رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عضوية «بريكس».. فرصة ومسئولية

مع ميلاد هذا العام، أصبحت مصر، وكل من: المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، وإثيوبيا، والأرجنتين، وإيران، أعضاء كاملى الأهلية فى مجموعة «بريكس +»، التى تضم، إضافةً إليها، مجموعة الدول المُؤسسة: المُؤَلَّفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وهو تطور جديد مُهم يمثل لمصر فرصة مُمتازة، لا تتكرر كثيرًا، لأسباب عديدة سبق وأن أشرت إلى بعضها فى مقال سابق بعنوان «إحنا وبريكس»، نُشر يوم ٥ سبتمبر الماضى، ومنها أن الدول الخمس المُؤَسِّسة لهذا التجمُّع تمثل نحو ثلث حجم الاقتصاد العالمى، وخُمس حجم التجارة الدولية، و٢٦ بالمئة من مساحة العالم و٤٣ بالمئة من سكان العالم، وتنتج أكثر من ثلث حبوب العالم، وبانضمام الدول الست الجديدة بقدراتها المالية والبشرية، سيزداد نصيبها من عناصر الاقتصاد العالمى الرئيسة، ويقترب عدد المُنضوين تحت لوائها من نصف سكان العالم، وهى بهذا أصبحت أمرًا واقعًا يُحسب له حساب، خاصةً فى لحظات الاستقطاب الدولى الراهنة، التى تتبدى فيها ملامح صراع كونى ضارٍ لإعادة مأسسة النظام الدولى المُجحف القائم، والسعى لبناء نظام دولى جديد، أكثر عدلًا وإنصافًا، بديلًا لمنظومة الهيمنة الأمريكية الغربية، التى انفردت بإحكام قبضتها على شئون العالم وثرواته خلال العقود الثلاثة الماضية، فزادته إرهاقًا على إرهاق، وضعفًا وفقرًا ومعاناة؛ على ضعفه وفقره ومعاناته التى لا حدود لها!

وأُضيفت إلى هذه العناصر المُهمة، ملامح أخرى لا تقل أهمية، بل ربما تزيد فى هذه الظروف الخطيرة التى يتعرض فيها أمننا الوطنى والقومى، وأمن المنطقة لتهديدات خطيرة من مُخططات التدمير والإبادة الجماعية الصهيونية، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وأساسًا مصر، بفرض التهجير القسرى لأكثر من مليونى فلسطينى إلى سيناء، مع ما يحمله هذا الحل الإجبارى من مخاطر مؤكدة، وتحديات محتملة، تجسدها تحركات الأساطيل البحرية، واستعراضات حاملات الطائرات الغربية التى تمخر البحار من حولنا، وتأهب القواعد العسكرية التى تشكل حزامًا للحصار فى دول عربية وإفريقية وآسيوية لا حصر لها.

أما هذه العناصر فيمكن تركيز أهمها فى النقاط التالية:

- فمع ضخامة الحجم الاقتصادى لمجموعة «بريكس»، خاصةً بعد انضمام عملاقى النفط الخليجى: السعودية والإمارات العربية، تتميز المجموعة بتفوق فى قوتها العسكرية والنووية.

- مجموعة دول بريكس الأساسية تضم أربعة جيوش من الجيوش الكبرى والأكثر خبرة وتقدمًا فى العالم، هى جيوش روسيا والصين والهند والبرازيل.

ووفق إحصاءات موقع «جلوبال فاير بور» لعام ٢٠٢٣، فإن الإنفاق الدفاعى لدول «بريكس» بلغ ٤٠٠ مليار دولار، وأهم جيوش المجموعة هو الجيش الروسى؛ وهو ثانى أضخم جيش عالميًا، ويبلغ عدد جنوده مليونًا و٣٣٠ ألف فرد، بينهم ٨٣٠ ألفًا قوات عاملة؛ و٢٥٠ ألفًا قوات احتياطية، و٢٥٠ ألفًا قوات شبه عسكرية. وجاء فى وثيقة لوزارة المالية الروسية «نُشرت فى ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٣»، أن نفقات الدفاع سترتفع بأكثر من ٦٨٪ على أساس سنوى، لتصل إلى ١٠.٨ تريليون روبل «١١١.١٥ مليار دولار»، ما يشكل حوالى ٦٪ من إجمالى الناتج الداخلى. 

ويواجه هذا الجيش، فى الحرب الأوكرانية، الجيش الأوكرانى المدعوم من الولايات المتحدة، وحلف «الناتو»، وتجمعات المرتزقة، وحقق عليهم تفوقًا ملحوظًا، رغم كل المساعدات اللوجستية العسكرية والمعلوماتية والتسليحية والمادية، الأمريكية والغربية. 

كذلك فإن الجيش الصينى يُعد ثالث أضخم الجيوش فى العالم، والأول لجهة الإنفاق العسكرى فى مجموعة دول بريكس، بقيمة ٢٣٠ مليار دولار، وعدد جنوده يبلغ ثلاثة ملايين و١٣٥ ألف فرد، بينهم مليونان من القوات العاملة، و٥١٠ آلاف من القوات الاحتياطية، و٦٢٥ ألفًا من القوات شبه العسكرية، وقد شهد تحديثًا وتطويرًا على درجة عالية من الرُقى التكنولوجى، وتُصنع الصين جانبًا كبيرًا من احتياجاتها العسكرية ومُعداتها الحربية المتقدمة، ما يجعلها منافسًا مهمًا للدول الصناعية الراسخة، وذات التاريخ فى الصناعات العسكرية.

وإذا أضفنا لما تقدّم القدرات العسكرية لباقى الدول المُؤَسِّسَة للمجموعة، وتلك المُضافة إليها بعد ضم المجموعة الجديدة التى من ضمنها مصر إليه، لأدركنا أهمية هذا الجانب والقيمة المُضافة لنا من هذه الخطوة المُوَفقة. 

فانضمام مصر إلى مجموعة بريكس، بقدراتها الاقتصادية والعسكرية الفائقة، يُمثل عنصر قوة لا جدال فيه لمصر، كما أن انضمام مصر إليها يُمثل أيضًا عنصر إضافة حقيقيًا، بالنظر لحضور مصر التاريخى، وتأثيرها الكبير فى العالمين العربى والإسلامى؛ والقارة الإفريقية؛ ومنطقة الشرق الأوسط، ودورها العالمى.

لكن الاستفادة القصوى من هذه الفرص الاقتصادية والعسكرية الكبيرة، سيظل رهين قدرتنا على أن نكون مُهيأين للتفاعل الإيجابى مع هذا المُحيط الإنسانى الهائل، الذى يبلغ نحو نصف تعداد البشرية كلها، بتنوع مكوناته البشرية والثقافية والحضارية وقدراته المادية والمعنوية. 

ويحتاج النجاح فى هذه المهمة الكبيرة، خاصةً فى ظروفنا المحلية الصعبة؛ وظروف المنطقة الحرجة، التفاعل بانتباه ومسئولية مع هذه المُهمة البالغة الضرورة، وعدم التعامل معها باعتبارها أمرًا مفروغًا منه، وفرصة مضمونة «فى الجيب»، ذلك أن الأمر لن يكون بهذه السهولة أو اليُسر، ولكنها تمثل فرصة تتطلب الجهد الشاق لتحقيق غاية المُراد منها، ولعلنى لا أتجاوز الحقيقة، حين أمثلها بشخص مُرهق يحمل عدة حقائب ثقيلة، وينتظر منذ مُدّة طويلة القطار الأخير الذى سيحمله إلى مُبتغاه، والذى لن ينتظر فى المحطة سوى لبضع ثوانٍ فقط؛ وعلى مَن يريد ركوبه أن يكون فى كامل اللياقة، حتى يتمكن من القفز بأحماله إليه، قبل أن يُغادر المحطة.. مرة وإلى الأبد.