حققوا النصر من قلب هزيمة يونيو67 .

هكذا لعـبت وحدات الصاعـقة دوراً بارزاً فى تاريخ مصر منذ نشأتها حتى الآن، بالرغم من حداثة نشأتها فى عام 1955 حيث شاركت وهى وليدة فى حرب 1956 وحرب اليمن ثم حرب 1967، وأدركت فتوتها فى حرب الاستنزاف، ثم بلغـت أشدها ورشدها فى حرب استرداد الكرامة القومية واندمال الجرح الذى ظل ينزف كثيرا ، والذى كنت أظنه لن يندمل يوما.

■ قائد وحدات الصاعـقة الأسبـق

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.