رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مكتبات المثقفين 18

ميسرة صلاح الدين: "فعل القراءة" في حد ذاته لا يتأثر بالوسيط المستخدم

ميسرة صلاح الدين
ميسرة صلاح الدين

تعد المكتبة من أبرز ما تجده في منازل الكتاب والمثقفين، بل تكاد منازل بعضهم قد تحولت إلى مكتبات يعيشون فيها.

وحول مكتبات الكتاب، وكم فقدوا منها خلال تنقلاتهم وأسفارهم، وهل يعير الكاتب كتبه أو يستعيرها، وغيرها من المحاور يقدمها "الدستور" في سلسلة حوارات مكتبات المثقفين.

وفي الحلقة الـ18 من حلقات هذه السلسلة من الحوارات يحدثنا الكاتب المسرحي والشاعر والمترجم ميسرة صلاح الدين، عن مكتبته وأول كتاب اقتناه، وما الكتاب الذي لا يستطيع الاستغناء عنه، وأهم الكتب في مكتبته وغير ذلك؟

متى اشتريت أول كتاب؟

"إلى الكاتب الألمعي والأديب اللوذعي...ميسرة صلاح الدين"، أهداني والدي وأنا في نهاية المرحلة الإعدادية "رباعيات صلاح جاهين" وكتب لي ذلك الإهداء قرأت الكتاب كاملا في ساعة واحدة وأكاد أكون حفظته عن ظهر قلب.

وكانت تلك هي المرة الأولى التي اقرأ فيها مقدمة لديوان شعري تتضمن شرج وتحليل ورؤية إنسانية وثقافية والتي كانت بقلم الأديب الكبير "يحيى حقي" والتي جعلتني أدرك إن الفن والأدب يحمل عمقا وأبعادا تتجاوز إدراك القراءة الأولى.

لم يكن ذلك بالطبع كتابي الأول، فقد بدأت القراءة في مرحلة مبكرة من حياتي ولم يكن كذلك ديواني الشعري الأول فقد كنت قرأت لفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم وعبد الوهاب البياتي وعمر أبو ريشة وبعض من مسرحيات صلاح عبد الصبور.

وكانت في منزلنا مكتبة كبيرة تحتوي على روائع الأدب الروسي والكثير من كتب الفلسفة وعلم النفس وبعض من كتب تبسيط العلوم وغيرها.

 

 ما أهم الكتب في مكتبتك؟

امتلك مكتبة كبيرة، بدأت في تكوينها منذ مراحل دراستي الإعدادية من مصروفي البسيط، ثم دعمتها بالكثير من الإصدارات في مرحلة الجامعة عندما بدأت أعمل بجانب الدراسة وأنفق معظم ما أتقاضاه في شراء الكتب.

اشتريت عدد كبير من الكتب العربية والمترجمة وكنت أميل لاقتناء الأعمال الكاملة للشعراء والأدباء واقتنيت العديد من مجلدات الفن التشكيلي التي تتضمن لوحات الفنانين العالمين ومخلص سيرتهم الذاتية وفلسفة أعمالهم.

وحرصت على اقتناء "تاريخ الجبرتي"، و"قصة الجنس البشري"، و"تاريخ الفلسفة"، و"ألف ليلة وليلة". كنت أقرأ بنهم شديد وأتميز بالسرعة الشديدة في القراءة، فقد كنت أنهي الكتاب في جلسة واحدة لو كان صغير الحجم أو متوسط أو في عدة جلسات قليلة لو كان يتميز بضخامة الحجم.

كنت اهتم بكل كتاب وأحافظ على نظافته وحالة الورق والغلاف، وفي كثير من الأحيان كنت ألخص الكتاب وأكتب الملاحظات وأضع الإشارات المرجعية.. كنت محموما بالقراءة ومخلص لها.

 

 ما الكتاب الذي لا يمكنك الاستغناء عنه؟

امتلكت في كل مراحل حياتي العديد من الكتب التي كنت أتصور إنني لا أستطيع الاستغناء عنها وكنت أحرص على ألا أفارقها كانت مجلات الأطفال أليفي الأول، ثم أصبحت دواوين الشعر والروايات وفي وقت لاحق كتب الفلسفة وعلم النفس.

أصابتني بعض الكتب بالصدمة مثل كتاب "الأمير" لميكا فيلي، وبعضها باليأس عندما طالعتها في سن مبكرة ولم أفهم منها إلا النذر اليسير.

عندما قرأت أعمال "آرثر رامبو" للمرة الأولى ظللت أحملها في كل مكان لعدة أشهر، وعندما قرأت ديوان "نيكانور بارا" شعرت بدهشة شديدة وظننت إنني لم أعد في حاجة لقراءة الشعر مرة أخري وأصابني نفس الإحساس عندما قرأت أعمال "هانز كريستيان أندرسون" رغم بساطتها الشديدة.

ومع الوقت أدركت إن الإخلاص والرغبة في طرح إبداع مغاير هو المادة الخام التي تجذب القارئ لأي كتاب وتمد بينه وبين الكتاب جسور الصلة والصداقة.

ما الكتاب الذي لديك منه أكتر من نسخة منه؟

وقعت في ذلك الفخ كثيرا، ولكنى لم أدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان، كان لدي في وقت من الأوقات أربع نسخ من "فن كتابة المسرح" للاجوس أجري وثلاثة نسخ من مختارات للشاعرة "شيمبوريسكا"، وعدة نسخ من رواية "قلب الليل" لنجيب محفوظ، وربما خمسة نسخ أو أكثر من كتاب "التفكير العلمي" لفؤاد زكريا.

بعضًا من هذه الكتب اشتريتها عدة مرات بدون قصد، حيث كنت أشتري الكتاب، ولكني لا اقرأه على الفور ولذلك أنسي إن لدي نسخة منه فأعيد شراءه كلما واتتني الفرصة.

وفي بعض الأحيان كنت أفقد النسخة فأعيد شراءها ثم أعثر عليه وبالنسبة لكتاب "فن كتابة المسرح" فقد اشتريت منه النسخة المختصرة ثم أعدت شرائها مرة أخري عندما وجدتها في سوق الكتب المستعملة "شارع النبي دانيال" ثم اشتريت النسخة الكاملة عندما توفرت، وبعد فترة وجدت نسخة باللغة الإنجليزية في معرض القاهرة للكتاب فحرصت على اقتنائها.

في كثير من الأحيان كنت أهدي النسخ الإضافية لأحد الأصدقاء كعلامة على الود والمحبةـ وفي أحيان أخري كنت احتفظ بها، ولكني أوزع النسخ في أماكن متفرقة حتى لا أفقدها مع الوقت أو انسي أماكنهم بالجملة.

هل فكرت أن تستغني عن مكتبتك أو كتبت وصية بشأنها؟

 

السؤال صعب.. والتفكير في إجابته أمر في غاية الصعوبة، صادفت في شارع "النبي دانيال" وفي "سور الأزبكية " كثير من الكتب التي تحمل توقيع وإهداء من كتاب ومؤلفين لأشخاص عادية وقد تخلوا عنها أو ربما تخلي ذويهم عنها بعد رحيلهم. وصادفت كتبًا تحمل إهداء لكتاب ومؤلفين لبعضهم البعض، ولكن تم التخلص منها لأسباب مختلفة.

تخلى الكثير عن مكتباتهم وتخلي الكثير من الأبناء عن مكتبات أباءهم بعد رحيلهم أو حتى أثناء حياتهم وفي فترات مرضهم.

كما انتشرت مؤخرا ظاهرة بيع المكتبات أو إهدائها للغير بسبب ضيق المساحات أو تغير الثقافة وقلة الاهتمام بالكتب أو توفر بدائل أخرى للقراءة والاطلاع أقل تكلفة واستهلاكا للمساحات.

تلك المواقف تدفعني للتفكير في مكتبتي كثيرًا وفي مستقبل الكتب التي امتلكها، ولكني لم أصل حتى الآن إلى إجابة شافية، ولم أصل ليقين تام لما سيحدث لمكتبتي في المستقبل.

كم مكتبة فقدت لظروف خارجة عن إرادتك؟

انتقلت عدة مرات من سكن إلي سكن مختلف وفي كل مرة كنت أفقد خلال عملية النقل بعض الكتب كما أنني كونت مكتبة صغيرة أثناء أدائي الخدمة العسكرية ولم أستطع اصطحابها معي بعد أن أتممت خدمتي، وكذلك كونت مكتبة أخرى عندما أقمت لفترة خارج البلاد ولم أستطيع أن اصطحابها معي كذلك في رحلة العودة يبق الأمر محزنا دائمًا وخصوصا عندما يغلب على ظنك إن الكتب التي تخليت عنها وتركتها وراءك لن يقرأها أحد أو يوقرها بالقراءة.

 ما الكتاب الذي تمنيت اقتناءه ولم تعثر عليه؟

الكثير من الكتب الأجنبية لا يمكن العثور عليه بسهولة وخصوصا كنسخة ورقية/ أصبح الأمر مختلفا بعد شيوع ثقافة الكتاب الإلكتروني وإتاحة الشراء من خلال منصات بيع الكتب العالمية المكتبات كنسخ رقمية. ولكن ما زال الحصول على الكتاب بلغته الأصلية كنسخة ورقية أمر شديد الصعوبة وهناك العديد من القيود والضوابط المتعلقة بشراء الكتب من الخارج.

هل تشتري كتب ولا تقرأها لظروف ضيق الوقت أو غيرها؟

أحرص طوال الوقت على شراء كتب، حتى لو كنت أعلم أنني لن أقرأها على الفور، وربما لن أقرأها كاملة على الإطلاق. في الأغلب تنتمي تلك الكتب لفئة الموسوعات والأعمال الكاملة وكتب التراث التي أرجع لها بين الحين والآخر لاستخراج معلومة أو البحث في أمر محدد.

ومع الأسف الشديد امتد الأمر مع الوقت -نظرًا لانشغالات متعددة- ليشمل الروايات والدواوين الشعرية فلم أحسن ضيافتها وتركتها مهجورة ولم يتسن الوقت لقراءتها رغم رغبتي الشديدة في ذلك.

هل تحدد ميزانية لتزويد مكتبتك موسميا في مناسبات كمعرض الكتاب؟

الأمر يسير بشكل عشوائي تماما.. في كل مرة أرصد مبلغ نقدي محدد وأظن أنه مناسب تماما نظر لعدم حاجتي للمزيد من الكتب ولا تحتوي قائمة مشترياتي إلا على عدد محدد من الكتب.

ولكن لا يحدث إلا عكس ما توقعت حيث أعود من المعرض وقد أنفقت أضعاف المبلغ المقرر ولم أستطع أن أقتني كل ما أحلم باقتنائه من الكتب.

العجيب في الأمر إنني أحمل معي دائما عند زيارة معارض الكتاب مبالغ إضافية من المال يحلو لي أن اسميها "مبلغ الطوارئ" وأقرر في البداية أن أتعامل مع هذا المبلغ بحرص شديد ولكن أنفقه بالكامل في كل مرة.

هل تعير كتبك لأحد وهل تستعيدها أم لا ترد إليك، وهل تستعير كتب من الأصدقاء وهل تعيدها؟

لم أخض تجربة الاستعارة والإعارة – حسب ما أذكر- إلا عندما كنت أتوجه الي مكتبة المدرسة لاستعارة الكتب وقد انتهيت في منتصف التعليم الإلزامي من قراءة كل ما في تلك المكتبة من كتب ثم توقفت عن الاستعارة تماما وأصبحت احرص على أن أقتني الكتب.

 

هل هناك تأثير للتكنولوجيا على القراءة؟

العلاقة بين الكتاب الورقي والتكنولوجيا الرقمية علاقة شديدة الالتباس والتعقيد، بينهما في الظاهر عداوة واضحة وتنافر شديد.

ولكن في حقيقة الأمر فإن "فعل القراءة" في حد ذاته لا يتأثر بالوسيط المستخدم سواء كانت نقوش حجرية في معبد قديم أو مطوية من الجلد عمرها ألف عام أو قرص تخزين صلب أو سحابة رقمية مخزنة في الفضاء الإلكتروني.

لقد أصبحت اليوم الثقافة الرقمية والوسائط الإلكترونية من أهم مصادر البيانات والمعلومات ومن أهم وسائل التخزين والتحليل والاستنتاج والمعالجة وهو أمر لا يمكن إنكاره أو التغاضي عنه في كل الأحوال.

ولكن يعيبه بشكل أساسي إن القراءة من خلالها تسير عند أغلب القراء بنمط يغلب عليه العشوائية والارتجال الناتج عن سيولة البيانات وكثرة الروافد المغذية وسهولة الحركة بين المصادر المتنوعة والمواضيع المختلفة.

القراءة الإلكترونية والوسائط التكنولوجية سلاح خطير يمكنه أن يصنع المعجزات ويغير شكل الثقافة والفهم، ويمكنه أن يخدع ويضلل ويحجب المعلومة أو يخفيها بين أكوام من البيانات التي لا فائدة منها.

ماذا عن قراءة الكتب الإلكترونية؟

اعتمد على القراءة الالكترونية بشكل أساسي مشاريع الكتابة التي تحتاج لمجهود بحثي كبير ويشمل ذلك معظم أشكال الكتابة كالمسرح، والترجمة، والمقال، وغيرها.

ولعل القراءة المرتبطة بمشاريع الإبداع والبحث، أصبحت مؤخرا هي النمط السائد بالنسبة لقراءاتي، ولم تعد القراءة كما كانت كسابق عهدها ترتبط بالمتعة والانتقاء القائم على الرغبات الذاتية، بل أصبحت مرتبة وموجهة في خدمة أهداف محددة وأغراض واضحة بشكل أكثر نضجا ووضوحًا.