رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شعبان يوسف: المجلات العربية المُلونة سبب أساسى فى فساد المثقفين «1»

شعبان يوسف
شعبان يوسف

- قال: «أنا عندى نظرية.. الفلوس تدخل من هنا والثقافة تخرج من الناحية الأخرى»

- «الشللية» أدت إلى إفساد المثقف والمبدع المصرى.. وكان هناك تسويق للأعمال به قدر من المجاملات

- المثقفون تحلوا بروح «الهزيمة» بعد النكسة وبعضهم ذهب إلى الجبهة لقتال العدو

- جزء كبير من اليسار كان مُرحبًا بالصلح مع إسرائيل

قال الناقد شعبان يوسف إن المثقفين المصريين الكبار كانوا يتحركون بروح «هزيمة الهزيمة» بعد نكسة ١٩٦٧، وبعضهم ذهب إلى الجبهة وارتدى الزى العسكرى من أجل قتال العدو.

ورأى «يوسف»، خلال حواره مع الإعلامى محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، أن المال أفسد المثقفين المصريين، وظهر هذا الفساد بشكل أكبر بعد انتشار المجلات العربية التى تمنح الكاتب أموالًا كثيرة نظير النشر فيها، معتبرًا أن «السياسة إذا دخلت فى الأدب أفسدته»، ودلل على ذلك بأن الشاعر أمل دنقل كتب «لا تصالح»، وهى ليست من أقوى قصائده، لكن طوال الوقت كان الناس يختصرون أعماله فى هذه القصيدة.

■ بداية.. ماذا حدث لشخصية المثقف المصرى؟

- منذ أواخر الستينيات، تعرفت على أسماء مهمة مثل جمال الغيطانى ويوسف القعيد وبهاء طاهر، والدكتور ثروت عكاشة جمع مجموعة من المثقفين الكبار، وكانوا يتحركون بروح «هزيمة الهزيمة» بعد نكسة ٦٧، والمثقفون طالبوا بالوقوف على الجبهة بعد النكسة وبالفعل ذهبوا وارتدوا البدلة الكاكى.

وانتشرت مجلات مثل «إضاءة»، وكانت هناك فى هذا الوقت جريدة حكومية تقاتل، وهى جريدة المساء، أيام الكاتب عبدالفتاح الجمل، وكانت تعطى مكافأة للكاتب على الموضوع تصل لـ٩ جنيهات ونصف الجنيه.

ثم جاءت السبعينيات، وكان المثقفون المصريون، شعراء وكُتاب رواية، ينشرون فى مجلات الحكومة مثل «المجلة، القصة، الطليعة، والكاتب»، وكل مجلة منها أُغلقت بمعركة.

عندما تم إغلاق تلك المجلات لجأ المثقفون للنشر على حسابهم بقروشهم القليلة، خاصة فى مجلة «جاليرى ٦٨»، وكانت المجلة تضم العديد من الأسماء الموهوبة وقتها.

وظهر نحو ٤٠ إلى ٥٠ مطبوعة فى السبعينيات، وقانون الصحافة آنذاك كان يفرض على من يريد تأسيس مطبوعة أن يدفع مبلغًا كبيرًا يصل إلى ٢٠٠ ألف جنيه، لكن كان البعض يلجأ إلى إنشاء الدوريات، وكان رائد هذا الموضوع الكاتب فؤاد حجازى، الذى أسس سلسلة فى المنصورة اسمها «أدب الجماهير» وأخرج بها جيلًا كاملًا، مثل سمير الفيل ومحمد يوسف وقاسم مسعد عليوة.

وأقامت الدولة مؤتمر أدباء الزقازيق، حينها تجمع فيه المثقفون وكان لديهم حماس كبير جدًا، وبدأت المجلات تنتشر فى الأقاليم، بعد تولى سعدالدين وهبة الثقافة الجماهيرية، وتم تأسيس مجلة «الثقافة الجديدة»، وأول عدد صدر فيها كان فى أبريل سنة ١٩٧٠.

■ متى تراجع دور المثقفين المصريين إذن؟

- كان ذلك فى فترة الثمانينيات، عندما دخلت المجلات الملونة التى تدفع أموالًا كبيرة، والكاتب رجاء النقاش حينما أسس مجلة الدوحة، كان الكتاب يتقاتلون من أجل النشر فيها. وتراجعت الطفرة العظيمة للمثقفين بعد ظهور هذه المجلات.

■ ما الأسباب الأخرى التى أدت إلى إفساد المثقف والمبدع المصرى؟

- هناك أسباب أخرى مثل «الشللية» التى كانت موجودة بشكل أكبر، وكان هناك تسويق للأعمال به قدر من المجاملات، وهو تسويق زائف، كاتب الأدب الردىء ليس أسوأ من مروجه، «واحد يكتب رواية رديئة هذه قدرته لكن كيف تروج له؟».

على سبيل المثال، هناك قصيدة شهيرة للغاية لنجيب سرور لكن ليست لها قيمة أدبية أصلًا، فتجد أن الشاعر الرائج أحيانًا يكون الشاعر «الشتّام»، يعنى صلاح عبدالصبور على سبيل المثال مثل نجيب سرور فى الشعر، لكن «مش هيعمل مشاهدات وقراءات مثله». 

■ هناك أناس يتعاملون مع نجيب سرور على أنه أيقونة وصاحب قيمة أدبية عالية، وأنه كان مناضلًا ومقاومًا.. كيف ترى ذلك؟

- الحقيقة هذا ليس صحيحًا، وأنا أعمل على كتاب حاليًا عن نجيب سرور، وكنت أحبه على المستوى الشخصى، وكنت أقابله فى مجلة الكاتب، وكان صلاح عبدالصبور يحتفى به جدًا، ولكن قد أحب الشخص ولا أحب كتابته، مثل «ياسين وبهية»، وهى العمل الذى كان فى البداية رواية وليس مسرحية، وكرم مطاوع هو من نشرها، ونجاح مسرحية «ياسين وبهية» لنجيب سرور سببه المخرج كرم مطاوع وليس النص الأدبى، وعندما تقرأ المقالات التى تحدثت عن نجيب سرور فى هذا الوقت، تجد أن ٨٠٪ منها تنتقد النص وتنسب النجاح للمخرج كرم مطاوع، «نجيب كان أكثر شخص متدلع كمسرحى فى هذا الوقت»، وكان من الممكن أن يعرض له فى الموسم الواحد ٣ مسرحيات، رغم رداءة العمل أو مستواه الضعيف، وتم نقده فى هذا الوقت بشكل كبير جدًا.

وعندما خرجت «ياسين وبهية» قدمها كرم مطاوع بشكل محترف، كان العرض أهم من المسرحية، وعندما عرض «آه يا ليل يا قمر» بعدها، أخرجها جلال الشرقاوى بشكل محترف أيضًا، لكن لم تعجب نجيب سرور بشكل خاص، رغم أن جلال الشرقاوى أضاف لها معنى مهمًا جدًا، وبعدها، كتب مسرحية أخرى «شتيمة» فى المخرج جلال الشرقاوى، اسمها «آه يا بهية وخبرينى»، وللأسف كرم مطاوع أيضًا هو من أخرجها، وكانت تتضمن خروجًا عن الأخلاقيات، خاصة عندما نشاهد فيها مخرجًا يسب ويشتم مخرجًا زميلًا له.

ولم يكن نجيب سرور مناضلًا أو مقاومًا للسلطة، وكان يكتب عن «عنعنة وشفاويات معينة»، ولم يحبس فى أى قضية شهيرة مثل «الغيطانى أو الأبنودى، وصلاح عيسى»، ونجيب سرور كتب قصائد مدح فى «عبدالناصر»، وسوف أضمنها فى كتابى عنه، وهو لم يحبس قط، ونجيب سرور أخرج أول مسرحية عن الدكتور رشاد رشدى، الذى أصبح خصمًا له بعد ذلك وهاجمه بشكل عنيف، وهناك كتاب أخير لنجيب اسمه «هكذا تكلم جحا».

وأعتبر أن لنجيب سرور ٤ مراحل، أولاها مرحلة الخمسينيات، وكانت أهم مرحلة، والتى تحدث فيها عن نجيب محفوظ، وكان ناقدًا لا يقل عن أكبر ناقد فى الوطن العربى، والمرحلة الثانية فى غربته من ١٩٥٨ حتى ١٩٦٤، وقد تكون مرحلة غامضة، ولكن هناك من كتب عنها، مثل عبدالتواب يوسف، والمرحلة الثالثة من ١٩٦٤ إلى ١٩٦٩ والتى عمل فيها على إعداد مسرحية نجيب محفوظ «ميرامار»، والتى أشعلت معركة كبيرة جدًا، والمرحلة الرابعة منذ هذا التاريخ حتى الآن، وهى مرحلة الضياع الكامل.

■ استقر الجميع على صورة معينة لنجيب سرور الناقد للسلطة وأصبح صاحب القيمة الأدبية العالية.. إذا كان ما تقوله صحيحًا فكيف إذن حظى بهذا الزخم؟

- السبب أن الجميع يهتم بقصة الكاتب أكثر من الاهتمام بالكتابة نفسها، ولا أريد أن أجرد نجيب سرور من مواهبه، لأنه ناقد مهم جدًا، وألّف أهم الكتب عن نجيب محفوظ، ومؤخرًا صدرت له من دار الشروق مجموعة دراسات على المسرح، وكانت له مواقف مثل موقفه فى فيلم «باب الحديد» ليوسف شاهين، وكان من يتولى الرقابة فى هذا الوقت نعمان عاشور، و«عاشور» أعطى السيناريو لنجيب سرور، وكان الفيلم يطالب بنقابة عمالية، وكان هناك اعتراض سياسى على هذا، وتم تحويل نعمان عاشور للتحقيق بعد إجازة الفيلم، ورفض نجيب سرور وتحمل المسئولية وحوّل نفسه للتحقيق، وكان نجيب سرور على المستوى الشخصى صاحب بطولات كبيرة، وكان حافظًا للشعر وعلى دراية جيدة باللغة العربية، وترجم مسرحية أجنبية، وهو ناقد أهم من كونه شاعرًا أو مسرحيًا، وحتى الكتب النقدية له لم تُجمع حتى الآن، وله مناظرة مع لميس الحديدى تم نشرها فى إحدى المجلات قبل وفاته، ولكن الناس «تحب تعمل قصة وحدوتة عن مرحلة الضياع التى عاشها».

ومشكلة نجيب سرور الأساسية أنه كان على خلاف مع زملائه، وكانت لديه «خناقة» مع جلال الشرقاوى، وكذلك مع كرم مطاوع رغم أنه كان صديقًا قريبًا له، واختلف مع نجيب محفوظ لأسباب شخصية، وحين أجرى الإعداد لمسرحية «ميرامار» فى المسرح الحر سنة ١٩٦٩، سقطت تمامًا، وعندما ذكر الجميع أنها سقطت، أقر بذلك واعترف وأرجع ذلك إلى أن هناك معركة بين الشباك والقيمة، وأنه كان ينتصر للقيمة، ولكن الشباك غلب فى المعركة وسقطت المسرحية، وكان هناك من يقول إنه عرض ابنه للبيع فى شارع طلعت حرب.

وبدأت أزمة نجيب سرور الضخمة عندما كتب مسرحية «قولوا لعين الشمس»، وكانت سميحة أيوب فى هذا الوقت تعمل مع نبيل الألفى مدير المسرح القومى، فذهب لسميحة أيوب وطلب منها إنتاج المسرحية بعد تأخر إخراجها، فرفض الأمر فى البداية، وبعدها اقتنع نبيل الألفى بإنتاج المسرحية، وطلب من جلال الشرقاوى إخراجها لكنه رفض وبعدها أخرجها شاكر عبداللطيف.

وحدثت مشكلات كبيرة لنجيب سرور منذ ١٩٧١، ورغم إنتاجه عددًا من المسرحيات الرائجة، إلا أنه عندما تقيسه بزملائه فى جيله، مثل محمود دياب، الذى صنع مسرحًا عظيمًا كبيرًا، لكنه لم يُحدث الضجة الكبيرة الذى أثارها نجيب سرور.

ولنجيب سرور معركة مع نجيب محفوظ، لكن يجب التوضيح أولًا أن أديب نوبل عانى من اليساريين كثيرًا، والكاتب عبدالعظيم أنيس قال عنه إنه كاتب برجوازى صغير، والناقد أنور المعداوى قال عن رواية «الأرض» إنها ريبورتاج صحفى وكتبت عن رواية إيطالية، واليساريون تجاهلوا «محفوظ» وبعضهم هاجمه، ولكن بعد فترة تنبهوا له.

وكتب نجيب سرور كتابه «نقد الثلاثية»، عام ١٩٥٨، وكان الكاتب الصحفى محمد كروب رئيسًا لتحرير مجلة «الثقافة الوطنية»، ووقتها بدأت تصله أجزاء من الكتاب من نجيب سرور نفسه، وهو ما كشف عنه «كروب» فى كتاب له صدر عام ١٩٩٣ عن دار «الينابيع» للنشر؛ تحت عنوان «الذاكرة والأوراق.. قراءات فى وجوه المبدعين»، وبعد سنوات وجدت باقى فصول الكتاب برفقة زوجة «نجيب».

■ هل أدى سلوك اليسار إلى سقوط ضحايا؟

- سلوك اليسار أدى لسقوط العديد من الضحايا، فى أغسطس ١٩٥٤، يوسف إدريس أصدر «أرخص ليالى»، ويوسف الشارونى أصدر رواية «العشاق الخمسة»، وتم تجاهلهما رغم أنهما ليس لهما أى علاقة بالسياسة.

وتجاهلوا بهاء طاهر أيضًا، وكان خجولًا واعتبر نفسه ليس من جيل الستينيات، وفى يناير ١٩٥٦ قدم طه حسين رواية «ألوان القصة القصيرة» وتم تجاهلها.

وكان مصطفى محمود نجمًا وكاتبًا مهمًا حينها، وتم تجاهله، رغم أنه طرح مجموعة قصصية بعنوان «أكل العيش»، ثم «قطعة السكر»، واليساريون ظلموا بعض الكتّاب، لأن صوت اليسار كان عاليًا، وهم أسسوا ١١ دار نشر فى تلك الفترة، وتم إغلاقها فى عام ١٩٥٨.

ونجد مثلًا أن علاء الأسوانى مُنح قيمته كأديب من موقفه السياسى، أنا أحب رواية «عمارة يعقوبيان»، لكن الرواية استُخدمت بغرض آخر غير الأدب، وتم تحويلها لفيلم واستخدامها سياسيًا.

السياسة إذا دخلت فى الأدب أفسدته، وأمل دنقل كتب «لا تصالح»، وهى ليست من أقوى قصائده، وطوال الوقت كان الناس يختصرون أعماله فى هذه القصيدة، وفى النهاية الأدب ليس مجالًا للدعاية لأى جهة دينية أو سياسية، يمينية أو يسارية. 

والكاتب سعدى يوسف له جملة لطيفة قال فيها: «لسان الأدب فقير فلا تزعجوه بأفكاركم وأيديولوجياتكم».

وظهر أدب إسلامى وقبطى، ولدينا غبريال زكى، وكتابه «وصايا اللوح المكسور»، وهى تتحدث عن تديين الأدب، وتوجد روايات الآن فيها نصائح، والإخوان فقراء الأدب، وكان لديهم كاتب واحد وهو نجيب الكيلانى، وبعد أخونته كتب أبحاثًا إسلامية، ولكن لماذا نستخدم الأدب كبوق لفكرة دينية أو سياسية أو اجتماعية، ويحدث تقييم للأعمال الأدبية بناء على هذه الأفكار، وهذا دور النقاد؟.

■ ماذا عن اليسار وإسرائيل؟

- جزء كبير جدًا من اليسار لم تكن لديه مشكلة مع إسرائيل، على سبيل المثال عبدالله الطوخى كتب رواية «الفجر القادم»، عن الصلح مع إسرائيل، وأيضًا هناك كتاب صدر لعميد الإمام فى أواخر ١٩٥٤ اسمه «الصلح مع إسرائيل».

وكان هناك صحفى فى «روزاليوسف» اسمه إبراهيم عزت ذهب إلى إسرائيل مرتين بطريقة معينة، وكتب كتابًا اسمه «كنت فى إسرائيل»، وكانت هذه الأمور شبه مطروحة، وإحسان عبدالقدوس إذا اعتبرنا أنه كان يساريًا، لم تكن لديه مشكلة فى الصلح مع إسرائيل، وأصدر رواية «لا تتركونى هنا وحدى» وتحكى قصة حب مع يهودية.

وسعد كامل أحد مؤسسى «الثقافة الجماهيرية» فى مصر، زار إسرائيل، وهناك فيلم اسمه «سلطة بلدى» يعرض هذه التجربة.

■ ما منطلقات اليسار فى فكرة «الصلح مع إسرائيل»؟

- عندما ذهب السادات إلى القدس، كنا نشاهد الزيارة على التليفزيون، وكنا متوقعين أنه عندما يضع السادات قدمه فى إسرائيل، «مصر هتقوم»، وهذا لم يحدث.

بعض اليساريين قالوا إن هذا تفكير غير طبيعى، لأن الناس تعبت من الحروب، ونحن أمام أمر واقع ولا بد أن نبحث عن طريق آخر، لأننا دفعنا الكثير من الأموال والشهداء بسبب الحروب.

وأغنية سيد مكاوى «أنا قلبى معاك طول ما أنت هناك»، كانت قد أطلقت لاستقبال السادات وهو عائد من إسرائيل.

■ هل المال كان أحد أسباب إفساد المثقفين المصريين؟

- طبعًا بالتأكيد، المال أهم أسباب إفساد المثقفين المصريين، وأنا شخصيًا عندى نظرية أن «الفلوس تدخل من هنا والثقافة تخرج من الناحية الأخرى»، خصوصًا عندما تكون الأموال كثيرة.

لكن ورغم ذلك «الناس لازم تعيش أيضًا»، وأنا كنت أنشر فى مجلات عربية مثل البيان الكويتية والثقافة العراقية، وأذكر أول مرة أحصل على مبلغ كبير مقابل النشر كان فى عام ١٩٧٨ وكان ٣٣ جنيهًا، وكانت المجلة هى «الطليعة الأدبية» وكانت تصدر فى العراق.