رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المذبحة المنتظرة.. ماذا سيحدث بعد الاجتياح البرى لقطاع غزة؟

غزة الآن
غزة الآن

حذّر باحثون ومحللون استراتيجيون من خطورة تداعيات عملية الاجتياح البرى، التى يعتزم الاحتلال الإسرائيلى تنفيذها فى قطاع غزة، للقضاء على تنظيمات المقاومة الفلسطينية وأبرزها حركة «حماس».

وقال الباحثون والمحللون، فى أحاديثهم مع «الدستور»، إن الاجتياح البرى المزمع يؤدى إلى مزيد من الأزمات الإنسانية فى قطاع غزة، كما أنه يستنزف الكيان المحتل من الناحية الاقتصادية، ويؤدى إلى دخول إيران حلبة الصراع.

وتوقع الباحثون ألا تكون عملية الاجتياح سهلة لجيش الاحتلال الإسرائيلى، بسبب اكتظاظ قطاع غزة بالسكان، الذين قد يضطرون إلى حمل السلاح، رفقة عناصر «حماس»، فيواجه الاحتلال بذلك مئات الآلاف من المسلحين الذين سيكبدونه خسائر فادحة.

تحويل الصراع إلى مواجهة تشمل «حزب الله» وجماعات عراقية

قال على عاطف، باحث فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن الاحتلال الإسرائيلى لا يزال مُصرًا على تنفيذ عملية الاجتياح البرى لقطاع غزة، على الرغم من التحذيرات الأمريكية والغربية، مشيرًا إلى أن إسرائيل بدأت قصف المدنيين فى غزة جوًا، تمهيدًا لتنفيذ هذه العمليات البرية. وأضاف «عاطف»: «تنفيذ عملية اجتياح برى لقطاع غزة، قد يكبد جيش الاحتلال الإسرائيلى خسائر فادحة، تتخطى بكثير ما فقده منذ اليوم الأول لعملية (طوفان الأقصى) فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣».

وواصل: «عملية كهذه ستواجَه بمئات الآلاف من السكان المدنيين الحاملين الأسلحة فى قطاع غزة، إلى جانب الفصائل الفلسطينية الأخرى مثل حماس، ما يعنى تحول العملية إلى حرب شوارع، لا يمكن لجيش الاحتلال السيطرة عليها، كما أن تحقيقه انتصارًا بها سيصبح كذلك محل شك».

وأكمل: «الرئيس الأمريكى، جو بايدن، حذر إسرائيل من مخاطر هذه العملية، قائلًا على هامش رحلته الأخيرة إلى تل أبيب، إنه ناقش مع قادتها البدائل الممكنة للعملية العسكرية البرية الإسرائيلية المحتملة فى قطاع غزة».

وتابع: «لم يكن بايدن وحده من حذّر، بل قادة أوروبيون آخرون وضعوا على أجندتهم أيضًا مخاطر ذلك على مسألة المحتجزين الأجانب فى القطاع».

وأشار الباحث فى المركز المصرى إلى أنه «على صعيد آخر، فإن عملية برية إسرائيلية فى غزة، قد تقود إلى تحول الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى إلى مواجهة إقليمية أكثر اتساعًا، تضم الفصائل الفلسطينية، والجماعات الأخرى المتحالفة معها، أو المقربة منها فى الشرق الأوسط، مثل حزب الله أو الجماعات العراقية».

وأفاد بأن مختلف هذه الجماعات هددت بالانخراط المباشر فى العمليات العسكرية ضد إسرائيل، حال تنفيذ الأخيرة عملية برية فى قطاع غزة، ما يعنى مواجهة الاحتلال حربًا على مختلف الجبهات، سيصعب عليه التعامل معها. كما شدد على أن حسابات ما قبل العملية البرية كثيرة ومعقدة لدى الاحتلال الإسرائيلى، ما يعمل على تأخيرها على الأقل فى الوقت الراهن، أو ربما تقود هذه الحسابات فى النهاية إلى إيجاد بدائل لها، على حد تعبير «بايدن».

خسائر ضخمة فى صفوف الاحتلال وتفاقم الأزمات الإنسانية للفلسطينيين

وصف شادى محسن، باحث فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، تنفيذ الاحتلال عملية برية فى قطاع غزة، بهدف إسقاط حركة «حماس» وتجريدها من قدراتها العسكرية، بأنه سيناريو يحمل مجموعة من التداعيات والمخاطر، ويخلق جملة من التحذيرات.

وأوضح «محسن» أن أول هذه التداعيات، تفاقم الأزمة الإنسانية فى غزة، خاصة بين الفلسطينيين العزل، كما سيتسبب الغزو فى خسائر بشرية ضخمة بين صفوف جنود الاحتلال، ما سيدفعهم إلى استخدام القوة الغاشمة التى ستدمر البنية التحتية فى القطاع بشكل أكبر.

وأضاف: «ستزيد العملية الضغط المجتمعى على نتنياهو، الذى سيطالبه بعدم التسبب فى خسائر بين الإسرائيليين، كما سيُجَر الاقتصاد الإسرائيلى إلى مزيد من الاستنزاف الحاد، ما يهدد مستقبل قطاع التكنولوجيا، ويمكن فى هذه الأثناء أن يبرز سؤال حول مستقبل اليمين فى إسرائيل، الذى دون شك سيتهدد استقراره».

وواصل: «كما أن موقف إيران يعد محوريًا فى الأزمة، لكن يتضاد معه عدم رغبة حقيقية فى الانجرار إلى حرب إقليمية أمام الولايات المتحدة، وبالتالى قد تضطر للاشتباك عبر حزب الله، حال قضى الاحتلال على حركة حماس».

وأكمل: «لن تقتصر رقعة الصراع بين الاحتلال وغزة على حدود القطاع، بل قد تتسع لتشمل أهدافًا بحرية فى شرق المتوسط وخليج العقبة فى البحر الأحمر، ما يهدد ذلك السيناريو الأمن الإنسانى لسكان قطاع غزة، الذين قد يضطرون للتمركز صوب معبر رفح، ما يمثل عبئًا إنسانيًا فى تلك المنطقة الواقعة جنوب غزة».

شبكة الأنفاق المجهولة تحول العملية إلى «حرب شوارع محتملة»

رأت رحمة حسن، الباحثة فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن إصرار الاحتلال الإسرائيلى على الاجتياح البرى لقطاع غزة، والانتقال من مرحلة «التطويق الخارجى» إلى «التوغل»، بدعوى القضاء على المقاومة وتحرير الرهائن المحتجزين لدى «حماس»- لن يكون غير مزيد من العمليات التى تحاول القضاء على ديموغرافية القطاع، وتفريغه من سكانه لصالح الهدف الاستيطانى وأطماع تهويد الأرض.

 وأضافت الباحثة: «الاجتياح العسكرى ليس بالأمر السهل الذى تتصوره قوات الاحتلال، فانتشار شبكة الأنفاق غير المعلومة فى غزة يغير من شكل الاجتياح البرى إلى حرب شوارع محتملة، بين عناصر المقاومة وقوات الاحتلال، عبر الاشتباك اليومى بينهم، ما سيطيل أمد الصراع، خاصة عقب تصريحات إيران بأنها لن تقف صامتة أمام اجتياح غزة بريًا، وبالتالى سيعمل الاجتياح على توسيع رقعة الصراع بدخول لاعبين جدد وعناصر أخرى مدعومة من إيران». 

وأشارت إلى أن الاحتلال يجرى عملية جس النبض عبر الحديث عن اجتياح شمال غزة، لكن حديثه هذا يأتى كخطوة لإرباك القطاع، وخلق حدود فاصلة بينه وبين هجمات المقاومة، للوصول إلى اتفاق يعيد الرهائن المحتجزين لدى «حماس»، عبر الضغط بسياسة «الأرض المحروقة»، واستهداف قيادات المقاومة، إلا أن هذا لن يؤدى إلا لإطالة الصراع.

وتابعت: «ما يحدث جريمة حرب، فى ظل انتهاج التهجير القسرى للسكان الأصليين، عبر استهدافهم وإرغامهم على ترك أماكنهم والتوجه جنوبًا، إلى جانب دك المبانى والبنى التحتية فى كامل القطاع، الأمر الذى سيؤدى لحدوث كارثة إنسانية وجريمة جديدة تضاف لجرائم الحرب التى يرتكبها الاحتلال».

تقليل فرص السلام والتهدئة فى المنطقة

حذر اللواء محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، المستشار فى الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، من خطورة الاجتياح البرى لقطاع غزة، مشددًا على أن أعمال العنف لن تزيد القضية إلا تعقيدًا، وستقلل من فرص السلام وتهدئة الأوضاع.

وقال مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق: «الرئيس عبدالفتاح السيسى حذر من استخدام القوة المفرطة، أو الشعور بالقوة واستخدامها فى تنفيذ مهام اعتداء دون وعى».

ورأى أن «مفتاح حل مشكلة غزة ووقف الاجتياح البرى يكمن فى تحرير المحتجزين لدى حركة حماس»، متابعًا: «إسرائيل لن تستطيع التدخل بريًا فى غزة؛ إلا إذا توافرت لديها معلومات مؤكدة عن أماكن المحتجزين الإسرائيليين، لأن بنيامين نتنياهو يريد تحقيق نصر مزيف عبر تحرير المحتجزين قبل خروجه من منصبه».

وتوقع «الغبارى» عدم تنفيذ إسرائيل غزوًا بريًا لقطاع غزة، مرجعًا ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها أن حجم المعلومات عن حركة «حماس» وعددها غير كاف بالنسبة لهم، بجانب أن القوات الإسرائيلية نفسها ضعيفة وغير مؤهلة لتنفيذ تلك الخطوة، لكن حال تنفيذ الاجتياح البرى، سيجرى استدعاء لواء مقاتل للدخول إلى غزة، وفى كل الأحوال، يظل من المستحيل القضاء على حركة «حماس».

الاحتلال لا يستطيع التنفيذ فى الوقت الحالى بسبب ندرة المعلومات

رأى اللواء نصر سالم، المستشار فى الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا، أن إسرائيل لن تجرؤ على اجتياح غزة بريًا، إلا إذا كبدت المقاومة الفلسطينية ما لا يقل عن ٩٠٪ خسائر فى أفرادها، وهو ما لم يحدث.

وقال «سالم»: «أفراد المقاومة مجهولون بالنسبة لجيش الاحتلال، كما أن إسرائيل لا تمتلك معلومات كافية عن فتحات الأنفاق ولا الأسلحة التى بحوزة المقاومة، وما أعلنته إسرائيل عن أنها أجلت الاجتياح البرى بوساطة أمريكية، غير حقيقى».

وأضاف: «الحقيقة أن إسرائيل تخفى خلف هذا عدم قدرتها الفعلية على الاجتياح، ومحاولتها كسب وقت للتوصل إلى معلومات حول المقاومة واستهدافها، فرغم أن واشنطن أمدتها بقنابل ارتجاجية لهدم الأنفاق، إلا أنها لا تعلم مدخل هذه الأنفاق».

وشدد المستشار فى الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا على أن خسائر اجتياح قطاع غزة بريًا ستكون كبيرة على الجانبين، خاصة الإسرائيليين، معتبرًا أن إسرائيل لو لديها فعليًا القدرة على اقتحام غزة بريًا، لكانت اقتحمتها منذ اليوم الأول، خاصة أنها لا تخشى قتل أسراها فى غزة خلال عملية الاقتحام، لأن لديها «قانون هانيبال»، الذى يجيز لجيش الاحتلال قتل أسراه دون محاسبة.

وتابع: «جيش الاحتلال لو حاول اقتحام غزة دون التوصل لمعلومات عن أفراد المقاومة والأنفاق، فإنهم سيتكبدون خسائر فادحة، وربما تكون غزة مقبرة الجيش الإسرائيلى».

وقال «سالم» إن تفسيره لكل الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين فى غزة، هى أنها عمليات جبانة، تعكس خوف إسرائيل ورغبتها فى الانتقام.