رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الندب القضائى واستقلال القضاء.. والسلطات فى دستور الثورة


كيف يمكن للقاضى أن ينتدب فى جهة حكومية أو أكثر ويقدم مشورة أو رأياً قانونياً ويفصل فيه فى ذات الوقت إذا ما عرض عليه النزاع.

تعد السلطة القضائية واحدة من أعمدة سلطات الدولة الثلاث وهى السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، ولما كان القضاء يعد مصدراً من مصادر سيادة القانون ومصدراً مفسراً للقانون وتطبيقه، وإن تقدم الحضارات والأمم ورقيها إنما يقاس على أساس ارتفاع قيم الحق والعدل فيها بالحفاظ على القضاء بهيئاته وهيبته واستقلاله بجميع ضماناته للحفاظ على القانون وسيادته وسلطانه، مما أدى إلى شيوع الأمن والاستقرار فى الأثر العميق والانتماء والولاء وحفز المواطنين على الإنتاج، فالقضاء صمام الأمن فى يدى موازين الحق والعدل، واستقلال القضاء من حقوق الإنسان والذى يقتص من الظالم ويحفظ الحقوق وحامى الحقوق والحريات وأن حق التقاضى كفلته جميع دساتير العالم للجميع، كما أنه لا جدوى من تقرير مبدأ سيادة القانون إذا لم يتوافر للقضاء بهيئاته حصانته واستقلاله الكاملين عن بقية سلطات الدولة خاصة السلطة التنفيذية.

ولما كان قيام القضاة وأعضاء الهيئات القضائية بأعمال قانونية «غير قضائية بعض الوقت أو كل الوقت عن طريق الاستفادة بهم لأعمال الخبرة أو تقديم المشورة القانونية والإفتاء فيه مساس كبير وافتئات على سلطات الدولة بل تداخل للسلطات، وهذا به إضرار كبير بالعدالة والسلطة القضائية من عدة نواحى أولا: اقتطاع جزء كبير من وقت القضاة وأعضاء الهيئات القضائية بل وانشغالهم بأعمال لاتمت بصلة للعدالة فى وقت العدالة فى أمس الحاجة إلى خبرتهم القضائية فى مجال عملهم، ثانيا: التأثير السيئ على سرعة الفصل فى القضايا لدرجة القضايا تظل سنوات لم يفصل فيها وإضرار بالعدالة الناجزة فى وقت نعانى فيه من ندرة وقلة عدد القضاة، ثالثا: كيف يمكن للقاضى أن ينتدب فى جهة حكومية أو أكثر ويقدم مشورة أو رأياً قانونياً ويفصل فيه فى ذات الوقت إذا ما عرض عليه النزاع – أليس ذلك مخالفا لنص الفقرة الخامسة من المادة 146 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الذى ينص على أنه «يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها و لو لم يرد أحد من الخصوم فى الأحوال الآتية: 1- .....2-... 5- إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى أو كتب فيها و لو قبل اشتغاله بالقضاء ، أو كان قد سبق ونظرها قاضيها أو خبير أو محكم، أو كان قد أدى شهادة فيها.

كما تنص المادة 148 من قانون المرافعات المدنية والتجارية أيضا على أنه «يجوز رد القاضى لأحد الأسباب الآتية :1-...... 2-..... 3-......4-إذا كان بينه و بين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل ، وأن الندب للقاضى أو أعضاء الهيئات القضائية عموما يتسبب فى تشعب العلاقات ويؤدى منها إلى المودة وإلى العداوة أحيانا أخرى فاذا اتضح هذا السبب فيمتنع على القاضى نظر القضية ، ويؤدى ذلك إلى الإضرار بالعدالة... رابعًا: يعد الندب شوكة فى ظهر القضاء الشامخ ووسيلة خطيرة من بين وسائل عديدة تستخدمها الـسلطة الـتنفيذية «الحكومة والنظام» للهيمنة على الشأن القضائى وقد أثبتت التجربة ذلك.

خامسًا: إن قواعد الندب تفقد القضاء هيبته واستقلاله من خلال السيطرة المالية والعينية للجهات المنتدب اليها وتبعد القاضى عن منصة العدالة التى تستحق أن يكون مكرسا وقته كله من أجلها، وأن يترك ذلك لمن هم أهل لها من رجال القانون من المحامين المتمرسين فى الحقل القانونى وأساتذة القانون بالجامعات وغيرهم ممن لهم باع وخبرة كبيرة فى العمل القانونى عن طريق الاستفادة من خبراتهم القانونية المثقلة.

كما أنه لا يستقيم الأخذ بالندب القضائى مع تقرير مبدأ الفصل بين السلطات أو استقلال السلطات ولا يذكر مبدأ الفصل بين السلطات إلا مقترناً باسم الفقيه الفرنسى مونتسكيو الذى كان أول من صاغه صياغة متكاملة فى كتابه روح القوانين 1748، وأن مبدأ فصل السلطات هو أحد مبادِئ الديمقراطية فهو نموذج للحكم الديمقراطى للدول ونهيب بالجمعية التأسيسية للدستور ضرورة الأخذ بمبدأ الاستقلال بين السلطات، فلا يعنى استقلال السلطات عدم التعاون والتنسيق بينهم ، ولكن شريطة عدم المساس باستقلالها.

وقد أخذت الأنظمة المعاصرة باستقلال السلطات والنموذج الأمثل على ذلك نجده فى كل من على سبيل المثال أمريكا وإنجلترا على الرغم من كون النظام الأمريكى رئاسيًا والإنجليزى برلمانيًا إلا أنهما أخذا به وثبت نجاحه فى توظيف سلطات الدولة الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية بالتوظيف الأمثل للسلطات بحيث عدم تداخل السلطات بين بعضهما البعض، وقد أثبتت التجارب العملية بعد الثورات نجاح هذا المبدأ فى تطبيقه.

كما أن لهذا المبدأ فضلاً كبيرًا فى إرساء دعائم حقوق الإنسان إذ تعتمد مبادئ إعلان حقوق الإنسان والمواطن على عدة مبادئ فلسفية وسياسية من عصر التنوير، مثل الفردية، العقد الاجتماعى كما عرّفه روسو، فصل السلطات بحسب مونتسكيو، وربما استفاد الفرنسيون من إعلان الاستقلال الأمريكى 3 مايو 1776 وإعلان فرجينيا للحقوق، 12 يونيو 1776 الذى صاغه جورج مايسون.

لذا نناشد ونهيب بالجمعية التأسيسية للدستور بضرورة النص على إلغاء الندب بكامل صوره للقضاة وأعضاء الهيئات القضائية حفاظًا على العدالة واستقلال القضاء وتماشياً مع روح الثورة.

■ هيئة قضايا الدولة