رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"داليا زيادة".. كعقب سيجارة مُحترق سيُدهس بالأقدام!

قبل أن تُشرق الشمس، أنبأتنا السيدة «داليا زيادة» عن نفسها بالخبر اليقين، حين هرولت للارتماء فى أحضان راعيها الرسمى؛ العدو الصهيونى، ففضحت أغراضها، وكشفت عوراتها، وأفصحت عما كان من الصعب ستره، أو التدليس بشأنه: إنها ليست بأكثر من خادم بائس لأسياد أكثر بؤسًا، وإنها سعت بقدميها إلى حتفها، مثل كل خائن مأجور، وقايضت شرفها بأبخس الأثمان، ككل عميل موتور، باع الانتماء لوطنه، وتنازل صاغرًا عن أهله وكرامته، فلطّخ سُمعته بالأوساخ، وألقى باسمه؛ غير مأسوف عليه؛ إلى مزبلة التاريخ!

كانت السيدة «داليا» تتبجح بأنها صاحبة قضية، تواجه الإرهاب والتعصُّب والعنصرية لدى المصريين والمقاومين الفلسطينيين، وهو أمر محمود لو كانت نواياها خلصت، وكان خيارها خيارًا موضوعيًا عن قناعة ويقين، وفى هذه الحالة كان عليها أن تُدافع عن موقفها بنزاهة وشرف، وأن تدفع ثمن ما تؤمن به من عقيدة، وما تتبناه من مواقف، مثلما فعل الآلاف من الأحرار فى كل مكان وزمان، ومثلما فعل كل أصحاب المواقف والانحيازات للحق والكرامة، والمدافعين عن المبادئ ومصالح الوطن والناس؛ على مدار التاريخ!

فعل هذا الملايين من المناضلين فى مشارق الأرض ومغاربها، ضد الاحتلال الأجنبى، والاستبداد السياسى الداخلى، والعنصرية والتطرُّف الفكرى والطغيان الأيديولوجى، ودفعوا الثمن من حريتهم، ومن سلامتهم الجسدية، بل من وجودهم على قيد الحياة ذاتها؛ ونستطيع أن نستشهد بالآلاف من الأسماء، فى وطننا وخارجه، لتأكيد صحة هذا الرأى الذى لا يحتاج إلى دليل.

ومن الثابت أن لهذا الوطن خطوطًا حمراء تُحتمها شروط الوطنية الحقّة؛ وله حدود لا يجب تخطيها، مهما اختلفنا حول رؤية أو تقدير موقف، وهذه الحدود مُرتبطة بمصالحه العليا المُقدسة التى يتوجب احترامها والحفاظ عليها، مهما كانت التباينات فى الرؤى والتقديرات، وهى اعتبارات لازمة ومؤكدة فى كل الأزمنة والأمم.

لكن «داليا» تخطت هذه الخطوط الحمراء بكل تبجُّح، وقفزت عليها بكل توقُّح، لسبب واحد بسيط، أنها لم تكن بالأساس صاحبة قضية، ولا حاملة موقف، ولا مُدافعة عن رأى، وإنما، وآسف لاستخدام هذا اللفظ: مُجرد مُرتزقة، تبيع نفسها لمن يدفع الثمن، وترهن روحها، إن كان لها روح، لمن «يُشخلل» جيبه، وهذا هو دافعها الأساسى، الذى جعلها تهرب إلى أحضان آبائها الروحيين، فى مُستنقع الكيان الصهيونى الآسن، المُتخم بحروب الإبادة العنصرية والخراب، والمُلوث بدم آلاف الأطفال الفلسطينيين والأبرياء والضحايا!

ولأن وضع السيدة «داليا» وضعٌ مُختلف، ولأنها تعرف عن يقين بأن كل مزاعمها مُجرد زيف وادِّعاء؛ ومحض باطل وخواء، سارعت بالفرار إلى أحضان سيدها الصهيونى، المانح والمانع. فهى لا تملك من الدوافع، ولا القوة، ولا الحوافز، ولا الجسارة ما يجعلها تخوض هذا الاختبار: اختبار صحة موقفها، ودفع الثمن اختياراتها؛ ولذلك كان الحل الأسهل بالنسبة لها، أن تهرب إلى نموذجها «الديمقراطى» الأمثل: العدو الصهيونى! الذى التقاها بحرارة مُبرَّرة، ومؤقتة، مُمَثَّلًا فى «فلور حسن ناحوم»، نائبة عمدة مدينة القدس للشئون الخارجية والاقتصادية والتنموية والسياحية، فى دولة الاحتلال الصهيونى، وفى الحفاوة التى التقاها بها المُذيع الإسرائيلى «روعى كايس»؛ وفى حديثها إليه، مُعَبِّرَةً عن موقفها المُستمر بعدم التوقف عن «إدانة المقاومة، وتأييد الحرب على غزة؛ حتى القضاء على المقاومة»، وأنها: «تمامًا تمامًا مع حرب إسرائيل على المُقاومة الفلسطينية، وأؤيدها مائة بالمائة، وأدعو الجميع لتأييدها»، ومُذَكِّرَةٌ أهلها الجُدد، الصهاينة الإسرائيليين، أن «اليهود حيفضلوا فى نظرى هُمَّا شعب الله المُختار، وحيفضلوا فى نظرى بشر مُكرمين من عند رب العالمين»!!!

والعجيب أن الست «داليا» وهى تعبر الحدود إلى حيث ألقت، أعماها ضيق أفقها، وغشاوة عمالتها للعدو، عن رؤية ظاهرة ذات دلالة يلمسها العالم كله، بل ويهتز لها الداخل الصهيونى نفسه، ويدور حولها الحوار العلنى فى وسائل الإعلام الصهيونى ذاته، وهى الشك فى مصير كيانهم اللقيط والخوف مما يتهدد مستقبله، ودلالة ظاهرة اتساع موجات الهجرة المضادة من داخل الكيان الصهيونى إلى خارجه، وانكشاف هزال مناعته فى المواجهة الدائرة بينه وبين أصحاب الحق التاريخى فى فلسطين.. كل فلسطين؛ من النهر إلى البحر، والتى أثبتت صدق الحكمة الدارجة: «ما مات حق وراءه مُطالب»!

وكنت قد وعدت فى المقال السابق أن أرد على ادعاءات الست «داليا»؛ التى أفسحت معظم أسطره لعرضها؛ حتى يكون القارئ على بَيِّنة مما يدور الجدل، بله الصراع، حوله، وأن أكشف زيفها، وتلفيقها، وهزال ركائزها الفكرية والحركية، وغياب المنظور الوطنى تمامًا من خلفياتها، وأن أوضح ارتمائها البائس، أو لنقل اليائس فى خانة أعداء الوطن والشعب، لأسباب لا علاقة لها، من قريب أو بعيد، بالغيرة على المبادئ، والدفاع عن القيَّم السامية، كما ادَّعت وتبجّحت! وإنما بالمصالح المادية، والمكاسب الشخصية، أولًا وأخيرًا.

غير أن الست «داليا»، بهربها الكاشف، أغنتنى عن هذا العناء، فهى تَكَفَّلت بفضح نفسها، وتعرية زيف مزاعمها، ولسان حالها يرد على حُججها الخائبة الرد الأبلغ: «لا يوجد فيها ذكرته من مُبررات لسلوكى ما يحتاج للرد، فهروبى إلى الملاذ الصهيونى يؤكد أنى لا أدافع عن مبدأ، ولا أُحامى عن قضية، وإنما أؤدى دورًا أؤجر عليه، من الطرف الصهيونى، فى الأول والأخير»!

ستُصبح الست «داليا»، لمدة وجيزة، «فرخة بكشك» عند أهل وطنها الجديد، الكيان الصهيونى اللقيط، وستنضم إلى بوقة المُطبلين لـما يـصفونه بــ«واحة الديمقراطية فى صحراء العرب» بعد فوات الأوان، وعقب انكشاف حقيقتها الدموية أمام ملايين الشعوب فى مختلف البقاع، وستظل «داليا» محطًا للأضواء الصهيونية لمُدَّة محدودة من الزمن، تُستخدم خلالها كـ«ممسحة» لقاذوراتهم، وسيستهلكونها فى الانتقام من مصر وفلسطين، ولاعتصارها فى التهجُّم على الوطن الذى كان وطنها، والشعب الذى انتمت إليه بموجب الميلاد، وإن لم تحبهما، أو تحترمهما فى يوم الأيام..

ثم حين يستنفدون أغراضهم من الست «داليا»؛ سيلقون بها إلى سلة المُهملات.. تمامًا مثلما فعلوا، ويفعلون، مع كل عميلٍ استُنفد الغرض منه، وحل أوان دهسه، كعقب سيجارة مُحترق، بالأقدام!
..............
* الأمين العام للحزب الاشتراكى المصرى