رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة 30 يونيو.. والتوازن الدولى «26»


تُمثل مصادر عـدم الاستقرار بعـداً آخر يهدد سيادة واستقلال الوطن العـربى، وتتمثل هذه المصادر فى صراع الوجود الذى يتعـلق بالأمن المائى «إثيوبيا وسد النهضة ـ وإسرائيل ومياه المناطق المحتلة وتحويل مجرى نهر اليرموك»، وصراع الحدود بين دول العالم العربى والقوى غـير العـربية، وكذلك التى بين الدول العـربية مع بعـضها، والقضايا العالقة بين القوى المختلفة،

خلصت فى المقالات السابقة إلى أنه بالرغم من أن المنطقة العـربية تعـتبـر المكون الرئيسى للشرق الأوسط، وبالرغم من أهميتها أمنياً وعسكرياً واقتصادياً باعـتبارها قلب العالم، وأهميتها الحضارية باعتبارها موطناً لأقدم حضارتين بشريتين، استقبلت جميع رسالات السماء لهدى الأرض فشكلت للبشريـة ضميرها وقيمها، وبالرغم من أنها نقلت لأوروبا العلوم التى جعـلت من أفكارها أساساً لنهضتها، فإنها افتقرت إلى المنظور الجيوبوليتيكى الذى يمكنه التعامل مع منظور القوى العـظمى والإقليمية الفاعلة فى المنطقة، كما افتقرت إلى الحد الأدنى من التكامل والتقدم حتى أصبحت عرضة للأخطار، خاصة فى غـياب مفهوم الأمن القومى الجماعى «بقاء الوطن العربى، وصيانة سيادته واستقلاله، ونمائه وازدهاره»، ولذلك أشرت إلى ضرورة قيام القادة العـرب بإعادة تقييم الوضع العـربى باعتباره الموضوع الأهم فى الوقت الراهن، لوضع رؤية استراتيجية موحدة عن الأمن القومى العـربى، حتى يتسنى لهم تحقيق التوازن الاستراتيجى مع القوى الإقليمية غـيـر العـربية، ويُمكنهم الإجابة أيضاً عن التساؤلات التى تدور فى الذهـن العـربى الجمعى، وخلصت إلى أن الأخطار التى تهدد بقاء الوطن العربى هى افتقاره للأمن المائـى الذى يشكل التحدى الأعـظم، كما أن ارتباطه بسياسات الولايات المتحدة التى تفتقر إلى القيم والأخلاق دوماً، وارتباطه باستراتيجيتها التى ستظل ثابتة لا تتغـيـر يمثلان تهديـداً آخر لبقائه.

وتأتى المشروعات القومية للقوى الإقليمية على قمة قائمة الأخطار التى تهدد سيادة واستقلال العالم العـربى «العنصر الثانى من مكونات الأمن القومى» بالاستيلاء على واحتلال الأراضى العربية وطمس هويتها، وهو ما يُمثل انتهاكاً صريحاً لسيادة واستقلال الوطن العربى، وفى هذا السياق يُمكن ملاحظة أن إسرائيل ما زالت تتمسك بمنظورها الجيوبوليتيكى الجائر القائم على التوسع والاستيلاء على أراضى الآخرين، لبناء وفرض الدولة اليهـوديـة بالقـوة فى قلب العالـم العـربى على أرض الميعاد التى وهـبها الرب لإبراهـام من النيل إلى الفرات، ولتحقيق ذلك فهى تسعى إلى إحداث التفوق الشامل على الدول العـربية مجتمعة بمساعـدة الولايات المتحدة، على أن يبنى هذا الـتـفـوق على أساس استراتيجى حربى يتمحـور حوله عـناصر قـوتها الشاملة لضمان صيانة أمنها وبقائها وسيادتها، مع إصرارها على الانفراد بامتلاك الرادع النووى.ويشكل البعـد القيمى لإيران المساحة الأكبر فى منظورها الاستراتيجى، إذ تسعى حثـيثاً لتحقـيق حلمها الدائـم لإحيـاء مشروع الدولـة الإسلاميـة «إحيـاء الإمبراطورية الفارسيـة تحت الراية الشيعـية» بالاستيلاء على العـراق ودول الخليج العـربى ومصر، لذلك فإنها تسعى إلى تصديــر النموذج الثـورى الإسلامى الإيـرانى إلى هذه الوحـدات الـسـياسية من خـلال التـيـارات الإسلامية المناهـضة لأنظمة الحكم، والسعى إلى إسقـاط هذه الأنظمة من الداخل وإحلال أنظمة أخرى موالية لها، وكخـط متوازٍ تسعى إيران إلى بناء قوات مسلحة تـفـوق حاجتها الدفاعـية مع إصرارها على امتلاك الرادع النووى.ويشكل إدراك تركيا بالمتغـيرات الدولية والإقليمية أساس توجهها الجيوبوليتيكى لإحياء دولة الخلافة السنية بما يتسق مع منظور العـثمانيين الجدد، خاصةً بعـد أن استوعـبت الأسباب الحقيقية لرفض طلب انضمامها للاتحاد الأوروبى حتى الآن، إذ يكمن السبب الأول فى الاختلاف الجذرى بين النسق القيمى التركى والنسق القيمى لدول غرب أوروبا دينياً وثقافياً، كما يُمثل التناقض الكبير بين نسقها الاجتماعـى والنسق الأوروبى السبب الحقيقى الثانى خاصة فيما يتعلق بمعـدلات النمو السكانى، إذ يبلغ معدل النمو فى تركيا 2% أى عشرة أضعاف النمو السكانى لمعـظم دول أوروبا 0,2%، الأمر الذى سيجعـل هذه الدول مضطرة إلى استيعاب فائض العـمالة التركى الضخم فى حالة قبول عضويتها، وهو ما سيؤدى إلى اختلال نسقها الاجتماعى، ولذلك تسعى تركيا إلى إحياء الإمبراطورية العثمانية لتكون سوقاً بديلة للسوق الأوروبية.وتُمثل مصادر عـدم الاستقرار بعـداً آخر يهدد سيادة واستقلال الوطن العـربى، وتتمثل هذه المصادر فى صراع الوجود الذى يتعـلق بالأمن المائى «إثيوبيا وسد النهضة ـ وإسرائيل ومياه المناطق المحتلة وتحويل مجرى نهر اليرموك»، وصراع الحدود بين دول العالم العربى والقوى غـير العـربية، وكذلك التى بين الدول العـربية مع بعـضها، والقضايا العالقة بين القوى المختلفة، والصراعات العـرقية والقبلية بين العشائر، كل هذه الصراعات قد تقود المنطقة إلى حروب أهلية، وتزيد من عـمليات التمرد والهجرة، الأمر الذى سيشكل تهديداً خطيراً لسيادة واستقلال دول العالم العربى، خاصة إذا جاء حل هذه القضايا والصراعات على حساب العـرب، وفى ظل ضعـف تفـاعـلات الجامعة العربية وفى غياب مفهوم الأمن القومى العربى.. وللحديث بقية بإذن الله.

■ استاذ علوم سياسية- جامعة بورسعيد