رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بابا الفاتيكان: الاعتدال هو الفضيلة الأخلاقية التي تكبح جماح شهوة الملذات

البابا فرنسيس  بابا
البابا فرنسيس بابا الفاتيكان

أجرى قداسة البابا فرنسيس  بابا الفاتيكان صباح اليوم الأربعاء، مقابلته العامة في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان.

واستهلّ تعليمه الأسبوعي قائلًا:" سأتحدث اليوم عن الفضيلة الأساسية الرابعة والأخيرة: الاعتدال. ومع الثلاثة الآخريات، تشترك هذه الفضيلة في تاريخ يعود إلى زمن بعيد ولا يخص المسيحيين وحدهم. بالنسبة لليونانيين، كانت السعادة هدف ممارسة الفضائل. وقد كتب الفيلسوف أرسطو أهم أطروحاته في الأخلاق، وجهها إلى ابنه نيقوماخوس، لكي يعلمه فن الحياة. لماذا نبحث جميعنا عن السعادة ولكن القليلون فقط يبلغونها؟ للإجابة على هذا السؤال، تناول أرسطو موضوع الفضائل، ومن بينها فسحة مهمّة لـ enkráteia، الاعتدال. المصطلح اليوناني يعني حرفيا "السلطة على النفس". وبالتالي فإن هذه الفضيلة هي القدرة على ضبط النفس، وفن عدم الانجراف وراء المشاعر المتمردة، وإحلال النظام في ما يسميه مانزوني "اضطراب القلب البشري".

وتابع البابا فرنسيس:" يقول لنا التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية "الاعتدال هو الفضيلة الأخلاقية التي تكبح جماح شهوة الملذات وتمنح الاتزان في استعمال الخيرات المخلوقة". "وهي - يتابع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية - تؤمِّن سيطرة الارادة على الغرائز، وتحفظ الرغائب في حدود الاستقامة. ان الرجل القنوع يوجه نحو الخير شهواته الحسية، ويحافظ على اعتدال مقدس، و"لا يتتبع هواء ليسير في شهوات قلبه".

وأضاف البابا فرنسيس قائلًا:"لذلك فإن الاعتدال، كما تقول الكلمة الإيطالية، هو فضيلة التدبير الصحيح. فهو يتصرف بحكمة في كل موقف، لأن الأشخاص الذين يتصرفون دائمًا يحركهم الاندفاع أو الافراط لا يمكن الاعتماد عليهم في نهاية المطاف. في عالم يفتخر فيه الكثير من الأشخاص بأنهم يقولون ما يفكرون فيه، يفضّل الشخص المعتدل أن يفكر فيما يقوله. فهو لا يقدم وعودًا فارغة، بل يأخذ على عاتقه التزامات بالقدر الذي يمكنه أن يتمّمها."

وأشار قائلًا:" حتى مع الملذات، يتصرف الشخص بحكمة، إن التعبير الحرّ للنزوات ومنح الترخيص الكامل للمتع والملذات ينتهي به الأمر بالانقلاب علينا ويجعلنا ننزلق في حالة من الملل. كم من الأشخاص أرادوا بشراهة أن يجرِّبوا كل شيء، ووجدوا أنفسهم يفقدون اللذة في كل شيء! من الأفضل إذًا أن نبحث عن المعيار الصحيح: على سبيل المثال، لكي نستطيب نبيذًا جيد، أن نتلذّذ به في رشفات صغيرة هو أفضل من أن نتناوله في جرعة واحدة. إن الشخص المعتدل يعرف كيف يزن ويقيس الكلمات جيدًا. لا يسمح للحظة غضب بأن تدمر العلاقات والصداقات التي لا يمكن إعادة بنائها إلا بصعوبة. لاسيما في الحياة العائلية، حيث تنخفض الموانع، نتعرّض جميعًا لخطر عدم السيطرة على التوترات والانزعاج والغضب. هناك وقت لكي نتكلّم ووقت لكي نصمت، ولكن كلاهما يتطلبان المعيار الصحيح، وهذا الأمر ينطبق على أشياء كثيرة، على سبيل المثال أن نكون مع الآخرين وأن نكون وحدنا."

التحكم في الأعصاب


وأوضح أن  إذا كان الشخص المعتدل يعرف كيف يتحكم في أعصابه، فهذا لا يعني أننا سنراه دائمًا بوجه مسالم ومبتسم. في الواقع، من الضروري أحيانًا أن نغضب ونسخط، ولكن دائمًا بالطريقة الصحيحة. أحيانًا قد تكون كلمة عتاب سليمة أكثر من الصمت اللاذع والمُمتعض. إن الشخص المعتدل يعرف أنه لا يوجد شيء أكثر إزعاجًا من إصلاح الآخر، لكنه يعلم أيضًا أن ذلك ضروري: وإلا فسيُطلَق العنان للشر. في بعض الحالات، ينجح الشخص المعتدل في الحفاظ على الطرفين معًا: فهو يؤكد على المبادئ المطلقة، ويطالب بقيم غير قابلة للتفاوض، ولكنه يعرف أيضًا كيف يفهم الأشخاص ويظهر التعاطف معهم.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول ليس صحيحًا أن الاعتدال يجعل المرء رماديًا وكئيبًا. لا بل هو يجعله يستمتع بشكل أفضل بخيور الحياة: الجلوس معًا إلى المائدة، وحنان بعض الصداقات، والثقة بالحكماء، والاندهاش بجمال الخليقة. إنَّ السعادة مع الاعتدال هي الفرح الذي يزهر في قلوب الذين يعرفون ويقدرون ما هو أكثر أهمية في الحياة.