رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محددات تنمية سيناء.. الضوابط والمعايير


أن قوة الدولة لا تقاس بالقدرة العـسكرية فقط مهما كان مدى تفوقها، بل إن القدرة العسكرية ذاتها لا يمكن الاحتفاظ بها عـند تدنى القدرة الاقتصادية، أو فى غـياب التقدم العـلمى والتكنولوجى

بدأت عـناصر القـوة فى التمحور حول العامل الاقتصادى فى القرن الماضى، وبالرغم من ذلك فمازالت القوة الشاملة للدولة تقاس على أساس استراتيجى حربى، باعتبار أن القوة العـسكرية هى الأداة الرئيسية لفرض الإرادة، وإذا كان هناك درس من القرن العـشرين فهو تفكك الاتحاد السوفيتى، وهو الدرس الذى يمكن إيجازه فى أن قوة الدولة لا تقاس بالقدرة العـسكرية فقط مهما كان مدى تفوقها، بل إن القدرة العسكرية ذاتها لا يمكن الاحتفاظ بها عـند تدنى القدرة الاقتصادية، أو فى غـياب التقدم العـلمى والتكنولوجى، وقياساً على ذلك فإن سيناء بما تمتلكه من موارد طبيعـية متاحة، تستطيع أن تسهم بقدر كبير فى تعـظيم المقدرة الاقتصادية للدولة بقطاعاتـها المختلفة، القطاع الاستخراجى كالزراعة فى السهل الساحلى والثروة المائية على سواحل البحرين المتوسط والأحمر وخليجى السويس والعـقـبـة والـنفـط والفحم والقطاع الإنتاجى الصناعى الذى يعـتمد على الـتعـديــن فى وسط سيناء فى منطقة الهضاب، والقطاع الخدمى الذى يعـتمد على النقل البحرى من ميناءى شرق بور سعـيد والعـريش، ويعـتمد أيضاً عـلى السياحة فى جنوبها الجبلى وشواطىء خلجانها، ومثل هـذا المشروع القومى العـملاق بمكوناتـه واستثماراتـه الضخمة يمكن أن يلعـب دوراً حيـويـاً فى المشاركة فى تعـظيم القـوة الشاملة لمصـر وتعـزيز مكانتها الدولية بعـد تنمية قدرتها الاقتصادية المتأثرة بالسلب.

ويمكن تحقيق توازن مكانة مصر عـند اتساق جميع المقومات الأساسية التى تتشكل من خصائصها القومية، أى عـندما تتسق معـطياتها الجغـرافية والحضارية والـديـمـغـرافيـة مع مقـدراتها السياسية والعسكرية والاجتماعـية وتنمية قدرتها الاقتصادية المتدنية لتتسق مع القدرات الأخرى، ثم التفاعـل السليم بين قـوتها البشرية وبين هـذه المعـطـيـات وتلك المقـدرات، بشرط أن تكون هذه المقدرات فى وضع القوة الذى يكفل لها أن تكون قائدة لتفاعلات نسقها الإقليمى.

وقد تميزت الفترة التى أعـقـبـت عـملية الإرهاب الدنيئة التى تمت بالقرب من رفح بكثرة التحليلات السياسية والإستراتيجية التى تناولت الإجراءات الأمنية لتطهير سيناء من بؤر الإجرام والإرهاب، التى تمكنت من التمركز وسط سيناء فى جبل الحلال وجبل يلق والمغارة، وقد دعا الجميع إلى الإسراع فى إحياء وتفعـيل المشروع القومى لتنمية سيناء كحاجة إستراتيجية ملحة، لما لها من ارتباط وثيق بينها وبين بنيان الأمن القومى المصرى، باعـتبارها من أهم الاتجاهات الاستراتيجية لمصر، كما قام البعـض بإلقاء الضوء الكاشف على دور الدولة فى إحداث التنمية المنشودة، خاصة فيما يتعـلق بمركزية التخطيط، وإنشاء كيان إدارى فعال لـه سلطاته القانونية والإدارية والمالية الملزمة للجميع، بما يكفل لهذا الكيان الإشراف على التنفيذ والمتابعة والمحاسبة، فالتخطيط الاستراتيجى السليم، والإدارة الرشيدة هما الضمانة الرئيسية لتحقيق النتائج المرجوة، وبالتالى ضمان المشاركة الفعالة فى تعـظيم المقدرة الاقتصادية للدولة.

وفى هذا السياق وجدت أنه من المناسب أن أشارك بقدر يسير بموضوع هذا المقال فى إبراز بعـض الضوابط والاعـتبارات التى يلزم مراعاتها كحاجة إستراتيجية ملحة لإحداث التنمية الشاملة لشبه جزيرة سيناء، وفى ظنى أن أول هذه الإعـتبارات التى يتعـين مراعـاتها فى خطة التنمية، أن تحقق أربع وظائف رئيسية، الأولى هى الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعـية، والثانية ضرورة العـمل على زيادة مساحة القاعـدة الإنتاجية بما يتسق مع تنوع الموارد المحلية المتاحة فى سيناء، والوظيفة الثالثة هى توفير القدر المناسب من فرص العـمل الحقيقـية التى تتسق مع مساحة هذه القاعـدة الإنتاجية، أما الوظيفة الأخيرة فهى العمل على توزيع المراكز الاقتصادية الاستراتيجية بما يضمن أفضل توزيع جغـرافى للسكان من ناحية، وأفضل انتشار للأهـداف الاستراتيجيـة بما يضمن تأمينها فى هذا الإتجاه الاستراتيجى الرئيسى. ونأتى إلى ثانى الإعـتبارات وهو ضرورة التنسيق لإحداث التكامل بين مستويات التخطيط والإدارة «القومى ـ الإقليمى ـ المحلى» بما يضمن توحيد المفاهيم، بين الإدارة العـليا والوسطى والتنفـيذيـة، حتى يهدف هذا التنسيق والتكامل إلى ضمان تحقيق الوظائف والأهـداف المخططة بأعلى عائـد ممكن، أما الاعـتبار الثالث فهو ضرورة التعامل مع سيناء عـلى أنها كلٌ متكامل، أى اعـتبارها وحدة تنموية واحدة لها خصائصها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعـية، والتى يلزم تنميتها وفقا لمخطط استراتيجى واحد، بمعـنى ضم الخطط التنموية لشرق بورسعـيد، وشرق الإسماعـيلية، وشرق السويس، فى المناطق التابعة لهذه المحافظات فى سيناء، وكذا المخططات التنموية لمحافظتى شمال وجنوب ومحافظة وسط سيناء حال إنشائها ضمن المخطط الاستراتيجى العام لتنمية سيناء، كما ينبغى ربط الخطط التنموية التفصيلية ببرامج تمويل واضحة، وبرامج زمنية محـددة، وتكون هذه البرامج ملزمة لجميع مستويات الإدارة حتى يمكن ضمان تحقيق النتائج.

أما أول الضوابط التى يجب الالتزام بها، فإنه يتعـين أن يتسق المخطط الاستراتيجى العام لتنمية سيناء مع متطلبات واشتراطات الناحية الأمنيـة، مع الوضع فى الاعتبار أن سيناء تتمتـع بخـصائـص جيــوإستـراتـيـجـيـة فريـدة بحكم الموقع والدور، فهى بحكم موقعـها تعـتبـر الاتجاه الاستراتيجى الرئيسى للأمن القومى المصرى.

■ محافظ بورسعيد الأسبق

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.