طاقة نور| "الإعاقة ليست فينا".. محمد طه: الدنيا خُلقت لكى نعيشها (فيديو)
«من يقولون إنهم معاقون؛ هم المعاقون حقًا.. فالإعاقة إعاقة الفِكر فقط».. رسالة يؤمن بها محمد طه ابن محافظة كفر الشيخ, الذي جعلته آلام الجسد مُلازمًا لكُرسيه المُتحرك.. حكاية طويلة بدأت بفُقدان «الحبيبة والصديقة والأنيسة».. رَحَلت الأم، فتوقف الجسد حزنًا عليها، لكن الأمل لم ينتهِ، وبدأت حكاية لأيقونة جديدة في قاموس أصحاب القدرات الفائقة.
حكاية أمل صنعها الشاب، يروي تفاصيلها منذ بدأت، فيقول: اسمي محمد طه، طالب بالفرقة الرابعة لكلية الآداب جامعة كفر الشيخ.. نشأت نشأة طبيعية جدًا.. كأي طفل.. كنت ألعب وأركض.. لم أكن أحمل أي هموم.. استمرت الحياة كذلك حتى بداية المرحلة الإعدادية.. هُنا كانت نقطة التحوّل.. حدثت ليّ أكبر فاجعة في حياتي.. كانت فاجعة ومفاجأة في الوقت نفسه، لأني لم أكن أتوقع حدوثها.. ماتت أمي.. وأمي بالنسبة ليّ لم تكن مجرد أم، كانت صديقتي.. لديها كل أسراري، ولديّ أسرارها.. كنا نَمزح معًا.. نلعب معًا.. كانت تُعاملني كما لو كانت صديقها.. ليست علاقة ابن وأم فحسب.
يتذّكر «محمد» تفاصيل اللحظة المؤلمة في حياته، مستطردًا: حينما ماتت أمي؛ ربما لم أبكِ يومها.. رُبما لم أحزن الحُزن الكبير.. لكن الحزن الحقيقي كان بداخلي.. كانت الصدمة، وهُنا بدأت أمرض دون أن أدري.. بدأ المرض يقتحمني دون أن أشعر.. شهر يتلو الآخر.. وبدأت أعراضه تظهر وتشتد.. وذات يوم قلق أبي، وقرر أن يذهب بيّ للطبيب.. «الدكتور قاله عادي.. شوية تعب وهياخدلهم علاج».
«ظللت 4 أشهر مُلتزمًا بالعلاج الذي أقره الطبيب، لكن لم تظهر أي نتيجة.. ذهبت بعدها إلى أحد المستشفيات، فطالبوني بإجراء مُنظار لمعرفة سبب هذه الأنيميا التي أُعاني منها، وتبيّن أن لديّ التهابات مُزمنة على القولون.. القولون مُتقرّح، مما يُسبب نزيف في البُراز، ثم تحدث الأنيميا، لذا يجب علاج الالتهابات لنُعالج الأنيميا ـ هكذا قالوا، وهكذا فعلت.. والتزمت بتناول العلاج لعامين أو ثلاثة.. ولم يحدث جديد» ـ يقول محمد.
آلام الجسد لم تنزع الأمل من داخل ابن كفر الشيخ، وواصل رحلة علاجه مسافرًا إلى محافظات كثيرة بحثًا عمّن يُداويه، ووجد في النهاية أنه يُعاني من خلل في الهيرمونات ومشاكل في الأعصاب سببت له منع الحركة.. «هذا كله وأنا أحمد الله وأقول يارب عوضني خير في الآخرة» ـ يصف حاله راضيًا.
لم يُوقف محمد طه، مساره التعليمي، لكن شيئًا جديدًا كان ينتظره: ظل الحال كما هو عليه حتى وصلت إلى الصف الثالث الثانوي العام.. حينها قرر أبي أن تنتهي رحلتي التعليمية (بسبب المرض).. لكن كانت أتمنى أن أكمل تعليمي، فمنذ صغري وأنا نشأت نشأة قرآنية.. نشأت في الكُتّاب وتعلمت القرآن الكريم، ونشأت على اللغة العربية الأصيلة، فالحمد لله نشأتي نشأة صحيحة، وكنت أحب القراءة والشعر والتعبير للغاية، لكن أبي كان خائفًا عليّ من المرض الذي أُصابني.. وكان يخشى عليّ من التنمر.. كان يخشى من أشياء كثيرة، ولكي أُرضيه ظللت عامًا دون تعليم.. وبعدها اقترح عليّ أصدقائي أن يُقدموا أوراقي في الكلية دون علم أبي.. في البداية أخذت أُفكر، وبعدها استخرت الله ثم قولت سأُجرب.. هي تجربة؛ إن لم تنفع؛ فلن تضر.
«قدمت أوراقي بالفعل، وكنت أذهب إلى الجامعة في الامتحانات فقط، وأُتابع محاضراتي عبر الإنترنت.. كل هذا ولم يكن أبي يعلم.. لكنه اكتشف الأمر في الفصل الدراسي الثاني.. لامني في البداية أنني لم أسمع كلامه، لكنه أبدى سعادته بيّ بعدها.. كان سعيدًا بما فعلته.. لأنني تحديّت نفسي.. تحدّيت إعاقتي.. نجحت وانتقلت إلى الفرقة الثانية، فالثالثة، ثم الرابعة.. كل هذا بفضل الله.. تمسكت بهدفي.. كان أمام عيني طيلة الوقت.. كيف سأتعلم.. كيف سأنفع بلدي.. لابد أن أتغلب على هذه الإعاقة».. يقول محمد ناصحًا: لا يوجد شىء اسمه ذوي إعاقة.. الإعاقة هي إعاقة الفِكر.. الناس الذين يُفكرون أنهم مُعاقون هم المُعاقون بالفعل.. لا يجب أن يقول أحد إنه مُعاق.. الجميع يجب أن يتمسك بهدفه.. إن لم تكسب؛ فلن تخسر.. جربوا.. لن تخسروا شيئًا.. الدنيا وُجِدت لكي نعيشها.. ستعيشها مرة واحدة فقط.. قال الله تعالي (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).. ماذا ستقول لله حين اللقاء؟.. هل ستقول إنك كنت نائمًا على السرير لأنك كنت تشعر بالتعب؟.. "مينفعش".. انفع نفسك بنفسك، وتمسك بهدفك؛ وقتها ستكون أحسن الناس».
