رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"دور الكلمة في التغيير".. مفتاح سر مسرح صلاح عبد الصبور

صلاح عبد الصبور
صلاح عبد الصبور

يعد الشاعر صلاح عبد الصبور، شاعرا موسوعيا، شكلت ثقافته وفكره قراءات متنوعة، ويمثل إنتاجه المسرحي، مشروعا مسرحيا متكاملا، والهم الذي يشغله في مسرحياته هو دور الكلمة في التغيير.

دور الكلمة في التغيير كما يراه صلاح عبد الصبور

ويضيف الناقد دكتور محمد مدني، أستاذ النقد والأدب المقارن بجامعة المنيا، في دراسته النقدية “مسرح صلاح عبد الصبور الشعري”، والصادرة عن مجلة الدراسات العربية في العام 2006: “دور الكلمة في التغيير الذي آمن به صلاح عبد الصبور، لا يمكنه أن يكون فاعلا بمفرده، لكن ولا بد له من قوة تعضده وتعينه، وصاحب الكلمة إذا لم يعضدها بالقوة يكون مصيره الهلاك، بينما الذي يري ضرورة ذلك تنتصر كلماته وتؤدي دورها المنوط بها، فالحلاج في مسرحية ”مأساة الحلاج"، يؤمن بدور الكلمة لكنه يرفض أن يعضدها بالسيف ومن ثم يهلك، وقد لوحظ وجود تشابه بين شخصية الحلاج وشخصية المسيح، وقد وظف صلاح عبد الصبور المقابلة بين الشخوص في بناء شخصية الحلاج، حيث قابل بين الحلاج والشبلي، وقد وظف عبد الصبور خرقة الصوفية بوصفها حدا فاصلا بين الانعزال عن الناس والانغماس معهم، وقد مثل الشبلي الخلفية المصبوغة بلون مخالف كي تظهر عليه صورة الحلاج.

 

ويتابع “مدني” عن مسرح صلاح عبد الصبور: أما في مسرحية “مسافر ليل”، فقد كانت كلماته في مواجهة عامل التذاكر خانعة ذليلة، بالتنازلات المتوالية التي قدمها المسافر كانت المحفز الأساسي لعامل التذاكر في التمادي في تجبره وطغيانه، وقد صور صلاح عبد الصبور هنا بشاعة الواقع في سيطرة قوي البطش علي مصائر الإنسان، كما أنه صور عامل التذاكر بصورة الوحش الذي تيقن أنه قد تمكن من فريسته فأخذ يلهو بها ويتلذذ بتعذيبها، وقد كان اختيار أسماء عامل التذاكر يدل علي تجبر والتسلط بينما أسماء المسافر تدل علي الخنوع والعبودية.

 

ضرورة تعضيد القوة للكلمة

ويذهب “مدني” في دراسته عن مسرح صلاح عبد الصبور، إلي أن: شخصية القرندل في مسرحية “الأميرة تنتظر”، تري ضرورة تعضيد القوة للكلمة، فلم يكتف القرندل بالنصائح إنما قام بتخليص الأميرة من السمندل، فأغنيته التي تحدث عنها ليست مجرد كلمات إنما هي فعل كما القتل والتخليص.

ويمضي “مدني”: "أما الشاعر في مسرحية “بعد أن يموت الملك”، فقد حدث معه ما حدث مع القرندل فلولا القوة التي جابه بها الطغاة (تعضيد القوة للكلمة) لكان هلاكه ودماره، فحينما تناول الشاعر سيف الجلاد تغير مجري الأحداث حيث وافقت الملكة أن يمنحها الطفل المأمول، فالملكة مقتنعة تماما بضرورة المزاوجة بين الكلمة والسيف، ومن ثم فقد فرضت إيجابية الشاعر نفسها علي سير الأحداث خاصة في النهاية الثالثة، وقد كان الشاعر قبل الاستعانة بالقوة مجرد شخص لا قيمة له ينال من سخرية الملك الشيء الكثير.

 

ما يميز مسرح صلاح عبد الصبور

أما سعيد في مسرحية “مجنون ليلي”، فهو في منزلة بين المنزلتين فبداية الأحداث تشير لعدم إيمانه بتعضيد القوة للكلمة، غير أن مرور الأحداث أثبت له ضرورة ذلك، فكان دوره الإيجابي أن حاول القضاء علي حسام حيث آمن في النهاية أن السيد لا بد أن يشرع سيفه حتي تكون كلمته ماضية، فهو يقول عن نفسه “أنا وقت مفقود بين الوقتين”، ويبدو أن الوقت الأول هو وقت الحلاج والوقت الثاني هو وقت القرندل والشاعر.

 

 

ويخلص “مدني” إلي أن ما يميز مسرح صلاح عبد الصبور الشعري، هو وجود خط ينظم تطور فكرة جدلية علاقة الكلمة بالسيف في المشروع المسرحي بدأ مع الحلاج الذي عالج الفكرة التي مفادها “هل نتكلم أم لا؟”، وقد خلص إلي ضرورة أن نتكلم علي الرغم من محاولة السجين الثاني خلخلة هذا الأمر، ثم تأتي مرحلة سعيد والقرندل والشاعر، فسعيد أدي مهمته وانسحب، أما الشاعر فهو يمثل المرحلة الأخيرة التي بلورت المنظومة بكاملها، فقد أدي مهمته ولم يسقط أو ينسحب إنما أدي المهمة إلي النهاية.