رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كبسولة فلسفية| محمد جادالله يكتب: "أسطورة الكهف".. العالم كما رآه أفلاطون

محمد سيد جاد الله
محمد سيد جاد الله

إن العالم عند أفلاطون عالمًا من: عالم المثل أو الصور والعالم المحسوس. والعالم الأول هو العالم الحقيقي لأنه العالم الأولى الأبدي، الثابت غير المتغير، أما العالم المحسوس فهو عالم غير حقيقي وهو عالم متغير فإنه غير خالد. إن العالم المحسوس الذي نعيش فيه ليس هو سوى صورًا وظلالًا للعالم الحقيقي وهو عالم المثل.

ويضرب لنا أفلاطون مثالًا يبين كيف أن العالم الحقيقي هو عالم المثل وأن العالم الحسي الذي نعيش فيه عالم وهمي وليس حقيقيًا. والمثال الذي يضربه لنا أفلاطون، في الباب السابع من كتاب «الجمهورية» (باليونانية: Πολιτεία – بالإنجليزية: Republic) هو أسطورة «الكهف».

إلى نص الأسطورة، يقول أفلاطون: «تخيل رجالًا قبعوا في مسكن تحت الأرض على شكل كهف، تطل فتحته على النور، ويليها ممر يوصل إلى الكهف. هناك ظل هؤلاء الناس منذ نعومة أظفارهم، وقد قيدت أرجلهم وأعناقهم بأغلال، بحيث لا يستطيعون التحرك من أماكنهم، ولا رؤية أي شيء سوى ما يقع أمام أنظارهم، إذ تعوقهم الأغلال عن التلفت حولهم برؤوسهم. ومن ورائهم تضيء نار اشتعلت عن بعد في موضع عال وبين النار والسجناء طريق مرتفع. ولتتخيل على طول هذا الطريق جدارًا صغير، مشابهًا لتلك الحواجز التي نجدها في مسرح العرائس المتحركة، والتي تخفي اللاعبين وهم يعرضون ألعابهم... على طول الجدار الصغير، رجالًا يحملون شتى أنواع الأدوات الصناعية، التي تعلو على الجدار، وتشمل أشكالًا للناس والحيوانات وغيرها، صنعت من الحجر أو الخشب أو غيرها من المواد. وطبيعي أن يكون بين حملة هذه الأشكال من يتكلم ومن لا يقول شيئًا».

عزيزي القارئ يجعلنا أفلاطون في هذه الأسطورة نتصور أناسًا مقيدين منذ نعومة أظافرهم في كهف مظلم، بحيث تعوقهم تلك القيود من الالتفات إلى الوراء أو الصعود خارج الكهف. وفي الكهف هناك ما يشبه النافذة التي ينبعث منها نور الشمس، وبين النور ونافذة الكهف هناك طريق يمر منه أناس يحملون أشياء عديدة، وحينما تضرب أشعة النور في تلك الأشياء تنعكس ظلالها على الجدار الداخلي للكهف.

وهكذا لا يرى السجناء داخل الكهف من الأشياء الموجودة خارج الكهف إلا ظلالها. وقد حدث أن تم تخليص أحدهم من قيوده، بحيث تمكن من الصعود خارج الكهف ولو بشق الأنفس. وقد أدرك أن الأشياء خارج الكهف تختلف عن الأشياء بداخله، بحيث تعتبر هذه الأشياء مجرد ظلال أو نسخ للأولي. هذا سُر بما رآه ثم قرر بعد ذلك العود إلى الناس داخل الكهف لإخبارهم بحقيقة ما شاهده، وتنبههم إلى حالة الأخطاء والاوهام التي يعيشونها.

صديقي القارئ بهذا نستطيع أن نصل إلى المعرفة الفطرية من خلال رموز أسطورة الكهف، فإن المقصود بالكهف عند أفلاطون هو العالم الحسي، أي عالمنا نحن وسائر الأشياء المادية حولنا. والأسري فيه هم نحن بنو البشر المكبلين بأغلال وقيود هي الجسد التي تحل فيها نفوسنا، فالجسد سجن للنفس، ولذلك فإن محاولة أهل الكهف، الدائبة نحو الإفلات من الأغلال، للنفس التي تحاول جاهدة التحرر من شهوات الجسد وأهوائه، قاصدة عالم الحقائق الكلية الأبدية، عالم القيم والمثل، عالم الحق والخير والجمال والنظام والانسجام البهاء. والضوء الذي يطل على أهل الكهف ليس إلا صورة الحقائق الكلية التي تطل على النفس فتشع فيها وتنشد وتضيؤوها بالمعارف والعلوم بعد أن كانت مليئة بالجهل المظلم بسبب محادثتها للبدن ومعاشرتها له.