رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تنوع مصادر الطاقة.. الطريق إلى التنمية الشاملة «2-2»


مصر يمكنها أن تصبح أكبر منتج ومصدر للطاقة الكهربائية بجميع صورها بحكم التنوع والتكامل والتناغم بين المصادر المتوفرة لديها، وبحكم موقعها الوسط.

تناولت فى المقال السابق مدى الحاجة الاستراتيجية الملحة لإقامة المحطة النووية بمنطقة الضبعة، حتى يمكن توفير خام البترول الذى تستهلكه المحطات الحرارية ذات القدرات المحدودة التى تستهلك 70% من إنتاجها، خاصة بعـد أن أصبحت مصر دولة مستوردة له، كما أن الحرارة المتولدة من انشطار رطـل واحـد من الـيـورانـيـوم تعـادل مثيلتـها من احتراق1250 طن فحم الذى قررت الحكومة استخدامه «11 مليون كيلووات / ساعة»، وقد أدى ذلك إلى إرهاق الاقتصاد المصرى الذى يسعـى إلى جذب الاستثمارات من الداخل والخارج لإنشاء مصانـع جديدة تحتاج إلى كمية كبيرة من الطاقة الكهربية، كما أن بناء المحطة النووية سيؤدى إلى دعم المقدرة الاقتصادية عـند تصدير إنتاجها من البترول والغاز الطبيعى، أو على الأقل تصنيعه بما يؤدى إلى تراكم القيم المضافة إلى منتجاته، أما الطاقـة الكهربائية النظـيـفـة والمستدامة فيمكن إنتاجها بكميات هائلة وتنوع كبير بما يجعـل مصر أكبر مصدَر لها بحكم تنوع مصادرها وموقعها.

إذ يمكن إنتاج الطاقة الشمسية عن طريق إنشاء تجمعات الأبراج الحاملة للمرايا العاكسة فى صعـيـد مصر الذى يتميـز بشمس ذات قـوة إشعاع هائلة طوال السنة، على أن يتم تخزيـن الطاقـة المستخرجة فى بطاريات لاستـخـدامها ليـلا، وفى أوقات الغـيـوم النادرة فى شتـاء صعـيـد مصر القصيـر «أ.د.هانى النقراشى- الدستور 13 مايو 2014»، وهذه الطاقة المستخرجة من قوة إشعاع الشمس تكفى لإحداث التنمية الشاملة التى تأخرت كثيرا فى جميع محافظات الصعـيـد، وهو ما يضمن تـنـفـيـذ المخطط الاستراتيجى للتقسيم الإدارى الجديد الذى سيضيف مساحات واسعة إليها وفقا لبرنامج الرئيس المنتخب، إذ يمكن استغلال الطاقة المستخرجة فى تحلية مياه البحر الأحمر بعد إنشاء محطات تحلية عملاقة، أو فى استخراج المياه الجوفية بالكميات التى تلبى مطالب الحياة اليومية للتجمعات السكانية التى سوف تُنشأ، وتلبية احتياجات الزراعة والتصنيع والخدمات، أما فائض الطاقة الكهربائية المستخرجة من قوة سطوع الشمس فيمكن تصديره فى مراحله الأولى إلى دول جنوب الصحراء الأفريقية، خاصة دول منابع النيل القريبة التى تفتقر إلى الطاقة لإحداث التنمية المنشودة والتى تأملها «شمال وجنوب السودان– أوغـندا – الكونغـو – كينيا – رواندا- بوروندى» ثم تصدير كامل الفائض الهائل منها إلى القارة الأفريقية بأسرها بعـد استكمال هذا المشروع العملاق، وهو ما سيؤدى إلى تعـزيز العلاقات التعاونية مع جميع الدول الأفريقية أولا، ويضمن استعادة مصر لدورها فى القارة ثانيا، كما يمكن أيضا إنتاج الطاقة من الرياح التى تهب طوال العام تقريبا على المناطق الساحلية خاصة منطقة السواحل الغربية بدءً من مطروح إلى السلوم، وعلى هضبة السلوم ونقـب حلفايـا، وسلساة جبال البحر الأحمر وجبال وسط وجنوب سيناء بما يحقق إحداث التنمية الحقـيـقـية.

وفى مجال الطاقة الكهرومائية فيمكن دراسة مدى جدوى إحياء مشروع منخفض القطارة العـملاق لتوليد الطاقة من تساقط وتدفق المياه، فإذا علمنا أن هـذا المنخفض العـملاق ذى المساحة الشاسعة ويصل منسوبه إلى 145 متراً تحت سطح البحر، لأدركنا على الفور أنه سيضيف قدرة هائلة من الطاقة الكهرومائية، تكفى لإحداث التنمية الشاملة للصحراء الغربية بعـد إنشاء محطات تحلية مياه عملاقة لرى المساحات الشاسعة لزراعـة القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتى من هـذه السلعة الاستراتيجية للدولة، والرئيسية فى حياة المصريين، واستعادة مكانة مصر التى كانت «قبو الحنطة» للإمبراطورية الرومانية، وإنشاء مصايد ومصانع للثروة السمكية فى هذه البحيرة العملاقة، كما يمكن إنشاء أكبر منتجع سياحى عالمى حول المنخفض، بما يُؤدى إلى تعـظيم مكانة مصر السياحية، ثم تصدير فائض الطاقة الكهرومائية الهائل المتولد من هذا المشروع إلى أوروبا ، وهو ما سيؤدى إلى تعـظيم الناتج القومى الإجمالى للدولة.

وصفوة القول، فإنه يُمكن القول بأن مصر يمكنها أن تصبح أكبر منتج ومصدر للطاقة الكهربائية بجميع صورها بحكم التنوع والتكامل والتناغم بين المصادر المتوفرة لديها، وبحكم موقعها الوسط، باعـتبارها حلقة الوصل بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغـرب، وبما يضمن لها تنمية قوتها الشاملة ويُعـظم دخلها القومى بما يؤدى إلى انتقالها من قائمة أفقر 35 دولة فى العالم، إلى قائمة الدول متوسطة الدخل على المدى القريب، ثم إلى قائمة الدول عالية الدخل على المدى المتوسط، فإذا استطاعـت التنسيق مع الدول والشركات الأوروبية التى تسعى إلى تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة المستديمة كشريك فى مقابل إمدادها بالطاقة النظيفة المتجددة، لاستطاعـت احتلال المكانة اللائقة بها إقليميا وعـالميا على المدى المتوسط.. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

■ أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد