رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على شفا حرب.. الشهداء هم الناجون في الوطن العربي (ملف)

حروب المنطقة العربية
حروب المنطقة العربية

تأججت الصراعات المسلحة والحروب في إقليم الشرق الأوسط ما جعل المنطقة العربية تعيش حاضرًا مبهمًا وتنتظر مستقبلًا ضبابيًا، لا سيما في ظل الإبادة الجماعية بغزة وتمخض توترات الملاحة في البحر الأحمر وكذا حجم الخراب الذي آلت إليه السودان.

أكثر من مائتي يوم انقضت منذ إعلان إسرائيل الحرب على غزة التي ارتدت بإعلان جماعة الحوثي هجماتها على السفن والشاحنات الأمريكية والإسرائيلية في سواحل البحر الأحمر، ليشتعل التخريب في اليمن والتدمير في السودان وتصل الحرب ذروتها ويسجل الوطن العربي نكبة تاريخية غير مسبوقة.

اتسعت بؤر الحرب في المنطقة العربية فطوت جثثًا وحفرت قبورًا وتحمل أحياءً بلا أرواحًا، وتتعمق "الدستور" من خلال هذا الملف في مشهد الحرب المستمرة في إقليم الشرق الأوسط دون حسم أو مستقبل واضح وما نجم عنها من شلل وركود بالقطاعات الاستراتيجية في المنطقة.

انفوجراف “الدستور”

الفاو

عبد الحكيم الواعر: تولد بؤر جوع وارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي

الدكتور عبد الحكيم الواعر، مساعد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، يقول خلال حديثه مع "الدستور": "في البداية نود أن نشير إلى أن منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا تعرضت للعديد من الأزمات منذ جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية ما أثر على سلاسل الإمداد في منطقة البحر الأسود، والتي كان لها أثرها الكبير على دول الإقليم بشكل عام في إمدادات الغذاء، فالمنطقة العربية التي كانت تحاول التغلب على تبعات كورونا وحرب أوكرانيا وانقطاعات سلاسل الإمداد، خلال العامين الماضيين، واجهت تحديات إقليمة جديدة أضعفت قدرتها على إيجاد حلول للأمن الغذائي، خاصةً مع اندلاع النزاع في السودان والحرب في غزة وتداعياتها الإقليمية".

ونتيحة للحروب والكوراث وتعطل سلاسل الإمدادات الغذائية، يؤكد "الواعر" على أن أسعار الأغذية ارتفعت بنسب كبيرة في دول منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، فبالنظر إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي اشتلعت في فبراير 2022، فقد أدت هذه الحرب إلى بلوغ الأسعار أعلى مستوياتها على الإطلاق نتيجة لاضطراب تدفقات السلع الأولية من اثنين من أكبر بلدان العالم المصدرة للقمح والسلع الاستهلاكية الأساسية الأخرى. 

وأسفرت الحرب عن تعطيل موانئ أوكرانيا في البحر الأسود، مع كبح قدرة روسيا على التصدير، وكان هذان البلدان يسهمان بربع صادرات العالم من القمح وخمس صادراته من الشعير والذرة، وأكثر من نصف صادرات زيت بذور دوار الشمس، كما يوفران نحو ثمن مجموع السعرات المتداولة في العالم.

لا شك في أن الحروب تؤثر على ناتج الغذاء العالمي في المنطقة العربية تحديدًا، هكذا يشير "الواعر" إلى مدى تداعيات الحروب على الأسمدة، والتي ارتفعت تكلفتها بالفعل نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة، كما أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي آخذان في الارتفاع بعد عقود من المكاسب التي تحققت في مجال التنمية.

وتسبب تعطل سلاسل الإمداد، وتغير المناخ، وأزمة جائحة كورونا، وتشديد الأوضاع المالية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، والحرب في أوكرانيا، والصراعات في المنطقة خاصة في السودان وغزة وعدد من بلدان المنطقة، في صدمة غير مسبوقة للنظام الغذائي فيها، عانت منها الشرائح الأكثر ضعفا واحتياجا أيما معاناة. 

وأكد المدير العام المساعد بمنظمة الفاو أن الحروب شكلت تهديدًا بالغًا على معدلات الأشخاص الذين يعانون من الانعدام الغذائي على المستوى العالمي والإقليمي حيث تشهد العديد من بلدان المنطقة العربية معدلات تضخم وارتفاع أسعار الغذاء، فحسب إحصائيات منظمة الفاو يوجد ما يقدر بنحو 53.9 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في المنطقة العربية نتيجة مباشرة للتضخم المقترن بالصراعات والحروب المندلعة، حيث واصل انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد منحاه التصاعدي، ليؤثر سلبًا على ما يقدر بنحو 154.3 مليون شخص في المنطقة.

انفوجراف “الدستور”

ونوه أنه يعد الأطفال هم أكثر الفئات تهديدًا وعرضة لعواقب الحروب المندلعة في العالم والمنطقة العربية بشكل خاص، إذ أنه لا تزال المنطقة العربية تعاني أشكالًا متعددة من سوء التغذية، وعلى الرغم أن معدل انتشار التقزم  في المنطقة 20.5% والذي يؤثر على طفل واحد من بين كل خمسة أطفال دون سن الخامسة، كان أقل من المتوسط العالمي، يشير التقرير إلى أن معدل انتشار الهزال في المنطقة 7.8% كان أعلى من المتوسط العالمي 6.7%.

واختتم المدير العام المساعد لمنظمة الفاو أنه في سبيل منع تفاقم أزمة الأمن الغذائي والتغذوي، والحد من آثار الحروب والنزاعات، يلزم اتخاذ مزيد من الإجراءات العاجلة من أجل إنقاذ بؤر الجوع، وتسهيل التجارة، وتحسين أداء الأسواق، وتعزيز دور القطاع الخاص، وإصلاح وإعادة توجيه الدعم مع الاستهداف الدقيق للوصول إلى المستحقين، وينبغي للبلدان الموازنة بين الإجراءات التدخلية العاجلة قصيرة الأجل وجهود بناء القدرة على الصمود على المدى الأطول في إطار استجابتها للأزمات المتعلقة بالأمن الغذائي والتغذوي.

حروب المنطقة العربية

الاسكوا "اقتصاديًا"

يوسف شعياتني: تحول الإنفاق من أعمال التنمية إلى الإغاثة والمساعدات الإنسانية

الدكتور يوسف شعياتني، رئيس شعبة التنمية ودرء النزاعات بمنظمة "الإسكوا" التابعة للأمم المتحدة، يبدأ حديثه مؤكدًا على أن الصراعات المسلحة وحالات عدم الاستقرار في المنطقة أثرت سلبًا على مجمل عملية التنمية، البشرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

على المستوى الاقتصادي، يوضح "يوسف" أنه تحولت أولويات الإنفاق والدعم وعمل المؤسسات بسبب تدفق اللاجئين والنازحين القسريين من مشاريع التنمية إلى أعمال الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وهذا يضع عدد من الدول العربية الحكومات أمام تحد لا يقتصر فقط على إعادة الاعمار، بل يقوم بشكل أساسي على إعادة التوازن إلى العلاقة بين الدولة والمجتمع.

انفوجراف “الدستور”

يستكمل: “هذا إضافةً إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعيش خمس سكان المنطقة في فقر مدقع، وترتفع البطالة إلى أعلى مستوياتها تحديدًا بين فئات الشباب، وكذلك ترتفع مستويات الدين العام، في حين تنخفض معدلات إنتاجية اليد العاملة لتصل إلى بين الأدنى عالميًا، وتتقلص مساحة التغطية والحماية الاجتماعية تحديدًا لدى الفئات الأكثر ضعفًا وهشاشةً”.

يشير رئيس شعبة التنمية ودرء النزاعات بالاسكوا إلى أن 181.7 مليون، أي 38.4% من الشعب العربي يعيشون تحت وطأة صراعات متفاوتة الحدة ويعانون من آثارها بشكل مباشر في 7 بلدان هي العراق وليبيا والصومال وفلسطين والسودان وسوريا واليمن، ومن بين هؤلاء 77.3 مليون يعتمدون على شكل من أشكال المساعدات الإنسانية. 

ويختتم بأنه أدت الصراعات في عدد من البلدان العربية إلى تشظي النسيج الاجتماعي وتفتت مكونات المجتمع، وإلى تدمير البنى التحتية والموارد على أنواعها، وإلى تراجع دور وفعالية مؤسسات الدولة، ولا يزال موضوع المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات من بين أبرز التحديات الاجتماعية في البلدان العربية.

انفوجراف “الدستور”

استراتيجيًا وعسكريًا

المنطقة العربية مُرهَقة بالصراعات والحروب

الدكتور آصف ملحم، خبير الشؤون الدولية ومدير مركز “جي إس أم” للأبحاث والدراسات في موسكو، يقول أن الصراعات المسلحة والحروب ولاسيما استهداف الولايات المتحدة وبريطانيا لمواقع وقواعد عسكرية في اليمن ستؤثر على المنطقة العربية، إذ أنهناك مجموعة من المحاذير في هذا الشأن، أهمها أن تقود عسكرة البحر الأحمر إلى جر بعض الدول العربية الرئيسية للانخراط المباشر في الصراع، الأمر الذي سيؤدي إلى صراع بين هذه الدول، وبالتالي حصول استقطاب سياسي وعسكري على المستوى العربي والإقليمي. 

وعن خبرة البشرية في الحروب الحديثة، بما في ذلك الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا في استهداف اليمن، يرى "ملحم"أن الضربات الجوية لا تساهم في حسم أي معركة على الإطلاق. نعم، قد يكون لهذه الضربات أثر في تقليص بعض القدرات العسكرية للحوثيين، ولكنها لن تقضي عليها؛ خاصةً أن الحوثيين يستخدمون المسيرات بشكل أساسي في استهداف السفن، وصناعة المسيرات سهلة للغاية ورخيصة الثمن.

انفوجراف “الدستور”

يستكمل خبير الشؤون الدولية حديثه لـ"الدستور"، أنه قد لا يكون لضربات الحوثيين أثرًا عسكريًا أو أمنيًا مباشرًا على الدول التي تُشاطئ البحر الأحمر، ولكن قد يكون لهذه الضربات آثار سلبية، اقتصادية مباشرة، وسياسية وأمنية غير مباشرة، بناءً على هذه المعطيات فإننا نميل للاعتقاد بأن العامل النفسي يلعب الدور الأبرز في هذه الاضطرابات، فمقولة أن (رأس المال جبان) كانت ولا زالت صحيحة، وتحول البحر الأحمر إلى منطقة عمليات عسكرية بالتأكيد سيترك أثرًا سلبيًا على التجارة العالمية.

ويضيف خبير الشؤون الدولية أن هذا المنحى سيكون مزعزعًا لاستقرار المنطقة، المُرهَقة أساسًا بالصراعات والحروب، ومن الممكن أن يقوم الحوثيون باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في الخليج، أيضًا سيكون هذا المنحى مزعزعًا للاستقرار.وكل هذه الاحتمالات ستؤدي بدون أدنى شك إلى اتساع دائرة الصراع، الأمر الذي قد يقود إلى حرب إقليمية شاملة.

الاسكوا "اجتماعيًا"

تفشي الحروب دمرت فرص التنمية في المنطقة

الدكتور يونس أبو أيوب، رئيس شعبة الحوكمة وبناء الدولة بمنظمة الاسكوا التابعة للأمم المتحدة، يقول في البداية إن ما نشهده من تفشي النزاعات المسلحة في المنطقة العربية هو نتاج لعقود من المشاكل البنيوية التي تفاقمت في ظل غياب حلول مناسبة وضعف المؤسسات، فضلا عن الصراعات الجيوسياسية الدولية والتدخلات الخارجية، والاحتلال، الذي انتشرت أثاره لتعم المنطقة برمتها سواء من خلال تدمير فرص التنمية البشربة وتشريد الملايين من سكان المنطقة وتزايد عدد اللاجئين والنازحين وفقدان الملايين لسبل العيش. 

انفوجراف “الدستور”

ويوضح "أبو أيوب" لـ "الدستور" أن ما يقع اليوم في منطقة البحر الأحمر ما هو إلا مرحلة جديدة في هذا التسلسل السلبي، الذي أصبح يهدد السلم والأمن الدوليين وطرق التجارة وسلاسل الإمداد العالمية، حيث أن مضيق باب المندب مثلا يمثل أكثر من 12% من التجارة العالمية البحرية، كما ارتفغت تكاليف النقل البحري بين الصين وأوروبا / منطقة البحرالمتوسط عامة بأكثر من 400 في المائة منذ شهر نوفمبر 2023، وفقا للدراسة التي أعدها صندوق النقد الدولي (23 يناير 2024). 

انفوجراف “الدستور”

وعن جهود منظمة الإسكوا، يشير رئيس شعبة الحوكمة وبناء الدولة في الاسكوا إلى أن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية تعمل بالتعاون مع الدول الأعضاء وجامعة الدول العربية على وضع النظم والسياسات والآليات، على المستويين الإقليمي والوطني، التي تساعد من خلال السعي إلى تنفيذ خطة 2030 على بناء مجتمعات سليمة حاضنة للجميع تكفل المساواة بين الناس في القدرة على اللجوء إلى العدالة، وعلى فعالية سيادة القانون والحكم الرشيد، وعلى بناء مؤسسات تتسم بالشفافية وتخضع للمساءلة. 

ويستكمل: "وضعت الإسكوا آلية لتوفير نهج شامل ومتعدد القطاعات وتشاركي ومراعي للنزاع في معالجة الحكم، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، والنهوض بالقدرات المؤسساتية والإدارة العامة لخدمة المواطنين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، وتمكين أصحاب المصلحة الوطنيين من وضع حلول وإصلاحات مصممة خصيصًا لإعادة البناء والتنمية للحد من العودة إلى الصراعات".

ويختتم رئيس شعبة الحوكمة وبناء الدولة بمنظمة الإسكوا، أنه في السنوات الأخيرة شرعت الإسكوا في تنفيذ مشاريع الحوار التقني في سوريا وليبيا واليمن، التي تستند إلى توفير الاحتياجات الفريدة لكل بلد وتخصيصها وفقا للمبادئ الأساسية المشتركة اقتصاديًا واجتماعيًا.

حروب المنطقة العربية

الطاقة

تضخم أسعار الطاقة ستولد اضطرابات اجتماعية 

في البداية، يقول الدكتور عامر الشوبكي، خبير الطاقة الدولي، إن اندلاع الحروب والصراعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط هو تكون عواقبه كارثية على صعيد النفط والطاقة وما تبعها من صناعات ومنتجات تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر لها.

يوضح الشوبكي أن الحرب ولدت صدمات عنيفة على مستوى الاقتصاد العالمي والإقليمي، فإن ارتداد حرب الحوثيين على سواحل البحر الأحمر نتيجة حرب إسرائيل على غزة أحجمت مرور شاحنات النفط والطاقة وكذا السلع والمنتجات الاستراتيجية الأخرى، وهذا الإحجام والاضرابات المتولدة من الحروب في إقليم الشرق الأوسط والشمال الأفريقي ضاعف الأسعار وزاد من معدلات التضخم الغير مسبوق تاريخيًا.

حروب المنطقة العربية

يضيف الشوبكي أن الاقتصاد العالمي سيدفع حتمًا فاتورة حرب إسرائيل على غزة ومدى الدعم الأمريكي المقدم لإسرائيل، وتتأثر دول الشرق المتوسط بشكل أكبر بكثير، مشيرًا إلى الاضطرابات الاجتماعية التي ستظهر في المجتمعات نتيجة ضعف وندرة سلاسل الإمداد عن السابق.

نوه إلى تعمق الأزمات في منطقة الشرق الأوسط نتيجة الحروب المتشابكة في المنطقة والصراعات المسلحة والأهلية التي تشهدها، فإن دول الساحل البحر الأحمر أيضًا يشهد ركودًا غير مسبوق وتوقف المدخلات التي تخدم الصناعة والتجارة وعرقلة وصول السلع الأساسية في كل من  الدول العربية والدول المطلة على ساحل البحر الأحمر.

وأشار خبير الطاقة الدولي إلى أن الاقتصاد ومستويات أسعار الطاقة تترقب إلى ما ستؤول إليه الأحداث السياسية في المنطقة ونتيجة كل تلك الحروب المتشابكة، وحسب تطور الأوضاع ومدى استمرار الأحداث والاضطرابات وما تحمله من تداعيات على المنطقة العربية ومعدلات تضخم أسعار النفط والغاز.

 

وتأكل نيران دول العالم الأول التي تدعي السلام والديمقراطية بلاد المنطقة العربية التي باتت على بعد خطوات من حرب إقليمية وربما عالمية ثالثة، في ظل تفاقم الخسائر البشرية وزيادة معدلات النزوح والفقر والتشريد والموت جوعًا أو قصفًا.

حروب المنطقة العربية