رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنتاج الطاقة المتنوعة.. هل يكون المشروع القومى القادم؟


إن هناك تراجعاً حاداً فى معـدلات تنفيذ خطط تنمية حقول الخام نتيجة لظروف ما بعـد أحداث 25 يناير، فتراجعـت معدلات إنتاجها وعـجزت الدولة عـن سداد حصة الشريك الأجنبى!

أصبح موضوع إنتاج الطاقة من أهم القضايا المطروحة على الساحة المصرية باعـتباره موضوع الساعة والمستقبل، إذ تُعـتبر الطاقة محور تنمية الأمم وتقدم الشعـوب، وتمتلك مصر مصادر متنوعة لإنتاج الطاقة بحكم موقعها ومناخها وتعـدد مواردها وطبيعة تضاريسها، وبذلك يُمكنها إنتاجها بمعـدلات تُؤمن احتياجاتها وبما يضمن تنمية مقدرتها الاقـتـصاديـة المتأثرة بالسلب، بل ويضمن تنميتها الشاملة ، وتصدير فائضها الهائل إلى أوروبا وأفريقيا بما يُعـظم إجمالى ناتجها القومى، ويُؤدى إلى ازدهارها ورفاهـية شعـبها واستعادة مكانتها الإقليمية ووزنها الدولى، ولا شك فى أن مصر قد أصبحت فى مسيس الحاجة إلى وضع رؤية استراتيجية لتنويع إنتاج الطاقة لعـدة مبررات:

أولاً: إن الدراسات التى أجرتها وزارة الكهرباء أوضحت أن مصر تحتاج إلى زيادة إنتاجها ثلاثة آلاف ميجاوات سنوياً، وهـو ما لا يمكن تحقيقه بواسطة المحطات الحرارية القائمة ذات القدرات المحدودة أو التى قد يتم إنشاؤها (هذه الزيادة ستتضاعـف عـند وضع قرارات التقسيم الإدارى الجديد للمحافظات ومشروعات تنمية محور قناة السويس ومشروعات المخطط العام للساحل الشمالى موضع التنفيذ)، ثانياً: إن هناك تراجعاً حاداً فى معـدلات تنفيذ خطط تنمية حقول الخام نتيجة لظروف ما بعـد أحداث 25 يناير، فتراجعـت معدلات إنتاجها وعـجزت الدولة عـن سداد حصة الشريك الأجنبى! ثالثاً: فقد ترتب على ذلك عـدم قدرة هذه الحقول على إمداد المحطات الحرارية بالكميات المطلوبة لإنتاج الطاقة بكامل قدرتها الإنتاجية، رابعاً: نتج عن ذلك تراجع معـدلات أداء القطاع الصناعى فتأثرت بالتالى المقدرة الاقتصادية للدولة وتعاظم استيراد الخام فتراكمت ديونها.

وترتيباً على ذلك: برزت الحاجة الاستراتيجية المُلحَّة التى تفرض على الدولة سرعة تحركها لإقامة المحطات النووية ذات القدرات الهائلة بمنطقة الضبعة، إذ تشير الحقائق العـلمية إلى أن الحرارة المتولدة من انشطار رطـل واحـد من «اليورانيوم» تعـادل تلك المتـولـدة من احتراق1250 طن فحم لإنتاج 11 مليون كيلووات ساعة.

أما فى مجال الطاقة المتجددة فقد تناول أ.د. هانى النقراشى إنتاج الطاقة الشمسية بإنشاء تجمعات أبراج حاملة للمرايا العاكسة فى صعـيـد مصر حيث تسطع الشمس طوال العام ، كما تناولها أ.د. محمود عمارة فى دراسة جدوى غاية فى الأهمية عن طريق تغـطية المسطح المائى الهائل لبحيرة ناصر بالمرايا العاكسة بما يُحافظ على 10 مليارات متر مكعـب تفقده البحيرة سنويا فى عملية البخر! مع تحديد العائـد الضخم على الدولة عند تصديرها، كما يمكن إنتاج الطاقة من الرياح التى تهب على السواحل الغربية طوال العام تقريباً، وعلى هضبة السلوم ونقـب حلفايـا وسلسة جبال البحر الأحمر وجبال وسط وجنوب سيناء.

أما «الطاقة الكهرومائية» فيمكن استخراجها بإحياء دراسة شق قناة بين البحر المتوسط ومنخفض القطارة، فإذا عـلمنا أن هذا المنخفض ذا المساحة الشاسعة يصل منسوبه إلى 145متراً تحت سطح البحر، لأدركنا على الفور حجم الطاقة الكهرومائية الهائلة التى يمكن توليدها من هذا المشروع العـملاق، وهو ما يضمن إحداث التنمية الشاملة للصحراء الغربية، إذ يمكن إنشاء محطات تحلية مياه عملاقة لرى مساحات شاسعة لزراعـة القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتى من هـذه السلعة الاستراتيجية، وتستعـيد مصر مكانتها عـندما كانت قبو الحنطة للإمبراطورية الرومانية، كما يمكن إنشاء مصايد ومصانع للثروة السمكية تسهم فى سد الفجوة الغـذائية الراهنة، وإقامة أكبر منتجع سياحى عالمى حول المنخفض.

هذه الطاقة الهائلة المتجددة تكفى لإحداث التنمية الشاملة التى تأخرت كثيراً فى محافظات الصعـيد، خاصة أن التقسيم الإدارى الجديد سيضيف إليها مساحات شاسعة، إذ يمكن استغلال الطاقة الشمسية فى تحلية مياه البحر الأحمر بمحطات تحلية عملاقة تُلبى مطالب الحياة اليومية للتجمعات السكانية التى قد تُنشأ، واستخراج المياه الجوفية بالمعـدلات التى تلبى احتياجات الزراعة والتصنيع والخدمات، وتلبى مطالب المشروعات الصناعـية العـملاقة التى سيتم توطينها فى محور قناة السويس خاصة صناعات تكرير البترول والبتروكيماويات وتموين السفن وحاملات الحاويات العملاقة، وصناعة وتصديـر السيارت والقطارات فائقة السرعـة وبناء السفن، ويضمن إحداث التوازن «الديموجرافى» الذى عانت منه مصر كثيراً بتوزيع التجمعات السكانية حول المشروعات القومية بدلاً من تكدسها على الشريط النهرى الضيق وتوزيع أهدافها الاستراتيجية بما يضمن صيانة أمنها القومى وهو الأهم، أما الفائض الهائل من الطاقة فيمكن تصديره إلى أفريقيا وأوروبا بما يُعـظم ناتجها القومى الإجمالى.

وصفوة القول: فإن مصر يُمكنها أن تصبح مركزاً لإنتاج وتصدير الطاقة المتجددة بحكم تنوع مصادرها وتوسط موقعها بما يضمن تعـظيم دخلها القومى لتنتقل من قائمة أفقر35 دولة فى العالم إلى قائمة الدول متوسطة الدخل على المدى القريب، ثم إلى قائمة الدول عالية الدخل على المدى المتوسط.. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

■ خبير سياسى واستراتيجى