رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«روشتة» عملية لإعادة الثقافة إلى عرشها التاريخى فى مصر

الثقافة
الثقافة

- انتهاء عصر «إدارة الدولة للثقافة» وقصر دورها على الرقابة والحفاظ على البنية التحتية للمؤسسات

- الاتفاق على سياسة ثقافية بمشاركة كل أصحاب المصالح بما فيها القطاع الخاص

- صياغة رؤية ثقافية تمكن المواطنين من الإنتاج والاستهلاك والاستمتاع بالفنون

أى دور ثقافى يمكن للدولة أن تلعبه فى القرن الحادى والعشرين؟.. سؤال يطرحه مؤلفان فى كتابين محورهما «العمل الثقافى ومستقبله»، فى ظل التحديات التى تواجه مصر من الداخل والخارج، وانطلاقًا من أن الدولة المصرية، فى «رؤية مصر ٢٠٣٠»، كانت قد أبرزت عددًا من التحديات الثقافية التى تحتاج للتعامل معها، ومنها ضعف المؤسسات الثقافية والتراثية، والتفاوت فى إتاحة جودة الخدمات الثقافية المقدمة بين المحافظات، والفاعلية المحدودة للخدمات الثقافية فى التنشئة. 

الكتاب الأول «من الإرشاد إلى التثقيف»، الذى يدرس فيه الأكاديمى محمد محمود عبدالعال أوجه النقص التى تعترى المؤسسات الثقافية، بالتركيز على هيئة قصور الثقافة، وذلك عبر مسح لتاريخ وزارة الثقافة ومؤسساتها، ليطرح فى النهاية رؤيته لإنقاذها من عثراتها وتفعيل دورها.

وفى كتاب «تحولات الثقافة فى مصر» يعود صبحى موسى أيضًا إلى التاريخ، ليكشف عن الأهمية التى حظيت بها وزارة الثقافة ومؤسساتها فى أوقات سابقة، ويطرح رؤيته لتشكيل خطة ثقافية مستقبلية قادرة على مواجهة تحديات الراهن. 

«من الإرشاد إلى التثقيف».. التاريخ النقدى لوزارة الثقافة المصرية

بالتركيز على الهيئة العامة لقصور الثقافة، يدرس الباحث والأكاديمى محمد محمود عبدالعال تاريخ وزارة الثقافة المصرية، والتحولات التى مرت بها، وسبل تفعيل دورها، فى كتابه: «من الإرشاد إلى التثقيف.. تاريخ نقدى لوزارة الثقافة المصرية»، الذى كان فى الأصل أطروحة دكتوراه أجيزت فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عام ٢٠١٩، وصدرت فى كتاب حديث عن «مدارات للأبحاث والنشر».

يتعرض المؤلف لوزارة الثقافة منذ تأسيسها إبان العهد الناصرى بهدف بناء المجتمع القومى العربى الاشتراكى، وصولًا إلى وضعها فى العقود الأخيرة، ويسعى للوقوف على أثر بنية المؤسسات الثقافية التشريعية والمالية والفنية والإدارية على حالة التنمية الثقافية فى مصر، وتأثير الجمود المؤسسى للوزارة على وضعية الثقافة. 

وتركز الدراسة على الهيئة العامة لقصور الثقافة بفروعها، انطلاقًا من كونها من أقدم المؤسسات الحكومية، والممثل الثقافى للدولة فى الأقاليم، إذ تمتد فروعها فى المحافظات والقرى والمدن والمراكز، وبالتالى مخاطبة فئات عديدة وشرائح متباينة فى مجالات الثقافة العامة والسينما والمسرح والموسيقى والفنون الشعبية والفنون التشكيلية وخدمات المكتبات والمساعدات الثقافية، علاوة على أن عدد العاملين بها، كما أظهرت إحصائية ليست بالقديمة، يعادل عدد العاملين فى الوزارة كاملة. 

يرصد الباحث تاريخ وزارة الثقافة المصرية منذ تأسيسها تحت مسمى «وزارة الإرشاد القومى»، مشيرًا إلى أنه فى الخمسينيات والستينيات اهتمت القيادة السياسية بدعم المشروعات الثقافية، إيمانًا بأن ازدهار الثقافة يؤدى فى مجال الفكر ما يؤديه التصنيع فى قطاع الصناعة، فسعت لرعاية النشاط الثقافى، والبدء فى تشكيل الوعى القومى وفق التوجهات الأيديولوجية للدولة. 

ظلت وزارة الثقافة تتأرجح بين الإلغاء والإنشاء، والدمج فى وزارة الإعلام تارة أو وزارة السياحة والآثار تارة أخرى، حتى شهدت استقرارًا نسبيًا فى بنيتها التنظيمية، منذ الثمانينيات إلى عام ٢٠١٥. ومنذ نشأتها وحتى عام ٢٠١٥ تعاقب عليها ٢٨ وزيرًا، وكان لهذا تأثير على أهداف الوزارة، وسير العمل فى المؤسسات التابعة لها. وفى الفترة من ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، جرى تغيير ٩ وزراء فى نحو ٣ سنوات فقط، فى حين شهدت الفترة من بعد ٣٠ يونيو حتى ٢٠١٥ تغيير ٤ وزراء. 

ويشير الباحث إلى أنه رغم التغيرات المتتالية فى الوزراء، وحتى التغيرات فى السياسة الاقتصادية فى مصر بتحولها من الاشتراكية إلى الانفتاح، فقد ظلت المؤسسات الثقافية تابعة للدولة ويملكها القطاع الحكومى، كما أنها ظلت مفتقرة إلى قنوات مؤسسية تقدم العون إلى الفاعلين الثقافيين من الأفراد أو القطاع المدنى.

ويدلل الباحث على الضعف الذى اعترى المؤسسات الثقافية على مدار تاريخها، وعلى رأسها الهيئة العامة لقصور الثقافة، بالحديث عن عدم تناسب المواقع والفعاليات الثقافية، رغم تطويرها مع أعداد السكان المتزايدة، فما زالت المناطق الفقيرة والريفية تعانى نقص الخدمات الثقافية. كما أن التغيير المستمر فى القيادات، وضعف المخططين فى الوزارة والهيئة، قاد إلى خلل فى التخطيط الاستراتيجى.

ومن الوجوه الأخرى الكاشفة للضعف المؤسساتى، يتحدث المؤلف عن عدم وجود قواعد حديثة ومتجددة للبيانات يمكن البناء عليها، وتعدد القوانين فى الموضوع الواحد، ما يؤدى إلى تعقيد العملية الإدارية، وكذلك تخصيص النسبة الأكبر من موازنة الهيئة العامة لقصور الثقافة لبند الأجور وتعويضات العاملين، وإهمال الموازنة الاستثمارية للثقافة. 

ويقترح الباحث فى دراسته، وبناء على المشكلات التى عاينها عبر الدراسة الميدانية والنظرية، عددًا من الحلول والمقترحات لتفعيل دور المؤسسات الثقافية، فيلفت إلى أن المبدأ العام ينبغى أن يكون معتمدًا على الانتقال من صيغة «الدولة/ الإدارة الثقافية الأبوية» إلى «الأشكال التعاونية للحياة الثقافية»، وأن يكون دور الدولة هو الحفاظ على البنية التحتية للمؤسسات الثقافية، مع الدعوة إلى إشراك المواطنين فى الحياة الثقافية، من خلال تعزيز مصالح الفرد الثقافية، وقدرته على التعبير عن نفسه، وقدرته على التعلم الذاتى الثقافى.

وخرج الباحث بجملة من التوصيات المرتبطة بمجال تفعيل التنمية الثقافية فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، منها تفعيل المنظومة الثقافية ككل، لتقوم على الشراكة المجتمعية للشأن الثقافى، وصياغة رؤية ثقافية تمكن المواطنين من الإنتاج والاستهلاك والاستمتاع بالفنون، والحصول على المعرفة، والارتقاء بالذوق الفردى والعام. 

كما دعا إلى الاتفاق على سياسة ثقافية لمصر، يشارك فيها كل أصحاب المصالح المعنيين، سواء كان حكومة أو قطاعًا خاصًّا أو مجتمعًا مدنيًّا أو مثقفين، بطريقة منهجية، وبخطة تنموية طويلة المدى لتفعيل التنمية الثقافية، وتشجيع الشراكة مع الجهات الثقافية المعنية، وخصوصًا المجتمع المدنى والقطاع الخاص والمؤسسات الدولية، فى مجال التبادل المعرفى وتطوير البرامج الفنية والثقافية. 

وأشار «عبدالعال» إلى أهمية العمل على تحقيق الأهداف الواردة فى استراتيجية التنمية المستدامة «رؤية مصر ٢٠٣٠»، فى بعدها الثقافى، ومتابعة تنفيذها، وإعادة صياغة أهداف الهيئة العامة لقصور الثقافة، بالاشتراك مع الفاعلين الآخرين، سواء كانوا محليين أو إقليميين أو دوليين، والنظر فى تحويل الهيئة العامة إلى مؤسسة عامة، تجمع بين البُعد الخدمى المحض والربحى التجارى.

ونبه إلى ضرورة تفعيل المساءلة والمحاسبة، والبحث عن موارد مالية جديدة لدعم أنشطة الهيئة العامة لقصور الثقافة، مثل دعوة البنوك والشركات والاتحادات الصناعية والتجارية، والمؤسسات الدولية والإقليمية، والمنظمات الأهلية، ورجال الأعمال، وما شابه ذلك، للمساهمة فى أنشطة الهيئة، لافتًا كذلك إلى أهمية تحديث البنية التحتية والتكنولوجية والفنية بالهيئة وفروعها فى المحافظات والأقاليم. 

«تحولات الثقافة فى مصر».. خطة مواجهة التحديات المحلية والعالمية

عوامل عدة يرى الكاتب والروائى صبحى موسى أنها تدفع لمناقشة واقع الثقافة المصرية ومستقبلها، فى كتابه «تحولات الثقافة فى مصر»، الصادر عن «دار النسيم»، من ضمنها العوامل العالمية، خاصة ما يتعلق بالحديث عن النمط السائل من القيم، الذى يفرض نفسه على العالم فى عصر الحداثة السائلة أو ما بعد الحداثة، وهو ما يستدعى التوقف أمام القيم التى فى طريقها للذوبان، والنظر فى النفق المظلم المحكوم بالتخبط والخلل. 

ومن الأسباب الأخرى التى يستدعيها «موسى» للتدليل على ضرورة البحث عن خطة شاملة للثقافة، ما يتعلق بالتحديات الخاصة بمصر والمنطقة العربية، من صعود الأصولية الدينية، وكذلك الحاجة إلى إعادة قراءة ما حدث من تحولات ثقافية وسياسية واجتماعية فى المجتمع المصرى، وما جرى من تغيرات فى الأقطاب الجديدة بالعالم، والمتغيرات على الساحة العربية وفى القارة الإفريقية. 

ويرى «موسى» أن هذه التحديات المحيطة بمصر من الداخل والخارج تستدعى وضع خطة ثقافية شاملة يشارك فيها مختلف مؤسسات الدولة المعنية بالتثقيف والتعليم وصناعة الوعى، وأن تتفاعل كل الأجهزة لمقاومة ما يحدث من انهيار فى منظومة القيم والأخلاق، وفى سبيل الوصول إلى ذلك يستدعى المؤلف تاريخ وزارة الثقافة ومؤسساتها وتطورها من عصر إلى آخر. 

ويتوقف «موسى» أمام نشأة مؤسسات الثقافة وتطورها وقدراتها، مشددًا على دورها فى التثقيف الفعلى للجمهور بدلًا من تركها نهبًا للتيارات الدينية المتشددة، فيستعرض تلك المؤسسات للتعرف على تاريخها وقوتها والأهداف التى أنشئت لأجلها، وللنظر فى كيفية تفعيل دورها فى إطار خطة ثقافية شاملة. 

ويشير المؤلف إلى أن خطة الثقافة فى العهد الناصرى كانت الترويج لمبادئ الناصرية، فاضطلعت مؤسسات الدولة الثقافية بدور إعادة تشكيل ذهن المواطن وفقًا لهذه الرؤية. وكانت الثقافة الجماهيرية أهم هذه الأدوات فخرج المثقفون فى قوافل يجوبون الأقاليم المصرية ويقدمون فنهم لأبناء القرى، طارحين حلولًا حديثة لكل ما يعانون منه. كما أقام وزير الثقافة آنذاك، ثروت عكاشة، خطته على النزول إلى القرى والنجوع، وصناعة ثقافة مدنية لدى هؤلاء الذين لم يخرجوا من قراهم من قبل ولا يعرفون الكثير عن العالم. 

ورغم ارتباط الثقافة بالدولة والنظام الناصرى، فقد كان لها دور فعال، إلى أن جاء الرئيس «السادات» وأسقط الثقافة من حساباته، فتراجعت مكانة وزارة الثقافة إلى وزارة هامشية. وبعد سنوات من حكم «مبارك» عادت الخطط الثقافية، مع وزير الثقافة فى ذلك الوقت، فاروق حسنى، لكنها خطة قامت على ممارسة العمل الثقافى بين الجدران. فلم يكن «مبارك» ولا وزير ثقافته يفكران فى فعل ثقافى حقيقى على الأرض لمواجهة التيارات المتشددة، ما أدى إلى انحسار الثقافة داخل الجدران الرخامية، وسادت فى عصره ثقافة المؤتمرات والمهرجانات الاستعراضية التى لا يحضرها سوى المشتركين بها، دون أن يستفيد المواطن شيئًا. 

ويذكر المؤلف أنه رغم مساوئ تلك الفترة على الصعيد الثقافى، إلى حد تغلغل الجماعات الدينية وسيطرتها، جاء مشروع «مكتبة الأسرة»، الذى رغم كل ما رافقه من مشكلات وفساد، أحدث نهضة حقيقية فى الطباعة والنشر، كما أحيت سلسلة كتب التنوير فى التسعينيات دور وزارة الثقافة، وعزز من ذلك اهتمام السلطة بالمشروع. 

أما عقب ثورة يناير فلم يقيض للفكر التنويرى أن يخرج عن أسره، فظهر عجز المؤسسات الثقافية، وبدا أننا ليست لدينا خطة ثقافية واضحة، وهو ما أدى إلى مرور سنوات باجتهادات ضعيفة لا ترضى طموحات الناس ولا الدولة الجديدة. 

ويدعو صبحى موسى إلى تشكيل مجموعة ثقافية، تتكون من وزير الثقافة، وتضم مختلف الوزارات والجهات التى تعمل على صياغة وعى وفكر المواطن، وفى مقدمتها وزارتا التعليم والتعليم العالى، لمواجهة الفكر السلفى، فضلًا عن المؤسسات الدينية من الأزهر ووزارة الأوقاف والكنيسة، والمجلس الأعلى للثقافة الذى سيكون متخصصًا فى وضع الخطط والأهداف.

وتشمل الخطة الاستفادة من مميزات وزارتى عكاشة وفاروق حسنى، والتخلص من مساوئ كل منهما، والوصول لمرحلة يمكن للمجتمع المدنى أن يدير العملية الثقافية، وأن ترفع الدولة يدها عن الفعل الثقافى، وتكتفى بدور المراقب والمنسق، وليس المنتج والفاعل، وكذلك السعى لإصدار تشريع يقتضى تخصيص ١٪ من أرباح المؤسسات الخاصة لصالح الأنشطة الثقافية فى المجتمع، وتعديل قانون الهيئة العامة لقصور الثقافة، بحيث تتعامل مواقعها مع الجمهور بوصفها مراكز ثقافية أهلية تدعم كل مشروع ثقافى جيد، علاوة على تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدنى والاستفادة من خبراتها ورؤاها فى رسم تفاصيل الخطة الثقافية، والنهوض بالتعليم والإعلام المنضبط.