رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلاقات الدولـيـة المصـريـة بين التقارب والتباعـد «7»


يشير الواقع إلى أن الولايات المتحدة استشعـرت حرج موقفها بعـد إعلانها أن تصفية داعش سيـقتصر على الضربات الجوية، لذلك وافق أوباما على مقترحات البنتاجون بضرورة إشراك قوات برية فى عـملية تصفية داعش بعـد أن أصبح خطرًا يهدد العالم بأسره.

أبرزت تفاعلات الأحداث التى مرت بالمنطقة العربية مدى تعارض البعـد القيمى للقوى العالمية والإقليمية الفاعلة فى النسق الإقليمى للشرق الأوسط ،فمصر تسعى إلى استعادة توازن مكانتها التى فـقـدتها إبان عام الظلام لحكم الجماعة الإرهابية، بينما تسعى القوى الإقليمية غـير العربية «تركيا وإيران وإسرائيل» إلى حصـد مزيد من مكاسب تداعيات هذه التفاعلات لصالح مشروعاتها القومية، أما روسيا فتسعى الى استعادة نفوذ القـوة السوفييتية العـظمى، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى الاحتفاظ بمركز الهـيمنة، وأن أحد اشتراطات احتفاظها به هو قدرتها على منع قيام أى قوة عالمية أو إقليمية يُمكنها التحكم فى إقليم حيوى مثل المنطقة العربية.

ولتحقيق ذلك قامت بتأجيج حرب الخليج الأولى «العـراق وإيران» ثم الثانية (غـزوالعـراق للكويت وتحريره) فالثالثة «غزو وتدمير العراق» وقسمته عـرقيًا «الأكراد» ومذهبيًا «السنة والشيعة» ثم أغرقت المنطقة فى ثورات فوضوية، وقامت بتوطين التنظيمات الإرهابية فى المنطقة لإسقاط دولها من الداخل، وأبعدت روسيا عن المنطقة بافتعالها أزمة أوكرانيا حتى تُحقق هدفها الرئيسى «إعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبير» وأخيرًا افتعلت الأزمة مع داعش حتى تعـود ثانية إلى العـراق لتتخذه متكأ لتنفيذ مخططها لتقسيم سوريا، فادعت أن مسئوليتها الأخلاقية تقتضى تدخلها المباشر حيث أصبحت الأزمة السورية قضية إنسانية فى المقام الأول!

وكانت الولايات المتحدة قد شيَّدت مقرًا لسفارتها فى بغـداد على مساحة 104 هكتارات «أكثر من مليون م2» يضم أكثر من 22 مبنى ضخمًا لأغراض السكن والعلاج والتسوق والترفيه وممارسة الرياضة، وزودتها بأحدث المعـدات لإنتاج الطاقة، وأمدتها بجميع البنى التحتية التى تمكَنها من البقاء دون الاعـتماد على العاصمة لفترة طويلة، وتجاوزت تكلفة إنشائها مليار دولار وتتكلف إدارتها مليار دولار سنويا، ويعـمل بها حوالى 1100 موظف، فهل يُمكن أن نتصور أن تشييد هذا الصرح على مساحة أكبر من مجمع مساحة الأمم المتحدة ست مرات، وأكبر من سفارتها فى بكين عـشر مرات لتكون مقرًا لسفارتها فى بغـداد، أم لتتخذها مقـرا لتواجدها الدائم فى العـراق وإدارة خططها لإعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبير.

ويشير الواقع إلى أن الولايات المتحدة استشعـرت حرج موقفها بعـد إعلانها أن تصفية داعش سيـقتصر على الضربات الجوية، لذلك وافق أوباما على مقترحات البنتاجون بضرورة إشراك قوات برية فى عـملية تصفية داعش بعـد أن أصبح خطرًا يهدد العالم بأسره، فهل يقصد أوباما أن القوات البرية التى ستشارك هى القوات التركية التى بدأت فتحها الاستراتيجى على حدود سوريا، سيما أن هذه المشاركة قـد جاءت بموافقة البرلمان التركى الذى يسيطر عليه الحزب الحاكم الأمر الذى يُشير إلى انتهازية أردوغان، فتركيا عـضو رئيسى فى حلف الناتو وتُعـد ثانى قوة بعـد الولايات المتحدة من حيث حجم القوات.

وقد استثمر أردوغان الموقف فقام بأول زيارة كرئيس لتركيا إلى قطر يطلب وساطة أميرها «الممول الرئيسى للجماعات الإرهابية» لإطلاق سراح القنصل التركى وعدد 49 مواطنًا تركيًا كان داعش قد احتجزهم كرهائن منذ يونيو الماضى، وكان داعش أيضًا يدفع بآلاف اللاجئين السوريين نحو حدودها وحشدهم فى منطقة جنوب شرق الأناضول وبعـض المناطق الأخرى على طول حدودها ليزيد عـبئها الإدارى، والغـريب أن أنقرة لم تعـلن نبأ واحدًا يتعلق بموضوع الرهائن، فى حين كان الحرص الشديـد على حياتهم يحتل الأسبقية الأولى فى قائمة أولويات الحملة الانتخابية لأردوغان، وقد توصل أمير قطر إلى اتفاق مع التنظيم لإطلاق سراح الرهائن، وهو ما يُدلل على وجود علاقات حميمية بين الأطراف الثلاثة تسمح بالتوصل إلى مثل هذا الاتفاق الذى لابـد أن يتضمن مطالب التنظيم، وفى مقدمتها عدم انضمام تركيا إلى قوات التحالف وعـدم استخدام القواعد التركية فى شن الهجمات الجوية ضده، وتُعـد داعش بعدم القيام بأعمال إرهابية فى تركيا، وعـدم التعـرض لخط أنابيب النفط العـراقى المار عـبر الأراضى التركية، وقام داعش بإطلاق سراح الرهائن على هذا الأساس حيث اصطحبهم أوغـلو فى طائرته، واستقبلهم أردوغان فى زهو شديد بعـد أن فـاز بانتخابات الرئاسة.

وفى اعتقادى أن أردوغان قبل شروط التنظيم حيث كان ذلك يصبُّ فى مصلحة دعايته الانتخابية، ثم نقض هذا الاتفاق طالما سيظهره ذلك بطلاً قوميًا أمام أنصاره وأعضاء حزبه الذى فقـد كثيرًا من رصيده الشعـبى، وإن كان ما زال يتمتع بالأغلبية حتى الآن، لكن الأهم هو المقابل الذى سيطلبه أردوغان حتى تشارك القوات التركية فى العمليات البرية لتصفية داعش، أغلب الظن أن المطلب الرئيسى لأردوغان من الولايات المتحدة وحلفائها سيكون التخلى عـن فكرة قيام دولة كردية على حدودها.

وهو ما سأوضحه الأسبوع القادم بإذن الله

أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد