رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإرهاب يدنـس الأرض المقـدسـة


د.مصطفى كامل محمد

بالرغم من الإجراءات الأمنية التى تقوم بها القوات المسلحة لتطهير الأرض المقدسة التى تحتضن « البقـعـة المباركة»، إلاً أنه يتعـين على مصر العـمل على إعادة النظر فى الملاحق الأمنيه لاتفاقية كامب ديفيد بما يتيح لها ولإسرائيل تحقـيق الأمن المشترك الذى يندرج مفهومه تحت قـناعة الطرفين أن لهما مصالح مستمرة ومتبادلة.

تعرضت الأرض المقدسة فى سيناء لأكبر عـملية إرهابية شهدتها حتى الآن من حيث الحجم وعـدد الضحايا والمصابين، وترجع مسئولية تنفيذها – كما تؤكد الدلائل - إلى الجماعات الإسلامية التى تتبنى الفكر الجهادى التكفيرى، التى قامت من قبل بتفجـيـرات طابـا يوم 6 أكتوبر 2004، وتفجـيـرات شـرم الشيخ يـوم 23 يوليو 2005، وتفجيرات دهـب فى 24 إبريـل 2006، وأخيـرا عـملية رفح المشئومة، وقد تمت هذه العـمليات لتدنس الأرض المقدسة التى حباها الله لتكون موطنًا لشعـيب فى «مدين» وملاذًا آمنا ليوسف حين خذله إخوته ليكون أمينًا عـلى « خزائـن الأرض»، وكلم الله فيها موسى تكليما «بالوادى المقدس طوى» ومعـبرًا آمنا للمسيح وأمه البتول حين آواهما «إلى ربوة ذات قرار ومعـين» ثم كانت ممرًا لانتشار آخر رسالات السماء لهدى الأرض فى «كنانة الله»، والمؤسف أنها تمت بواسطة الجماعات الإسلامية التى تعـتنق الفكر الجهادى التكفيرى، الفكر الذى يؤمن بالعـنف كوسيلة للتفكير والتعـبير والتغـيير، الفكر الذى انتهج أصحابه نهج الخوارج فأصبحوا مارقين من دين الله، وانحرفوا بالإسلام عـن جوهره وغايته، فبدلا من أن يتدبروا القرآن، اتخذوه أداة للرجعـية والتخلف، عـندما تجاهلوا تعاليم القرآن الذى تنزل به «جبريل» على «محمد» وكانت بـداية رسالته الخاتمة «اقرأ» لتكريس قيمة المعـرفة حتى يتدبـر كلام الله الذى سيكون « تبيانا لكل شىء»، والملاحظ أن هذه العمليات الإرهابية التى تمت على الأرض المقدسة قد اتسمت بالتخطيط الدقيق والاحترافية فى التنفيذ، واختيرت توقيتات تنفيذها بعـناية، حيث ارتبطت جميعها بذكرى لها وقع خاص فى نفوس المصريين، حديث ذلك وكأن هذه الجماعات ترغـب فى طمسها أو إفسادهـا، فكانت تفجيرات طابا لإفساد ذكرى نصر أكتوبر، وتفجيرات شرم الشيخ جاءت لإفساد ذكرى ثورة يوليو، أما تفجيرات دهب فكانت لإفساد ذكرى عـيد تحرير سيناء، وقد ارتبطت العـملية الأخيرة بالعاشر من رمضان.

وفى هذا السياق أود التذكير بما تناولته سابقًا فى هذا المكان من الجريدة بتاريخ 24 يناير 2012 بعـنوان « تساؤلات تعـصف بالذهن لا أجد لها إجابة «فقد تضمن كثيرًا من التساؤلات التى تتعـلق بحجم الأخطار والتهديـدات الآتية من الغـرب «من ليبيا» من تهريب الأسلحة، وما هو كم ونوع الأسلحة التى يتم تهريبها من هذا الاتجاه، ولصالح من يتم تهريبها، وضد من سيتم استخدامها، وما الأهداف التى يمكن تحقيقها عـند استخدامها، ولصالح من يتم تحقيق هـذه الأهـداف، وهل يمكن استخدام هذه الأسلحة فى تسليح ميليشيات عـسكرية يتم إعـدادها وتجهيـزها لبعـض التيارات والكيانات ذات المرجعـيات المختلفة لاستخدامها فى تحقيق أهداف مستقبلية، وهل صحيح أن تنظيم القاعـدة استطاع أن يخلق له موطئ قـدم فى لـيـبـيـا لاستكمال تطويق مصر «باعـتبارها الدولة المحورية فى المنطقة» بما يسمى بتلاحم التيارات الإسلامية «حزب الله وحماس فى الشرق ـ التيار الإسلامى المتنامى فى السودان جنوبا ـ التيار الإسلامى فى الجزائر وتونس القاعـدة فى ليبيا غـربا»، وهل يرغـب هذا التنظيم فى تشكيل فرع له فى سيناء؟

كما تضمن أيضا تصريحات ليبرمان وزير خارجية إسرائيل، وإيهود يـارى الباحث بمعهد واشنطن والإعلامى الإسرائيلى البارز «بأن سيناء قـد أصبحت مركزا لعـدم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، ونقطة انطلاق محتملة للإرهاب، ومصدرا للتوتـر بين مصر وإسرائيل، وتساءلت عـن الهدف من هـذه التصريحات؟، وهل تعتبر هذه التصريحات رسالة إلى الولايات المتحدة بأن مصالحها فى المنطقة قـد تصبح مهددة عـند بناء قوة إقليمية بحجم مصر؟ أم هى رسالة موجهة أيضا للولايات المتحدة كى تعـمل عـلى دعـم إسرائيل بجـمـيع المعـطـيات الإسـتـراتيـجـية التى تـرتـبـط بعـلاقـات تـوازن الـقـوى مع مصر حـتى تضمن صعـود مـنحـنى الـتـفـوق العـسكرى لصالحها باستمرار؟، أم هى رسالة للمجتمع الإسرائيلى ذاته لإحداث قدر من الرضا عـند زيـادة الأعـباء المالية وتوجيهها للإنفاق العسكرى؟ أم هى دعـوة لإعادة احتلال سيناء أو جزء منها لإحـيـاء فـكـرة إقامة الـوطـن الـبديـل لـلفـلـسـطـيـنـيـيـن فى سـيـنـاء، وإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى حتى تكون الدولة اليهودية خالصة لليهود؟

والآن حان وقت الإجابة عن هـذه التساؤلات من خلال سير وتنفيذ هذه العـملية ، فالإجابة ربما تصبح مقـنعـة عـند تحديد الأطراف المستفيدة من نتائج العـملية عـلى نحو سليم، فمن اليسير أن نشير إلى أن إسرائيل هى المستفيد الأول من هـذه العـملية الدنيئة، بل لعـلها تكون ضالعة بالاشتراك فى تنفيذها حتى تؤكد تصريحات إيهود يـارى وليبرمان بأن سيناء قـد أصبحت مركزا لعدم الاستقرار فى المنطقة، ونقطة انطلاق محتملة للإرهاب، ومصدرا للتوتـر بين مصر وإسرائيل، ويكون ذلك مدعاة لإعادة احتلالها أو الاستيلاء عـلى جزء منها وجعلها وطنا بديلا للفلسطينيين، حتى تكون إسرائيل وطنا خالصا لليهود، إذ يمكن ملاحظة أنه قد تم قتل جميع الأفراد الذين شاركوا فى العملية عند محاولة اختراق الحدود، فى حين أنه لم تقع أى خسائر لدى الجانب الإسرائيلى، كما يمكن ملاحظة تواجد قائد المنطقة العسكرية الجنوبية فى مركز العـمليات لمتابعـة وإدارة عـملية اختراق حدود إسرائيل.

وتأتى إيران كثانى الأطراف استفادة من العملية، وتشير الدلائل إلى أنها ربما تكون متورطة فيها من خلال حركة المقاومة الإسلامية «حماس» أو بعـض الجماعات الإسلامية التى تتبنى الفكر الجهادى التكفيرى الموالية لها داخل قطاع غـزة، بهدف تقليل الضغـوط الدولية ضدها وضد حلفائها فى سوريا، إذ يمكن التأكيد عـلى أن غـزة قـد لعـبت دورا كبيرا فى العـملية، إما بتسلل بعـض الإرهابيين من داخلها عـبـر الأنفاق، أو بتقديم مختلف المساعـدات لهم من داخل القطاع بما فى ذلك المعاونة النيرانية لستر وتأمين خروجهم من الموقع، وهو موقف غـريب من أولئك الذين ضحت مصر من أجلهم، دفاعا عـن حقوقهم وحريتهم واستقلالهم، ليس منًا ولا أذى، فالوقوف إلى جانبهم واجب، والتجارة معهم «فوق الأرض وليس تحتها» منافع لهم، والتنسيق الأمنى بيننا وبينهم ضرورة، فإذا كانت هذه هى التزاماتنا التى ألزمنا بها أنفسنا كما يمليه علينا حسنا الوطنى وإنتماؤنا القومى، فالواجب عليهم العمل على حفظ وصيانة أمننا والمشاركة فى تحقيق المصلحة العليا لنا، حماية لأمنهم وحفاظًا على استقرارهم.

وبالرغم من الإجراءات الأمنية التى تقوم بها القوات المسلحة لتطهير الأرض المقدسة التى تحتضن « البقـعـة المباركة»، إلاً أنه يتعـين على مصر العـمل على إعادة النظر فى الملاحق الأمنيه لاتفاقية كامب ديفيد بما يتيح لها ولإسرائيل تحقـيق الأمن المشترك الذى يندرج مفهومه تحت قـناعة الطرفين أن لهما مصالح مستمرة ومتبادلة، وقد أصبحت هذه المصالح على المحك، ولا بـد من إيجاد حلول وصيغ مشتركة للقضايا الأمنية المشتركة، بما يضمن ضبط الحدود بينهما عـلى نحو متكافئ، بمعـنى أن تتخلى إسرائيل عن استراتيجيتها التى تهدف إلى ضرورة تحقيق الأمن المطلق لإسرائيل دون غـيرها من الدول المتاخمة لها، وأن تتخلى أيضا عـن بعـض معـتقداتها التى تتعـلق بسيناء حيث تعـتبرها جزءا منفصلا عـن مصر. كما يتعـين على مصر الإسراع فى إحياء وتفعـيل المشروع القومى لتنمية سيناء، وهو ما سيكون موضوع المقال القادم بإذن الله.

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

■ استاذ العلوم السياسية جامعة بورسعيد